31/7/2006

بقلم: ناهد أبو سنينة

“ما لجرح بميت إيلام” – هذا ما أجابت به مواطنة حين سألها أحد الصحفيين عن توقعاتها لردود الفعل العربية تجاه مذبحة قانا الثانية التي نفذها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين اللبنانيين.. لم يعد المواطن العربي ينتظر شيئا من الأنظمة العربية العاجزة، ولم يعد يعول الكثيرون على مجلس الأمن، أو المجتمع الدولي الخاضع لإرادة واملاءات جون بولتون، المندوب الأميركي للأمم المتحدة.

هذه “قانا أخرى” بنفس البشاعة، ونفس المجرم.. نفس المكان ونفس الضحايا ونفس الردود. 57 ضحية لم يرتكبوا جرما إلا الاحتماء بإحدى الملاجئ هربا من الصواريخ الإسرائيلية، ولكن هذه الصواريخ أبت إلا أن تلاحقهم حتى تصل بهم إلى الموت. من جديد، سيصبح تاريخ 30 تموز 2006 ذكرى مريرة تقض مضجع كل إنسان حي، وتذكر كل ذي مسؤولية بفشله الإنساني وعقمه الدائم.

وستضاف إلى السجل الحافل من الجرائم للاحتلال الإسرائيلي، الذي يتصرف فوق القانون ويضرب بعرض الحائط كل الأعراف والمواثيق الدولية وكل القيم الإنسانية ويراكم مجازره بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني بفضل الحصانة التي توفرها له الولايات المتحدة الأميركية التي تتحدى كل العالم وتواصل منح الاحتلال الفرصة تلو الأخرى للإيغال في قتل الأبرياء بذريعة القضاء على حزب الله، و للتأسيس لشرق أوسط جديد بحسب التوصيف الأميركي.

حلقة أخرى من مسلسل المذابح الإسرائيلية الذي تند له جبين الإنسانية، لما يتضمنه من إبادة للأبرياء والمسالمين من أجل تحقيق أهداف سياسية دنيئة بعيدة كل البعد عن حق الدفاع عن النفس والحفاظ على الأمن. وبات من المستحيل أن تنطلي مثل هذه العبارات المزيفة والتصريحات العفنة على الشعوب كافة وبات الجميع يعي مدى الوحشية الإسرائيلية التي لا تملك لغة غير جبروت القوة المدججة. انه وبكل بساطة، إرهاب الدولة الذي يحاكم عليه القانون ويستدعي جلب منفذيه أمام القضاء الدولي.

بالأمس تسمر الجميع وسط الوجوم ومشاعر السخط والغضب أمام شاشات التلفاز، وهم يشاهدون صور أشلاء الأطفال والمدنيين الأبرياء لأبناء الشعب اللبناني. توقع المشاهدون أن تحرك تلك المشاهد مشاعر وضمائر أعضاء مجلس الأمن علّه يدين تلك الفظائع والجرائم، إلا أن النتيجة انحصرت فقط في بيان عن رئاسة المجلس، اكتفى فيه بالأسف على أرواح المدنيين التي أزهقتها القنابل الأميركية بأيدي إسرائيلية.

ومن المؤسف أن الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى لبناء شرقها الأوسطي الجديد على جماجم وأشلاء الأطفال والمدنيين والشهداء من أبناء الشعبين العربيين في فلسطين ولبنان. فهل الإبادة الجماعية للمدنيين هي الجسر الذي سيوصل المنطقة برمتها إلى الأمن؟ وهل تدمير لبنان أو غزة هو ما سيخلق ذلك “الشرق الأوسط الجديد”؟ وهل القضاء على كل من يرفض السياسة الإسرائيلية والأمريكية هو تطبيق للديمقراطية ومحاربة لما يسمى الإرهاب؟ هل تكون الاستجابة للاملاءات الغربية وبخاصة الأمريكية هي الطريقة الأمثل لنيل السلام؟ هل يكون التخلي عن الأرض والكرامة والاستقلال هو مكافحة “للإرهاب” وعمل ايجابي يستحق الثناء؟ ألم يحن الوقت بأن يدرك الساسة الأميركيين مدى إخفاق سياستهم الخارجية وبخاصة في منطقة الشرق الأوسط، التي لم تجلب إلا المزيد من الحقد والحنق على الساسة الأميركيين وحلفائهم في المنطقة؟

بإمكان أمريكا إخضاع شعوب المنطقة لبعض الوقت لا كل الوقت، لن تبقى الأمور على حالها ولن يعلو صوت المدافع والصواريخ فوق صوت الإنسانية.