6 نوفمبر 2004

بقلم: مفتاح

منذ ان ادخل الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات الى مستشفى بيرسي الفرنسي في 29 تشرين الأول، والتكهنات تدور حول حقيقة وضعه الصحي. وايا كانت تلك الحقيقة الا ان المسألة التي لا يختلف اثنان عليها هو ان الحالة الصحية “للختيار” حرجة، مما اثار موجة من القلق وسط ابناء الشعب الفلسطيني ومؤيديه.

فبالنسبة للشعب الفلسطيني، فان عرفات اكثر من مجرد قائد. فهو زعيم ورمز للقضية التي تفانى في الدفاع عنها ووهب حياته لها. ولا ينكر احد الدور التاريخي لياسر عرفات الذي ساهم في تثبيت الهوية الفلسطينية، تلك الهوية التي كانت عرضة للطمس والتغييب والالغاء.

وليس ادل على ذلك، من تفاني عرفات في قيادة معركة الكرامة في 21 آذار 1968، تلك المعركة التي تصدى فيها مجموعة قليلة من الفدائيين الفلسطينيين لدبابات وجبروت الاحتلال الذي ظن انه سيقضى على المقاومة في غضون ساعات.

غير انه آنذاك، اقر الجميع ان تلك المعركة غير المتكافئة من الناحية العسكرية ما بين الفدائيين الفلسطينيين من جهة وقوات الاحتلال العسكري من جهة أخرى. غير ان الصمود الفلسطيني في تلك المعركة ورغم الخسائر الجسيمة التي الحقت بقوات الثورة الفلسطينية الا ان ارادة القتال والنزعة الاستشهادية التي تحلى بها الفدائي الفلسطيني، اجبرت قوات الغزو الاحتلالي على الانسحاب مخلفة وراءها ذيول الهزيمة. ومن خلال الصمود بمقاتليه، سعى الرئيس عرفات الى ابراز الهوية الفلسطينية بفوهات بنادق المقاتلين.

كما لعب الرئيس عرفات دورا بارزا في الظفر بالاعتراف العربي بمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1974 في قمة الرباط وما اعقبه من دعوة الجمعية العامة للرئيس عرفات لالقاء خطابه التاريخ امامها بعد الاعتراف الدولي بمنظمة التحرير الفلسطينية ومنحها صفة مراقب.

ومضى الرئيس عرفات يقود الثورة ومقاتليها خلال المعارك المتعاقبة التي خاضتها القوات الفلسطينية على طريق التحرير والاستقلال والتي تتوجت في العام 1982 بمعركة الصمود في بيروت.

وكما كان الرئيس مقاتلا مغوارا في المعارك العسكرية، كان ايضا مقاتلا شرسا في المعارك السياسية، حيث خاض معركة السلام بكل اخلاص وإباء وحقق الانجازات على طريق اقامة السلطة الوطنية الفلسطينية. وجاءت المصافحة التاريخية في العام 1993 ما بين الرئيس عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلي اسحق رابين، لتشكل انعطافة تاريخية على طريق العلاقات ما بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي.

ومن بين ثمار اتفاقات السلام مع الجانب الاسرائيل ان عاد الرئيس عرفات الى ارض الوطن في 1 تموز 1994، وبعد سنتين جرى انتخابه كرئيس للسلطة الوطنية الفلسطينية.

غير انه بعد تعثر جهود السلام جراء سياسات المماطلة والتسويف الاسرائيلية ورفض الحكومات الاحتلالية المتعاقبة منح الفلسطينيين حقوقهم كاملة كما نصت عليها القوانين الدولية والاتفاقات الموقعة، رغم تنازل الفلسطينيين وموافقتهم على اقامة دولتهم المستقلة على 22% فقط من ارضهم التاريخية، انتشر الاحباط واليأس وسط الفلسطينيين وتراجعت ثقتهم بعملية السلام، بخاصة بعد فشل محادثات كامب ديفيد ما بين عرفات ومبارك في العام 2000.

ومما زاد الطين بلة، ان قام رئيس الوزراء الاسرائيلي الحالي اريئيل شارون بزيارته الاستفزازية الى الحرم القدس الشريف في 28 ايلول 2000، مما أشعل الشرارة التي ادت لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية، وما اعقبها من فرض الحصار على السيد الرئيس في 3 كانون الأول 2001.

وبعدها توالت الضغوط الدولية على السيد الرئيس، في محاولة للحد من صلاحياته بعد ان رفض الخضوع للاملاءات الاسرائيلية، مما اضطره لاستحداث منصب رئيس الوزراء في شباط 2003. وبعدها توالت الضغوط الاحتلالية الى حين اصدرت قوات الاحتلال الاسرائيلي قرارها بالتخلص من الرئيس في 11 ايلول 2003، هذا ناهيكم عن التهديدات المتواصلة والمتكررة من جانب اكثر من مسؤول اسرائيلي، على رأسهم شارون، بتصفية الرئيس الذي حملوه المسؤولية عن كل موجات العنف الدائرة في المنطقة.

غير ان الرئيس بقي صامدا امام كل تلك الضغوط والتهديدات وواصل التمسك بالحقوق والثوابت الفلسطينية رافضا التنازل عليها، وبقى الأمين لأماني وطموحات الشعب الفلسطيني. وكان من نتيجة الحصار الطويل للرئيس ومنع العلاج عنه ان تفاقم وضعه الصحي الى ان تدهورت حالته ونقل الى باريس على وجه السرعة.

وأمام كل ذلك، فمن حق هذا الرجل علينا ان نصلي وندعو الله له أن يمن عليه بالشفاء لمواصلة مشواره النضالي وتحقيق أماني شعبه بالحرية والاستقلال وأمنيته الشخصية بالصلاة في المسجد الأقصى المبارك.