15/1/2008

رصدت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها السابع “تسارع وتيرة التردي في حالة حقوق الإنسان في سورية على كل الصُّعد، وأكدت اللجنة أن مستوى التردي في حالة حقوق الإنسان في سورية اتسع عندما شنت السلطات حملة ثانية طالت أربعين ناشطاً من أعضاء المجلس الوطني لإعلان دمشق في التاسع والعاشر من شهر كانون الأول (ديسمبر 2007) إثر عقدهم مؤتمراً انتخبوا خلاله قيادة جديدة.

نشطاء المجتمع المدني

وأكدت اللجنة في تقريرها الذي نشرته في 15/1/2008 أن “نشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان (نالوا) قسطاً كبيراً من الاضطهاد والمضايقات والتنكيل والإجراءات القمعية والانتقامية، فلقد اعتقل عدد منهم وصدرت بحقهم أحكام جائرة بالسجن، ومنع آخرون منهم من السفر وأعيدوا من المنافذ الحدودية، وطرد فريق آخر من وظائفهم”. وأشارت في هذا السياق إلى الاعتقالات على خلفية إصدار إعلان دمشق – بيروت والتي كان من نتائجها إدانة ميشيل كيلو وأنور البني بأحكام قاسية إضافة إلى الحملة الجديدة في صفوف نشطاء إعلان دمشق حيث لا يزال في نهاية العام كل من أحمد طعمة وجبر الشوفي وأكرم البني وعلي العبد الله وفداء الحوراني ووليد البني وياسر العيتي قيد الاعتقال.

القانون 49

وقالت اللجنة في تقريرها الذي يقع في 55 صفحة من القطع المتوسط إن “السلطات السورية (صعدت) حملتها ضد جماعة الإخوان المسلمين على نحو استفزازي، واستمرت محكمة أمن الدولة العليا بدمشق في إصدار أحكام الإعدام على جميع المعتقلين الذين أخضعوا للمحاكمة بتهمة الانتساب إليها”. وقد بلغت الأحكام بالإعدام؛ التي أصدرتها محكمة أمن الدولة على المتهمين بالانتساب إلى الإخوان المسلمين 24 حكماً على الأقل. ورغم تخفيض الأحكام إلى اثنتي عشرة سنة في السجن، إلا “غالبية الذين صدرت بحقهم هذه الأحكام المجحفة هم أبناء أو أقارب لأعضاء من جماعة الإخوان المسلمين الذين يعيشون في المنفى الاضطراري منذ ثمانينات القرن الماضي، ولقد عاد هؤلاء من منفاهم القسري إثر مراجعات للسفارات السورية أو وعود بالعفو تلقوها عبر أقارب لهم راجعوا الجهات الأمنية في سورية بالنيابة عنهم، لكن ما إن وصلوا إلى البلاد حتى ألقى القبض عليهم وأخضعوا للتعذيب وسوء المعاملة”.

المفقودون

ولا يزال ملف المفقودين في السجون السورية عالقاً دون حل، حيث أشار التقرير إلى أنه “لم يجد جديد في هذا العام على ملف المفقودين في سورية الذين يناهز عددهم 17000 سوري اعتقلوا في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن الماضي واختفت آثارهم”.

المهجرون

كذلك لا يزال عشرات الآلاف من المهجرين السوريين الذين اضطروا للفرار من بلادهم منذ أوائل الثمانينيات من القرن الماضي بسبب شمولهم وأولادهم وأحفادهم بالقانون 49 لعام 1980؛ يعانون في المنافي. ويحاول النظام السوري الضغط عليهم عن طريق حكومات البلاد التي يقيمون فيها أو عن طريق تقديم أسمائهم باعتبارهم إرهابيين.

وفي هذا السياق، تعرض المهجرون السوريون في العراق المقيمون منذ ثلاثة عقود لأخطار كبيرة هددت حياتهم ووجودهم، “وكانوا هدفاً للشرطة العراقية والميليشيات المسلحة القريبة منها والقوات الأمريكية. فقتل منهم زهاء 38 شخصاً أخذوا من منازلهم أو أماكن عملهم أو من الشارع واعتقل حوالي 23 شخصاً، وأغارت قوات بزي الشرطة على بعض مساكنهم في شارع حيفا وأحرقت 15 منزلاً في (16/1/2007). ويشار إلى أن الذين تمكنوا من المغادرة إلى دول أخرى يعانون أيضاً في أماكن إقامتهم الجديدة من البطالة والعوز. أما الذين عادوا إلى بلادهم فقد اعتقلوا وحوكموا بموجب القانون 49 لعام 1980 أو بسواه. من جهة أخرى، سجلت اللجنة السورية لحقوق الإنسان في العطلة الصيفية لعام 2007 بعض صور المعاناة التي لاقتها أسر المهجرين الذين يستطيع بعضهم زيارة سورية، “إذ يتعرضون للتوقيف على الحدود البرية وفي المطارات ويطلب منهم مراجعة دوائر المخابرات.. ويطلب من الزوجة والأولاد إعطاء معلومات دقيقة عن الزوج أو الأب وآخر مستجدات سيرته وظروفه المعيشية ومحيطه الاجتماعي، ويلقون التهديدات والشتائم والمنع من السفر والعودة وأحياناً الحجز والاعتقال وسوء المعاملة والتعذيب”.

الأكراد

واستمرت خلال فترة التقرير (من حزيران/يونيو 2006 وحتى نهاية كانون أول/ ديسمبر 2007 ) الحملة ضد الأكراد في سورية بكل أنواعها: الاعتقال والتقديم للمحاكم الاستثنائية والعسكرية والاستمرار بإنكار الاعتراف بحقوق الكرد كمواطنين يتمتعون بكافة حقوقهم، وإنكار الاعتراف بحقوقهم الثقافية والإثنية التي يمنحها النظام لإثنيات أخرى في سورية، وقمع أي مطالبة يقومون بها بالعنف ولو أدى ذلك إلى استخدام العنف ضدهم وإطلاق النار عليهم. كما قدم كثير من النشطاء الأكراد للمحاكم الاستثنائية بتهم مفصلة وجاهزة مثل الانتساب لتنظيم سري ومحاولة اقتطاع جزء من الأراضي السورية بهدف ضمها إلى دولة أجنبية.

الإسلاميون

وشهد العام المنصرم استمراراً لاستهداف الإسلاميين من أصحاب التوجهات السلفية أو حزب التحرير وسواهم بشكل غير مسبوق منذ تولي بشار الأسد رئاسة سورية. “بينما حظي الشيعة الوافدون إلى البلاد بتسهيلات كبيرة في بناء المراكز والحسينيات والقيام بالأنشطة المختلفة”.

وفي سياق متصل، “راقبت اللجنة السورية لحقوق الإنسان عن كثب حملة احتضان السلطات الأمنية السورية لبعض الأفراد الذين دأبوا على استنفار عواطف المواطنين الدينية تحت شعارات الجهاد ومقاومة الاحتلال… ولقد قضى بعض الذين ذهبوا (إلى العراق)، وأما الذين رجعوا (أو لم يذهبوا أصلاً) فبادرت أجهزة المخابرات إلى اعتقالهم وتقديمهم للمحاكمة أمام محكمة أمن الدولة”. وقد بلغت الأحكام التي صدرت بحق الإسلاميين 15 سنة فما دون ذلك، وحكم على عدد كبير منهم بالسجن لبضعة أعوام مع الأشغال الشاقة والتجريد من الحقوق المدنية والحجر والتغريم.

الاعتقال العشوائي

كما استمرت الاعتقالات العشوائية في سورية على أوسع نطاق في القرى والمدن والبلدات تستهدف كل معارض للنظام وكل من يُشتبه بمعارضته. و”الغالبية العظمى من حالات الاعتقال العشوائي لا تصل أخبارها إلى وسائل الإعلام والمنظمات الإنسانية وخصوصاً عندماً يتعلق الأمر بالمتدينين، إذ يعتقلون سراً في الليل وتخشى أسرهم التي تتعرض للتهديد بالاعتقال والاجراءات العقابية من التحدث بالخبر”.

المعتقلون العرب

وعدا عن العشرات من العرب الذين اعتقلتهم السلطات السورية أثناء زيارتهم إلى سورية خلال العام المنصرم، فإن هناك المئات ممن لا يزالون “يرزحون في السجون والمعتقلات السورية من قبل، هذا باستثناء المئات الذين اختفوا بنفس الطريقة التي اختفى فيها زملاؤهم المعتقلون السوريون منذ ما يقرب من ثلاثة عقود”.

و”وردت تقارير عن اعتقال مواطنين سعوديين قدموا إلى البلاد لقضاء العطلة أو لزيارة أقارب أو للطبابة في سورية فألقي القبض عليهم واتهموا بالانتماء إلى المذهب الوهابي وتيارات إسلامية أو بشبهة محاولة التسلل إلى العراق أو بشبهة ممارسات غير أخلاقية، ثم تبين أن معظم حالات الاعتقال حصلت على خلفية الابتزاز المالي من عناصر أمن فاسدين مدعومين”.

وفي حين تشير بعض التقارير إلى وجود 215 معتقلاً أردنياً في السجون السورية، إلا أن مصادر إنسانية أردنية ترفع هذا الرقم إلى ألف معتقل. وتعتقد اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن كثيراً من المعتقلين الأردنيين الذين اعتقلوا في الثمانينيات قد اختفوا في السجون، فقد أعدموا أو ماتوا تحت التعذيب الشديد.

كما تطالب جمعيات حقوق الإنسان اللبنانية بالكشف عن مصير 850 لبنانياً اعتقلوا خلال فترة الوجود السوري في لبنان. ويضاف إلى ذلك العشرات من الفلسطينيين والعراقيين الذين اعتقلوا خلال هذا العام وقلما تمت الإشارة إليهم بسبب التكتم من جهة أجهزة الأمن من جهة وخوف أسر المعتقلين من عواقب الإفصاح عن اعتقال أحبائهم من جهة أخرى.

التعذيب وسوء المعاملة

يستعمل التعذيب على نطاق واسع وبشكل روتيني ومنهجي في مراكز التحقيق والمعتقلات والسجون السورية. “ويشتد التعذيب وتتنوع أشكاله وتتلون فنونه حسب المعتقل والتهمة الموجهة إليه ودرجة تعاونه مع المحققين. والمعتقلون على خلفية إسلامية ينالون القسط الأكبر من التعذيب، فبينما تهدر الأجهزة الأمنية كرامتهم إلى أبعد حد تزهد كثير من المنظمات الإنسانية العالمية في إبراز حالاتهم والدفاع عنهم”.

وفي حالات لا بأس بها يفضي التعذيب إلى الموت، لكن السلطات لا تعترف بذلك، وفي حال تسليم جثة المعتقل لذويه يطلب منهم عدم فتح الصندوق ودفنه فوراً بينما يبرر تقرير طبيب السجن الموت بأنه حدث إثر “نوبة قلبية مفاجئة”. وقد أحصت اللجنة ما لا يقل عن أربع حالات وفاة نتيجة التعذيب هذا العام.

وإلى جانب الموت تحت التعذيب، تكررت حالات القتل نتيجة تزايد استخدام الرصاص الحي من جانب السلطات في مواجهة المواطنين المحتجين أو بطريقة عشوائية، حيث سقط نحو 10 مواطنين قتلى خلال الفترة التي يغطيها التقرير السابع.

محكمة أمن الدولة

أصدرت محكمة أمن الدولة العليا في دمشق خلال الفترة التي يغطيها التقرير مئات الأحكام، ما لا يقل منها عن 24 حكماً بالإعدام بحق من اتهموا بالانتساب إلى الإخوان المسلمين، إضافة إلى عشرات الأحكام بحق إسلاميين ونشطاء سياسيين بمختلف توجهاتهم وإنسانيين. وتُعتبر هذه المحكمة من ضمن أخطر الانتهاكات لحقوق المواطنين في البلاد، بالنظر إلى الصلاحيات المطلقة التي تتمتع بها.

قمع الحريات الإعلامية

اتبعت قوات الأمن في هذا العام أسلوباً جديداً لإحباط الاعتصامات، مثل اعتقال المتوجهين للاعتصام وضربهم، أواعتقالهم لفترة مؤقتة، ونقلهم بسيارات إلى مناطق بعيدة في أطراف العاصمة دمشق لتفريق الاعتصام ومنعه. وتقوم أجهزة المخابرات والشرطة بتفريق المتظاهرين مستخدمة وسائل عديدة أولها الضرب وآخرها إطلاق الرصاص الحي.

كما تقيد السلطات السورية حركة سائل الإعلام في سورية، سواء من حيث الترخيص أو من حيث حرية النشر. ولا يزال الإعلام الرسمي هو المسيطر في المجالات كلها. ولم تمنح السلطات تراخيص لإنشاء مؤسسات إعلام تغطي الشؤون السياسية باستثناء تلك التي يملكها أشخاص متنفذون، في حين أجبرت بعض وسائل الإعلام على وقف صدورها.

وما زالت “قائمة المواقع على شبكة الانترنت المحظورة في ازدياد مطّرد… والمنع لا يطال فقط المواقع السياسية أو المعارضة، بل يتعداها إلى بعض المواقع غير المعارضة”. وكانت السلطات السورية قد أصدرت تعليمات مشددة لأصحاب مقاهي الانترنت لكي تحتفظ بمعلومات دقيقة عن مرتاديها تتضمن هوية الأشخاص والأجهزة التي استخدموها، وإبراز هذه المعلومات للجهات الرسمية عند الطلب مما يجعل من السهل اعتقال أي شخص يرتاد مواقع ممنوعة، تحت طائلة المسؤولية.

ملف الانتخابات

وتطرق تقرير اللجنة السورية لحقوق الإنسان إلى الاستحقاقات الانتخابية الثلاثة التي مرت خلال عام 2007، وهي انتخابات مجلس الشعب في نيسان/ إبريل، والاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية في أيار/ مايو، ثم انتخابات الإدارة المحلية في شهر آب/ أغسطس.

ولاحظت اللجنة أن هذه المناسبات الانتخابية الثلاث “تفتقر إلى المقاييس الديمقراطية”، حيث يحتكر حزب البعث وحلفاؤه غالبية المقاعد سلفاً. كما أن المرشح لرئاسة الجمهورية يجري ترشيحه من جانب “جهات عليا في حزب البعث الذي احتكر قيادة الدولة والمجتمع”.

ورغم اتخاذ السلطات إجراءات لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات، عبر “إرغام المواطنين على الإدلاء بأصواتهم مثل إجراء الانتخابات في أيام الدوام الرسمي، ومراقبة بطاقات الهوية الشخصية للموظفين ومعاقبة الذين لا توجد إشارة الانتخابات على بطاقاتهم”، إلا أن اللجنة تعتقد بأن النسبة لم تتجاوز 10% في الحالات الثلاث.

وسجلت اللجنة اعتقال العديد من المواطنين إثر الاستفتاء على منصب رئيس الجمهورية واختفائهم في السجون ومراكز التحقيق على نحو ما خلفية التصويت بـ (لا). كما تعرض بعض الصحفيين الذين غطوا الاستفتاء للإعتداء من عناصر الأمن وأمروا بمغادرة البلاد فوراً. ولقد وثقت اللجنة حالات كثيرة من إكراه المواطنين بصورة فردية أو جماعية للمشاركة بـ (نعم) في الانتخابات، كما وثقت حالات استصدار عدد كبير من البطاقات الشخصية (بدل تالف أو فاقد) لتأمين مشاركات مشكوك في نزاهتها.

للاطلاع على التقرير كاملاً

اللجنة السورية لحقوق الإنسان
لندن (المكتب المؤقت)

[an error occurred while processing this directive]