22/12/2005
بقلم: مفتاح
نشهد في أيامنا هذه تنافساً شديدا على السلطة وعلى الجماهير في آن معا، وفيما لم تكن ثمة مخاوف حقيقية من حركة حماس أيام أوسلو وما بعد ذلك -بالمنافسة على السلطة-، فان مشاركة حماس في الانتخابات البلدية والتشريعية خلال الفترة القادمة يصعد مخاوف فتح من خسارتها للصدارة وبالتالي للسلطة. لاسيما وأن تصاعد الخلاف داخل حركة فتح أدى إلى تقديم قائمتين، إحداهما تقدمت بها مجموعة من كوادر الحركة لخوض الانتخابات التشريعية باسم “المستقبل” وعلى رأسها مروان البرغوثي لتنافس بها اللائحة الرئيسة المدعومة من الرئيس محمود عبّاس والتي كانت تضم أيضا مروان البرغوثي.
يرى الكثير من المحللين السياسيين أن تقديم قائمتين باسم فتح يعكس مدى الأزمة التي تعيشها الحركة والتي تتمثل في الصراع الدائر بين جيلين: (الحرس القديم) و(الجيل الشاب الجديد). ويقول أعضاء قائمة “المستقبل” أن الهيمنة المتوقعة “للحرس القديم” على قائمة مرشّحي فتح ستضر بالحركة في الوقت الذي تسعى فيه لمواجهة التحدّي غير المسبوق الذي تمثّله حركة “حماس”.
واتخذ التوتر داخل فتح مساراً عنيفا في صباح يوم الاثنين 12، كانون الأول 2005 حيث اقتحمت مجموعة مسلّحة قدمت نفسها باسم “كتائب شهداء الأقصى- لواء الياسر” مقر لجنة الانتخابات المركزية “دائرة دير البلح”، وسلموا منسق المكتب بياناً وأبلغوه بضرورة إغلاق المكتب احتجاجا على طريقة تعيين مرشحي حركة ” فتح” للانتخابات التشريعية.
من ناحية أخرى، يبدو أن مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية قد أخذ حيزا واسعا واهتماما كبيرا لدى الدوائر الأمنية والاعلامية المحلية والإقليمية والعالمية، خاصة بعد إجراء الانتخابات البلدية والتي جاءت نتائجها كاسحة لصالح حركة “حماس” وفي نفس الوقت أكدت على مدى فاعلية وتأثير هذه الحركة في الساحة الفلسطينية. كل ذلك يجعل للانتخابات المحلية الفلسطينية أبعادا هامة في قياس قوة الحركات الفلسطينية من جهة، وإسقاط ذلك على الحضور والبرنامج السياسي الذي تمثله كل حركة، من جهة أخرى.
ومن الواضح أن السلطة وحركة فتح ترغبان بدخول حماس للانتخابات شرط عدم هيمنتها على السلطة والقرار الفلسطيني، بل يريدونها أن تظل معارضة ضعيفة أمام الأغلبية الفتحاوية. ومن جانبها، تعمل حركة حماس التي برزت بقوة شديدة خلال الانتخابات البلدية الحالية للوصول إلى السلطة بقوة غير مسبوقة. تقدم حماس بدأ تدريجيا ومنسجما مع الانتخابات النقابية التي تجري سنويا، أما تراجع فتح فقد كان حادا، خصوصا في معاقلها التقليدية. ولا يعكس ذلك تراجع حركة فتح فحسب، بل انه يشير إلى نفور شعبي تجاه طروحات السلطة وحزبها فتح. وللدقة يجب الإشارة إلى أن غياب الرئيس الراحل عرفات أدى إلى تغييب الكثير من الانسجام والانضباط داخل الحركة والتي غدت ممزقة في أهدافها ووسائلها، مما سهل الطريق أمام حركة حماس لتجني من الشعب شعبية كان من الممكن أن لا تحصل عليها لولا الوضع الراهن لحركة فتح.
المرحلة الدقيقة التي يمر بها شعبنا تتطلب طرح برنامج عملي للشعب يكون بمثابة الخارطة التي تقودهم لاختيار الجهة الأنسب والتي ترقى لمستوى طموحات الشعب الفلسطيني. فهل لدى كل من حركة فتح وحماس برنامجا عمليا لمواجهة برنامج شارون والحكومة الإسرائيلية! أم أن ما يجري هو فقط مواجهة انتخابية بين حركتين ليس إلا؟؟!! ومن المهم القول أيضاً أن حماس يجب أن تقرأ الواقع بصدق، فهي من جهة أصبحت ذات وزن سياسي ظاهر يجب أن تحسن استغلاله ومن جهة أخرى، وإن قدًر لها أن تكون بديلا مسئولا، أن تتعظ من تجارب الغير فلا تكرر الأخطاء خاصة وأنها غير مرغوبة على الصعيد الإسرائيلي والإقليمي والعالمي، فقد أبدت إسرائيل قلقها ونقمها من تقدم حماس في الانتخابات البلدية.
وتختلف الآراء تجاه تقدم هذه الحركة حيث اعتبر البعض مشاركه حماس أنها بداية ترسيخ قوي للحركة كحزب سياسي يتحمل مسؤولية الديمقراطية الفلسطينية، فيما رأى آخرون أن هذه المشاركة تعبر عن ثقة الحركة بنفسها وقدرتها على مشاركة فتح في تأييد الشارع، وحذر البعض من أمكانيه سيطرة حماس على الشارع الفلسطيني، الأمر الذي يؤدي لتزايد الدعم والتأييد لبرنامجها القائم على المقاومة المسلحة والانتفاضة ضد إسرائيل، ويعتقد بعض الخبراء الإسرائيليين أن حصول حماس على أكثر من ثلث مقاعد المجالس البلدية يعد معدلا عاليا جدا مقارنةً بتوقعات استطلاعات الرأي .
ويرى البعض أن الانتخابات ستفضي إلى نظام سياسي وديمقراطي فلسطيني جديد، وتشكل خطوة فلسطينية صوب إحداث تغيير جذري وتاريخي في النظام السياسي في فلسطين.