27/6/2005

تدهور أوضاع حقوق الإنسان في سورية خلال العام الأخير هو الأسوأ منذ عام 2000

رأت “اللجنة السورية لحقوق الإنسان”، ومقرها لندن، أن أوضاع حقوق الإنسان في سورية تعرضت لـ “تقهقرات أساسية”، معتبرة أنها “بلغت أسوأ مراحلها منذ استلام بشار الأسد رئاسة زمام السلطات في سورية قبل خمس سنوات مضت”، كما جاء في التقرير السنوي الخامس الذي تصدره اللجنة، ويغطي الفترة من مطلع حزيران (يونيو) 2004 إلى نهاية أيار (مايو) 2005.

ويقع التقرير الذي يصدر غداً الاثنين 27 حزيران (يونيو) 2005 في 40 صفحة من القطع المتوسط. ودأبت للجنة منذ عام 2001 على إصدار تقريرها السنوى في 27 حزيران (يونيو) من كل عام، وهو التاريخ الذي يصادف ذكرى مجزرة تدمر التي راح ضحيتها نحو ألف من المعتقلين السياسيين في سجن تدمر سيئ السمعة؛ عام 1980. وتُتهم سرايا الدفاع التي كان يقودها رفعت الأسد؛ بالمسؤولية عن تنفيذ المجزرة التي يصادف غداً الاثنين ذكراها الخامسة والعشرين، إلى جانب مشاركتها في مجازر أخرى مثل مجزرة حماة الشهيرة.

وينقسم التقرير الجديد إلى 15 فصلاً، آخرها عبارة عن ملحق يتناول السجون السياسية في سورية، ويوثق لوسائل التعذيب، وبعض الشخصيات المسؤولة عن تعذيب المعتقلين السياسيين في البلاد.

قمع المطالبين بالحريات:

وفي الوقت الذي سجلت فيه اللجنة تزايداً في عدد المجموعات المدافعة عن حقوق الإنسان وتعاظماً في نشاطها، فإن السلطات ما زالت ترفض منح منظمات حقوق الإنسان التراخيص بموجب قانون الجمعيات، كما لا تعترف بها قانونياً.

وفي الوقت ذاته، تمارس ضغوطاً واسعة عليها لإرهابها وثنيها عن نشاطها. وتعرضت مجموعة من النشطاء للاعتقال، وبرزت ظاهرة الاختطاف من الشارع على يد الأجهزة الأمنية.

وأحيل نشطاء حقوقيون بارزون إلى محكمة أمن الدولة، فيما لا يزال الكثيرون ممنوعون من السفر إلى خارج سورية. وعموماً فإن المنع من السفر وعدم منح جواز السفر والاستدعاءات الأمنية المتكررة؛ يشمل عشرات الآلاف من نشطاء حقوق الإنسان والمعارضين والسجناء السياسييين السابقين.

وقمعت السلطة في سورية كل الاعتصامات التي قام بها نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع المدني والتيارات السياسية، لكنها استخدمت عناصر “اتحاد الطلاب” في الجامعات وعناصر من “حزب البعث” و”اتحاد شبيبة الثورة” لمهاجمة المعارضين بواسطة العصي والسكاكين، بينما تقوم قوى الأمن بلباس مدني بتأمين الحماية لهم.

وفعّلت الأجهزة الأمنية آليات أخرى مثل تسليط “الشبيحة” (العصابات الإجرامية المرتبطة بعائلات متنفذة) على النشطاء، في مساعيها لإرهاب المعارضين أو إخماد أصواتهم.

و فصل معارضون وأبناء معارضين من أعمالهم الوظيفية في القطاع العام بسبب عدم حصولهم على الموافقات الأمنية التي تعتبر شرطاً مسبقاً للعمل.

الاعتقال السياسي:

من جهة أخرى؛ عبرت اللجنة عن اعتقادها بأن السلطات السورية تحتجز أكثر من ثلاثة آلاف معتقل لأسباب سياسية أو أمنية؛ موزعين في السجون ومراكز التحقيق.

ولا يزال هناك المئات من المعتقلين منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، ورغم إعلان وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا” عن إطلاق دفعات من المعتقلين، واعترافها بأنهم معتقلون سياسيون، إلا أنه تبين الأجهزة الأمنية توقف إطلاق سراح قسم كبير منهم. وعلاوة ذلك؛ فقد جرى إعادة اعتقال سجناء سياسيين سابقين.

وعلى أية حال، فإن المعتقلين السياسيين الذين يطلق سراحهم يحرمون من حقوقهم المدنية والسياسية، ولا يسمح لهم بالسفر، أو العودة إلى عملهم إذا كانوا من موظفي الدولة أو القطاع العام، ولا يسمح لهم بتلقي مساعدات خيرية.
ويطلب من المفرج عنه الحضور دورياً إلى مراكز الأمن أو المخابرات ويُضغط عليه من أجل التعاون مع أجهزة الأمن وتقديم تقارير بحق أصدقائه وأقاربه ومعارفه.

وشهدت الفترة التي يغطيها التقرير عدداً كبيراً من الاعتقالات في أوساط العائدين من المنفيين والمهجرين القسريين الذين فروا من البلاد إبان أحداث الثمانينيات الدامية، وقد عاد بعضهم بعد تسوية أوضاعهم عبر السفارات السورية أو من خلال اتصالات مع السلطات المختصة في سورية، لكن أغلبيتهم الساحقة اعتقلوا لدى وصولهم إلى الحدود البرية أو المطارت.

وإضافة إلى ذلك؛ استمرت محكمة أمن الدولة العليا في دمشق في محاكماتها بحق “العائدين” المتهمين بالانتساب إلى جماعة الإخوان المسلمين.

وقد صدرت ثلاثة أحكام بالإعدام (بموجب القانون 49 لعام 1980 الذي يحكم بالإعدام على مجرد الانتساب لجماعة الإخوان المسلمين في سورية) جرى تخفيضها إلى 12 سنة. وقبل أيام (وبعد الانتهاء من إعداد هذا التقرير السنوي للجنة) أصدرت المحكمة حكماً رابعاً بالإعدام وخفضته إلى ست سنوات؛ بحق الفتى مصعب الحريري (17 عاماً) الذي كان يبلغ الرابعة عشرة من عمره حين اعتقل قبل ثلاث سنوات بعد عودته من السعودية، بتهمة الانتماء إلى الإخوان المسلمين، رغم تأكيد محاميته وعائلته بأنه ليس له أي صلة تنظيمية بها.

وسبق أن حكم على شقيقيه بالسجن وأطلق سراحهما العام الماضي. ويعتقد أن الأشقاء الثلاثة اعتقلوا وحوكموا على خلفية انتماء والدهم للإخوان المسلمين.

ويشار إلى أن محكمة أمن الدولة العليا والمحاكم الاستثنائية الأخرى؛ تفتقر إلى معايير وشروط المحاكم العادلة.
وما زالت السلطات تعتقل جميع العائدين من العراق، من المتهمين بالانتساب إلى الإخوان المسلمين، في حين أطلقت سراح الآخرين، من بعثيين معارضين، بمن فيهم الرئيس الأسبق محمد أمين الحافظ.

ويشار إلى أن هناك عشرات الآلاف من المنفيين الطوعيين والقسريين منذ ربع قرن أو يزيد، بسبب القمع الشديد الذي شهده عقد الثمانينيات، والملاحقات التي لم تنته حتى الآن.

وقد تكاثر المهجرون والمنفيون ليشملوا ثلاثة أجيال إلى الآن، الآباء والأبناء والأحفاد.

واستمرت السلطات في منع المنفيين من الحقوق المدنية، وخصوصاً حرمانهم من جوازات السفر وتسجيل حالات الزواج والولادات في السجلات المدنية.

وقد صدر في آذار (مارس) الماضي تعميم من وزارة الخارجية السورية بمنح جميع المنفيين جوازات سفر، ولكن لمدة سنتين فقط. لكن لم تحصل سوى أعداد قليلة على جوازات السفر حتى الآن.

وجرى اعتقال أشخاص مرحلين من دول أخرى، ووثقت اللجنة حالتين على الأقل، إحداهما لمواطن رحلته بريطانيا بالقوة بعد رفض طلبه للجوء، وآخر جرى ترحيله من الولايات المتحدة لمخالفته قوانين الهجرة.

وإلى جانب ذلك؛ اعتقلت أعداد كبيرة من السوريين الذين ذهبوا إلى العراق عام 2003 للتصدي للغزو العسكري الأمريكي، مع أن السلطات السورية هي التي قامت بتشجيعهم على ذلك، ويسرت لهم سبل الوصول إلى العراق، لكنهم اعتقلوا بعد عودتهم.

ورغم توقيع الحكومة السورية على الاتفاقية الدولية لحظر التعذيب عام 2004، إلا أن التعذيب ما زال يمارس بصورة واسعة، ووفق منهجية روتينية بحق المعتقلين السياسيين والسجناء الجنائيين، وعلى البالغين والأحداث، في مختلف السجون السورية.
وقد وثقت اللجنة أسماء 13 مواطناً سورياً – على الأقل- ماتوا تحت التعذيب خلال هذا العام، منهم 11 كردياً.

المفقودون:

يتجاوز عدد المفقودين في المعتقلات والسجون السورية أكثر من 17000 معتقل إسلامي، ألقي القبض عليهم منذ أواخر سبعينيات وأوائل ثمانينيات القرن العشرين.

ويعتبر هذا العدد، الحدّ الأدنى لاستقراء شهادات معتقلين سابقين ومطابقتها مع الأبحاث الميدانية التي أجرتها “اللجنة السورية لحقوق الإنسان”، وقد وثقت اللجنة أسماء أكثر من 4000 مفقود من هؤلاء، وبقي آخرون لم يوثقوا بسبب خوف أسرهم أو بسبب الظروف الخاصة التي حالت دون التعرف على أسمائهم.

كما يوجد مفقودون فلسطينيون، إلى جانب المئات من اللبنانيين، جرى توثيق أسماء 197 مفقوداً منهم.

وقد اعتادت السلطات الأمنية السورية على اتباع سياسة معاقبة أقارب وأصدقاء المعتقلين والمعارضين السياسيين، وتنوعت طرق وأساليب العقوبة، فأحياناً تلجأ إلى الاستدعاءات الأمنية إلى شُعب الأمن والمخابرات للاستجواب والتحقيق، في حين تعرض آخرون للاعتقال نتيجة سؤالهم عن أقارب لهم معتقلين أو مفقودين.

التخلي عن المعتقلين في الخارج:

يوجد عدد من السوريين المعتقلين في الخارج، لم تسع السلطات السورية للسؤال عنهم والمطالبة بالإفراج عنهم. فهناك 14 معتقلاً سورياً في ليبيا بسبب حضورهم “حلقة ذكر” لجماعة متصوفة منذ حوالي 11 عاماً، بينما لقي عامل حتفه على أيدي الشرطة الليبية بسبب خلاف بسيط مع مواطن ليبي له معارف لدى الشرطة.

ويعتقل في العراق حالياً 33 مواطناً سورياً من المهجرين المقيمين هناك بدون أن يقترفوا إثماً.
ويحتجز في معتقل غوانتانامو العديد من السوريين بدون أن تعرف التهم الموجهة إليهم.

بينما يحتجز في سجون الاحتلال الإسرائيلي العديد من سكان الجولان السوري المحتل.
وتعتقل السلطات الإسبانية منذ مدة طويلة أربعة وعشرين مواطناً سورياً، وعلى الرغم من البراءة الواضحة لغالبيتهم الساحقة من التهمة الموجهة إليهم (الارتباط بتنظيم القاعدة) إلا أن السلطات السورية ربما كانت محرضاً عليهم أكثر من كونها مدافعة عن مواطنيها المظلومين.

الحالة الكردية بعد أحداث 12 آذار (مارس) 2004:

تفاقمت المشكلة التي يعاني منها الأكراد السوريون بعد أحداث الثاني عشر من آذار (مارس) 2004. فقد وصل عدد القتلى إلى العشرات خلال مباراة بكرة القدم بين فريقين من دير الزور والقامشلي، والحوادث التي تلت ذلك، بينما بلغ عدد المعتقلين بالآلاف.

وأطلقت السلطات بعد عدة شهور سراح دفعات من المعتقلين، لكنها احتفظت ببضع مئات منهم لتقديمهم للمحاكمة، وقد صدر عدد من الأحكام بالسجن. ورغم الإعلان عن عفو رئاسي بإطلاق 312 معتقلاً كردياً اعتقلوا على خلفية أحداث القامشلي، لم يطلق سراح سوى 160 منهم.

ومن الحوادث البارزة؛ اختطاف الشيخ الكردي المعروف “محمد معشوق الخزنوي”، في 10 أيار (مايو) 2004. وفي 1 حزيران (يونيو) الجاري جرى تسليم جثته إلى عائلته التي أكدت وجود آثار التعذيب، واتهمت السلطات بالمسؤولية.

ولقي بعض المواطنين الأكراد الذين يؤدون الخدمة العسكرية مصرعهم في قطعاتهم العسكرية.
ووردت تقارير في شهر كانون الأول (ديسمبر) 2004 بتعرض الأكراد المعتقلين في سجن عدرا على خلفية أحداث 12 آذار (مارس) 2004 للتعذيب والمعاملة الحاطة بالكرامة، مما دفع بعضهم لإعلان الإضراب عن الطعام.
وتوفي عدد من المواطنين الأكراد نتيجة للتعذيب على يد أجهزة الأمن والمخابرات السورية.

يشار إلى أن الأكراد لا يزالون محرومين من ممارسة حقوقهم الثقافية والتراثية خلافاً للأقليات العرقية الأخرى في سورية، ولا يزال قرابة ربع مليون منهم بدون جنسية، وعلى الرغم من حديث السلطة عن عزمها منح الجنسية السورية لنحو 100 ألف كردي سوري فاقد الجنسية، إلا أنها لم تقم بأي خطوة فعلية في هذا الطريق حتى تاريخ الانتهاء من إعداد هذا التقرير.

الحريات الصحفية والإعلامية:

صنفت منظمة “مراسلون بلا حدود” الحريات الإعلامية في سورية بين الأسوأ في العالم، إذ نالت سورية المرتبة 155 من بين 167 دولة.

وما زالت الحكومة تسيطر على وسائل الإعلام والمطبوعات السياسية.
ومع أنها منحت تراخيص لمطبوعات إعلانية أو اجتماعية أو رياضية ، إلا أنها عمدت إلى إغلاق عدد منها، بموجب قانون المطبوعات لعام 2001 الذي يعطي رئيس الوزراء صلاحية إلغاء ترخيص أي مطبوعة بناء على اقتراح وزير الإعلام بدون إبداء أسباب.

كما تعرض الصحفيون للمضايقات والإيقاف عن العمل، وحتى الاعتقال، كما استمرت الاستدعاءات الأمنية للعديد من الصحفيين والكتاب.

وما زالت السلطات تمارس قيوداً ورقابة صارمتين على استخدام الإنترنت، حيث استمرت في حجب مئاات من المواقع الإلكترونية السياسية، لا سيما المختصة بالشؤون السورية، في حين برزت ظاهرة “معتقلي الإنترنت” وهم من اعتقلوا على خلفية استخدامهم شبكة الإنترنت.
وقد صدر عدد من الأحكام بالسجن، ولفترات تراوحت بين أربعة أعوام وعامين اثنين.

اللجنة السورية لحقوق الإنسان