24/5/2005
عشية زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، الى العاصمة الأميركية واشنطن، يتساءل البعض ما يمكن أن تخرج بها تلك الزيارة من اتفاقات، فهل يستطيع ابو مازن الحصول على “وعد بوش” للفلسطينيين، على شاكلة ذلك الوعد الخاص الذي أطلق لشارون في 4 نيسان 2004!!
وهل يستطيع ابو مازن تحقيق ما يبتغيه من بوش بالقيام بواجباته تجاه عملية السلام والتمسك بخارطة الطريق وعدم تقديم وعود على حساب الوضع النهائي وتقديم الدعم للسلطة الوطنية الفلسطينية ومواصلة دعم عملية السلام والحصول على تأكيدات بأنه سيحمل إسرائيل على تنفيذ خارطة الطريق بعد الانسحاب من غزة.
يجدر الاشارة إلى أن الرئيس عباس لا يعلق آمالا كبيرة بأن بوش سيلزم نفسه بالضغط على إسرائيل لدخول مفاوضات الوضع النهائي بعد انسحابها من غزة – حسبما أعلنه مصدر فلسطيني مسؤول.
وحتى نفهم حقيقة الموقف الأميركي من القضية الفلسطينية، فمن الأحرى عرض نبذة موجزة لتاريخ المواقف الأميركية تجاه القضية الفلسطينية. فمنذ إقامة أول علاقة قنصلية ما بين الولايات المتحدة الأميركية والدولة العثمانية، تبنت القنصلية الأميركية قضايا اليهود في فلسطين بشكل عام واليهود الأميركان على وجه خاص، كما علمت على دعم وتعزيز الاستيطان اليهودي في فلسطين.
وبعد الحرب العالمية الأولى، أضحت الولايات المتحدة الأميركية شريكا فاعلا في المؤتمرات التي أدت إلى تنظيم أوضاع فلسطين. كما لعبت أميركا دورا كبيرا في تقسيم فلسطين، فبحسب المؤرخ القانوني الفلسطيني هنري كتن “لم يعد سرا أن قرار تقسيم فلسطين أنجز من خلال التأثير الصهيوني والضغط الأميركي.
ولقد كسب الصهاينة الى جانبهم الرئيس ترومان، الذي وضع وزن الولايات المتحدة في دعم التقسيم.
” وكان ترومان عينه قد وصف الضغوط اليهودية على إدارته بالقول: “لا اعتقد انني تعرضت لهذا القدر من الضغط والدعاية التي استهدفت البيت الأبيض كما تعرضت له في هذا الموقف.. بعض القادة الصهاينة المتطرفين اقترحوا أن نمارس الضغط على أمم سيادية من اجل بعض التصويتات المقترحة في الجمعية العامة.”
وخلال الانتداب البريطاني على فلسطين، كانت علاقة الولايات المتحدة الأميركية بفلسطين تحتكم من الناحية الفنية لمعاهدة الانغلو اميركان للعام 1924. علما انه في السنوات الثلاث الأخيرة من عمر الانتداب البريطاني كانت هناك محاولة فاشلة لاقامة سياسة انكليزية اميركية مشتركة. وفي 14 آيار 1948، اعترفت الولايات المتحدة بالحكومة الاسرائيلية.
وفي معرض وصفه للدعم الأميركي لاسرائيل، يقول نعوم تشومسكي: “منذ أواخر الخمسينات.. بدأت الحكومة الأميركية بالقبول المتزايد للاطروحة الاسرائيلية من ان اسرائيل القوية “هي موجودات استراتيجية” للولايات المتحدة، وتخدم كعائق أمام القومية المتطرفة المناهضة لمصالح الولايات المتحدة الأميركية.”
يشار إلى أن إسرائيل تلقت من الولايات المتحدة منذ العام 1949 ولغاية 2004 مساعدات مالية وصلت الى حد 100 مليار دولار أميركي.
أما فيما يتعلق بتوفير التغطية للممارسات الاسرائيلية، فقد استخدمت الولايات المتحدة الأميركية، وبحسب بيانات وزارة الخارجية، حق النقض الفيتو 39 مرة في مجلس الأمن ضد قرارات لصالح حقوق الشعب الفلسطيني، ولادانة اسرائيل على ممارساتها الاحتلالية.
وعلى ضوء ما تقدم، فهل ستتغير هذه السياسة الأميركية الأصيلة الانحياز لصالح الاحتلال الاسرائيلي، وهل سيفى بوش بوعده في اقامة الدولة الفلسطينية المستقلة الى جانب اسرائيل؟! المتتبع للممارسات الاسرائيلية على ارض الواقع والصمت الأميركي عليها، سيخلص إلى الخلاصة بأن أميركا هي أميركا التي لا تتغير في سياستها المنحازة لاسرائيل، وتوحي بأن زيارة عباس لن تقدم جديدا للشعب الفلسطيني المحكوم عليه أن يعيش حياة القهر والمهانة تحت نير الاحتلال.
فلقد عودتنا السياسة الأميركية أن سقف مواقفها تجاه الصراع العربي الاسرائيلي لم يفوق أبدا فوق سقف المواقف الاسرائيلية.
وبدورنا، فإن سقف توقعاتنا منخفض جدا في ضوء التطورات والمجريات على أرض الواقع، حيث أن الادارة الأميركية تقوم بشكل مباشر أو غير مباشر على دعم المخططات الشارونية في فرض الحل الاسرائيلي الخالص على القضية الفلسطينية، والذي يتلخص بإعادة الانتشار من غزة التي ستتحول إلى سجن كبير، وتعزيز سياسة النهب والاستيلاء على الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية وتصفية منظمة التحرير الفلسطينية والقضاء على أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة.