7/2/2005

في خطابه الأخير عن حال الاتحاد، وفيما يخص القضية الفلسطينية، قال الرئيس الأميركي: أن “هدف اقامة دولتين ديموقراطيتين اسرائيل وفلسطين تعيشان جنبا الى جنب اصبح في متناول اليد واميركا ستساعدهما في تحقيق هذا الهدف”. وقد يوحي هذا التصريح اضافة الى الثقل الدبلوماسي الذي زجت به الادارة الأميركية في منطقتنا الشرق الأوسط عبر قيام رئيسة الدبلوماسية الأميركية بزيارة المنطقة، قد يوحي للمرء ان بوش جاد هذه المرة في تحقيق حلم الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، كما يقول.

لكن اذا استعرضنا تاريخ الولايات مع القضية الفلسطينية لتوصلنا الى استنتاجات مغايرة تناقض التفاؤل الذي يعم بعض الأوساط بشأن صدق الادارة الأميركية في مساعدة الفلسطينيين على اقامة دولتهم الديمقراطية الحرة المستقلة.

يعود تاريخ أميركا في المنطقة الى اواخر العهد العثماني منذ اقامة العلاقات القنصلية معها، ومنذ حينها دأبت الولايات المتحدة على التدخل في الكثير من القضايا لنصرة اليهود بشكل عام واليهود الأميركيين بشكل خاص.

وعن العلاقة الأميركية اليهودية المميزة، ننوه الى ما ذكره الكاتب فرانك مانويل في كتابه “حقائق العلاقة الأميركية مع فلسطين،” من أنها تتكون من خمس مراحل وهي كالتالي:-

    • 1. فترة الحكم العثماني التي شهدت العديد من المفاوضات ما بين الولايات المتحدة والحكومة العثمانية بشأن أوضاع اليهود وعجزهم – كما يقوم مانويل – تحت القانون التركي. وفي هذه الفترة تنامى الدور القنصلي الأوروبي والأميركي في تركيا حتى بات يشكل إدارة دولية للاستيطان اليهودي المتنامي في فلسطين.

 

    • 2. أما المرحلة الثانية، فتشمل حقبة ما بعد الحرب العالمية الأولى التي شهدت الاستقرار السلمي، حيث كانت الولايات المتحدة الأميركية شريكا فاعلا في المؤتمرات التي أدت لتنظيم أوضاع فلسطين.

 

    • 3. وشملت هذه المرحلة فترة الانتداب البريطاني، حيث كانت علاقة الولايات المتحدة الأميركية بفلسطين تحتكم من الناحية الفنية بمعاهدة الانغلو أميركية للعام 1924. علما انه في السنوات الثلاث الأخيرة من عمر الانتداب البريطاني كانت هناك محاولة فاشلة لاقامة سياسة انكليزية اميركية مشتركة.

 

    • 4. اما المرحلة الرابعة، فكانت عقب قيام بريطانيا بإيداع المشكلة الفلسطينية في الأمم المتحدة، حيث أضحى المصير السياسي للبلاد موضع سجال الأمم.

 

    5. وغطت المرحلة الخامسة الفترة الواقعة منذ 14 آيار 1948 عندما أقيمت الحكومة الاسرائيلية التي ظفرت مباشرة باعتراف الولايات المتحدة الأميركية.

وعن الدعم الأميركي لوعد بلفور، نعرض ما كتبه الرئيس ويلسون في معرض تعليقه على الوعد، “لقد رأيت باهتمام عميق وجدي عمل إعادة البناء الذي قامت به بعثة وايزمن في فلسطين بناء على طلب الحكومة البريطانية وأنا أرحب بفرصة التعبير عن الرضى الذي شعرت به في تقدم الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة ودول الحلفاء منذ الاعلان من قبل السيد بلفور بالنيابة عن الحكومة الانكليزية، لمصادقة بريطانيا العظمى على اقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، ووعده بأن الحكومة الانكليزية ستستخدم أفضل محاولاتها لتسهيل الوصول الى ذلك الهدف مع الفهم ان لا شيء سيجري بدون إجحاف بالحقوق المدنية والدينية لغير اليهود في فلسطين او الحقوق والوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى.”

وفيما يتعلق بالدور الأميركي في استصدار قرار تقسيم فلسطين رقم 181، يقول القانوني هنري كتن في كتابه (فلسطين والقانون الدولي)، “لم يعد سرا أن قرار تقسيم فلسطين أنجز من خلال التأثير الصهيوني والضغط الأميركي. ولقد كسب الصهاينة الى جانبهم الرئيس ترومان، الذي وضع وزن الولايات المتحدة في دعم التقسيم. وكتب ترومان في مذكراته عن شكواه من الضغط الصهيوني: {لم يكن هناك فقط حركات ضغط حول الأمم المتحدة بخلاف ما يمكن رؤيته هناك من قبل، لكن البيت الأبيض، أيضا، كان عرضة لوابل ثابت منها. ولا أعتقد أنني تعرضت لهذا القدر من الضغط والدعاية المستهدفة البيت الأبيض كما تعرضت له في هذا الموقف.. بعض القادة الصهاينة المتطرفين اقترحوا ان نمارس الضغط على أمم سيادية من أجل بعض التصويتات المقترحة في الجمعية العامة.”

كما أن مستوى العلاقات المتميزة ما بين الولايات المتحدة واسرائيل ينعكس في حجم المساعدة الأميركية لاسرائيل في عدة طرق، حيث انه “قبل العام 1967، قبل ان تنضج “العلاقة الخاصة،” تلقت اسرائيل من الولايات المتحدة أعلى حصة لكل فرد من أي دولة اخرى” – حسبما يذكر المؤرخ الأميركي الشهير نعوم شومسكي.

ولا يغيب عنا ما تشكله اسرائيل من يد اميركية متقدمة لحماية المصالح الاميركية في المنطقة وبخاصة المصالح النفطية لابعاد نفوذ الاتحاد السوفياتي سابقا عن المنطقة، كما ان اميركا لا تريد حتى ان تعطي حلفاءها الأوروبيات مثل فرنسا وانكلترا أي دور في المنطقة، وهذا ما يفسر الموقف الأميركي المعارض للعدوان الثلاثي على السويس عام 1956.

ويقول شومسكي في كتابه المثلث المحتوم، “منذ أواخر الخمسينات، مع هذا، بدأت الحكومة الأميركية بالقبول المتزايد للأطروحة الاسرائيلية من ان اسرائيل القوية “هي موجودات استراتيجية” للولايات المتحدة، وتخدم كعائق أمام القومية المتطرفة المناهضة لمصالح الولايات المتحدة الأميركية، والتي قد تلقى الدعم من قبل الاتحاد السوفياتي.”

ويقتبس شومسكي من مذكرة الأمن القومي التي تعود للعام 1958، والتي تقر بأن النتيجة المنطقية لمعارضة القومية العربية المتطرفة، قد تكون “بدعم إسرائيل كقوة وحيدة مؤيدة للغرب في الشرق الأدنى.”

وجدير بالذكر أنه وبحسب بيانات وزارة الخارجية الأميركية استخدم حق النقض الفيتو 39 مرة في مجلس الأمن ضد قرارات لصالح حقوق الشعب الفلسطيني ومناضة لاسرائيل. الأمر الذي يلخص حجم الدعم الأميركي لاسرائيل وفي المقابل معارضتها لحقوق الفلسطينيين وبخاصة حق تقرير المصير.

ولا يفوتنا الذكر ان اميركا تصنف فصائل المقاومة الفلسطينية في قوائم المنظمات الارهابية، علما أنها تخوض مقاومة مشروعة للاحتلال الاسرائيلي الاجنبي من أجل تحصيل حق تقرير المصير.

ولا يغيب عنا وعد بوش الذي اعلن عنه فيه في المؤتمر الصحفي الذي عُقده في واشنطن يوم 14 نيسان 2004، ويمكن تلخيصه حسب الخبير في الشؤون الاسرائيلية د. عبد الوهاب المسيري في صحيفة الاتحاد الاماراتية:

    • 1 – ضرورة تخلي اللاجئين الفلسطينيين عن حق العودة إلى أراضي عام 1948، التي أُقيمت عليها دولة “إسرائيل”، ويمكن توطينهم في دولة فلسطين (أي الضفة الغربية وغزة) وليس داخل “إسرائيل”.

 

    • 2 – لإسرائيل الحق في الاحتفاظ ببعض “المستوطنات” (المستعمرات) في الضفة الغربية، حفاظاً على أمنها واستقرارها وحلاً لإشكاليات ديموغرافية في “إسرائيل”.

 

    • 3 – من غير الواقعي توقع اتفاق سلام نهائي بانسحاب “إسرائيل” إلى حدود ما قبل 5 حزيران 1967، على اعتبار أن هذه الحدود ليست مقدسة ومن ثم يمكن تجاوزها.

 

    • 4 – المنطقة التي منحها بوش للاستيطان الإسرائيلي تشمل القدس الكبرى وتحيط بالمدينة المقدسة من كل جانب.

 

    • 5 – الالتزام الأميركي بسلامة الدولة اليهودية وبقائها واستمرارها، أي أن بوش أكد يهودية الدولة الصهيونية وأن شرعيتها تستند إلى يهوديتها، مما يعني قبول الفكرة الصهيونية القائلة بأن حقوق اليهود المطلقة في فلسطين تحجب وتهمش حقوق الفلسطينيين.

 

    • 6 – الموافقة الأميركية على إقامة الجدار العازل باعتباره جداراً سياسياً وأمنياً في ذات الوقت.

 

    • 7 – ضرورة الاعتراف الفلسطيني والعربي بالأمر الواقع استناداً إلى تغير الظروف على الأرض، وضرورة أن يخضع الحل النهائي للقضية الفلسطينية للتراضي بين الطرفين بعيداً عن ادعاءات الحق والشرعية.

 

    8 – قيام الدولة الفلسطينية مرهون بنجاح السلطة الفلسطينية في القضاء على “الإرهاب” وتفكيك بنيانه حفاظاً على أمن واستقرار “إسرائيل”، وهو ما يعني تخلي إدارة بوش عن وعدها بإقامة الدولة الفلسطينية في عام 2005م!

كما أن المتتبع لمواقف الادارات الأميركية المتعاقبة يلاحظ ان المواقف السياسية لتلك الادارات لم يتجاوز سقف المواقف الاسرائيلية ولم يتعداه الا في ادارة الرئيس بوش الأب الذي ضغط على حكومة الليكود لحضور مؤتمر مدريد للسلام من خلال تجميد ضمانات القروض.

وعليه، لا نتوقع ان يقوم بوش الابن باجتياز سقف موقف شارون الداعي حسبما جاء في خطته الى الانسحاب من قطاع غزة مع مواصلة السيطرة على المعابر والحدود، أي تحويل القطاع الى سجن كبير، والانسحاب من بعض المستوطنات في شمال الضفة وفي ذات الوقت تعزيز البناء الاستيطاني في مستوطنات اخرى كبيرة مثل معاليه ادوميم وأريئيل وعلى وجه الخصوص بناء وحدات استيطانية اضافية في القدس لتحقيق ما يسمى الامتداد الجغرافي ما بين القدس ومستوطنة معاليه ادوميم. هذا اضافة الى محاولة جعل جدار الفصل العنصري، الذي صودر لأجله مئات الدونمات من أخصب الأراضي الفلسطينية الزراعية اضافة الى المصادر المائية، كما يسعى شارون إلى تأجيل المفاوضات حول قضايا الوضع النهائي الى ما نهاية، مما يعني القضاء على أي امكانية محتملة لاقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

لهذا، على المعولين على الموقف الأميركي ان يكفوا عن مطالبة اميركا بالضغط على اسرائيل، لأنه بكل اختصار ان الضغط على اسرائيل لا يصب في المصالح القومية الأميركية.