25 ديسمبر / كانون الأول 2008
مجموعة مراقبة حالة حرية التعبير في تونس-آيفكس TMG-IFEX
تاريخ الصحافة كان في مجمله تاريخ صراع بين الحرية والسلطة. واكتسى هذا الصراع في كثير من الحالات صبغة دموية إذ ذهب ضحيته كثير من الناس الذين مارسوا حقهم في التعبير ووفّروا للجمهور معلومات وأفكار لم تكن السلطة تقبل تداولها. كما قدّم الكثير من الصحافيين والممارسين لحرية الإعلام تضحيات على مستوى حريتهم الشخصية وصحتهم وعائلاتهم ومصالحهم ليشعلوا شموعا وليسلّطوا الأضواء على انتهاكات حقوق الإنسان والإستبداد والفساد.
وقد كان من نتائج هذا الصراع تحوّلات عرفها العالم الحر اليوم، الذي رغم ما قد يقال فيه من عدم الكمال فقد ضُبطت فيه العلاقة بشكل جيّد نسبيّا بين السلطة والصحافة.
أمّا في بلادي وفي جلّ الدول العربيّة فإنّ العلاقة بين السلطة وحرية الإعلام بقيت متأزمة ويطغى عليها طابع الصراع الذي يبدو أحيانا صراع وجود بين حاكم هدفه الأساسي البقاء في السلطة والحفاظ على مصالحه، وبين مواطنين قليلي العدد يصرّون على فضحه وعدم تركه يفعل ما يشاء.
يعمد الحاكم إلى كلّ الأساليب لتخويف الناس وإثنائهم عن التصدي له ويستعمل في ذلك كلّ السلط الخاضعة له بما في ذلك القضاء ويعمل على شراء ذمم جزء من المجتمع بتشريكهم في محصول الفساد مقابل الدعاية له وتزيين أخطائه.
ويتصدّى له مناوئوه بسلاح الحقيقة ومشروعية الوسيلة ونُبل الغاية. ولكن أنّ لهذا أن يصمد أمام جبروت من يستطيع أن يسجن ويعذب ويسيء المعاملة أو يروّع العائلات، أو يجّوعهم؟.
إني أؤكد لكم أنه لولا ضغط المجتمع المدني الدولي على النظام لدينا ولولا ضغطه على الحكومات الغربية لكي تتولى بدورها الضغط على حكومتنا لتقلّص من قمعها للحرية لما كان لنا أن نناضل بالكلمة الحرّة والصادقة ولوضعنا في حافلة وألقي بنا من أعلى جبل ولتحمّل مشعل النضال القساة الذين يؤمنون بالعنف أو الذين قد يضطرّون إليه اضطرارا.
إن نجاحنا اليوم في تحدّي الإستبداد بالكلمة والنضال السلمي لا يحدّ من استبداد الحاكم فقط وإنّما يرجع أيضا الأمل للشباب فينا. فينظمّ بعضهم لنا في نضالنا ويبقى الآخرون على حيادهم ولا يتهوّرون حتّى لا يستغلّ الحاكم تهوّرهم لمزيد التضييق على الحريات بدعوى متطلبات مقاومة الإرهاب، التي لسوء الحظّ لا زالت تنطلي كحيلة على الكثير من السياسيين والإعلاميين في العالم فيتولّون تقديم الأعذار لحكومات مستبدّة وفاسدة تصنع الإرهاب بالقمع ثم تقاومه بالقمع.
إنّي أنتهز هذه الفرصة لأقول لكلّ من ساهم في الدفاع عنّي ودعمي عندما كنت في سجن الإستبداد أن جهدهم لم يذهب هباء وأنه لولا مواقفهم لكان وضعي في السجن أقسى.. لولا مواقفهم لنفّذ الذين هدّدوني بالمساس بعائلتي تهديديهم.. لولا مواقفهم لما كنت حتى لأمكّن من كتب وجرائد أقرؤها في السجن لمقاومة وحشته والإحساس بالظلم وفقد الزوجة والأبناء العائلة والأصدقاء. وأذكّركم أن هناك في الدول العربية وغيرها أناس يتألّمون لأنهم أرادوا مقاومة جحافل الأمن والعسكر بالقلم وبلوحة المفاتيح وأنهم يستحقون منا كل الدعم.
ولا ينبغي أن أفوت الفرصة لألوم أصدقائنا الإعلاميين والمدافعين عن حقوق الإنسان وعن حريّة التعبير في الدول العربية. وأبدأ بنفسي وبالمدافعين التونسيين عن تقصيرنا في الدفاع عن بعضنا البعض. وإن كانت مشاكل كلّ دولة عربية على حدة على درجة من الجسامة ومن الإرهاق لنا فإنّه علينا أن نبقى باتصال مستمرّ ببعضنا بعضا وبأصدقائنا في الغرب لتنسيق مواقفنا من انتهاكات حكامنا العرب لحقوق مواطنيهم.
أأسف لعدم تمّكني من الحضور بينكم والتشرّف بلقائكم وأشكر كلّ من وفّر هذه الفرصة لكلّ أصدقائنا مهما كانت جنسياتهم للإلتقاء لتدارس موضوع حرية الإعلام في العالم العربي. كما أشكر كلّ من يقوم بواجبه الإنساني أو المهني في كشف الحقائق وفضح مواطن الخلل سواء في السلطة أو في المجتمع.
محمد عبّو