25/9/2006

من تداعيات الحرب السادسة التي شنتها الحكومة الاسرائيلية على لبنان، ان تكشفت الكثير من الاخفاقات في أوساط الحكومة الاسرائيلية وعلى اكثر من صعيد ابان ادارة الحرب. وعليه، فقد تباينت الآراء في أوساط الاسرائيليين بشأن الدروس والعبر المستخلصة من تلك الحرب فهناك وجهة نظر تؤمن بالحل العسكري تطالب الجيش باعادة بناء ذاته ومواصلة الاعداد والاستعداد للحرب القادمة التي عليه أن يعيد فيها سمعته كقوة رادعة في المنطقة!

وهناك فئة أخرى، ترى بأن الحل لا يمكن أن يكون عسكريا. وهي تطالب باستخلاص الدروس من خلال فتح الحوار والمفاوضات من أجل إقامة السلام في ربوع المنطقة. وعليه، فمن غير المستغرب قيام 68 اكاديميا وكاتبا وضابط احتياط اسرائيليا بنشر عريضة في جريدة “يديعوت احرونوت: يطالبون بها اولمرت للشروع بمفاوضات سلمية مع سوريا ولبنان والفلسطينيين وبضمنهم حماس. ومن بين الموقعين على العريضة: الحائز على جائزة نوبل البروفيسور اهرون شخنوفر، الكُتّاب أ. يهوشع، عاموس عوز، ايلي عمير، يهوديت كتسير، يوكي براندس والجنرالات ابراهام ادان، شلومو غازيت، شلومو (تشيتش) لاهط، عاموس لبيدوت والعاد بيلد و47 بروفيسورا واكاديميا كبيرا، بينهم حائزون وحائزات على جائزة اسرائيل، وكذا رجال أعمال. د. تسفيا فالدن، ابنة شمعون بيرس، وزوجها البروفيسور رافي فالدن موقعان هما ايضا على العريضة.

واعتبرت (يديعوت) العريضة “بادرة أولية لما يلوح كمحاولة متجددة من حركات الوسط واليسار لعرض بديل للجمود السياسي بين إسرائيل والعالم العربي.” ويحذر الموقعون من أن “المراوحة في المكان” تعرض للخطر اتفاقات السلام مع مصر والاردن. “نحن ملزمون ببذل كل جهد مستطاع لان نفتح على مصراعيها كل نافذة فتحت وفحص كل فرصة للوصول الى الاتفاق”. وتضيف العريضة “المرة تلو الأخرى تطرح برامج سلمية عربية، وتطلق نداءات للحوار. حذار من أن نرفضها رفضا باتا… حذارٍ أن نرفض أي زعيم عربي كمرشح للمفاوضات”. ويقترح الموقعون العمل بالتوازي في الساحة الفلسطينية ايضا – “ولا يجب رفض امكانية المحادثات مع حماس”. المحادثات مع سوريا مجدية لانها “تخدمنا في مجالات اخرى ايضا. وحتى لو فشلت المفاوضات – فهي لا تنطوي على ضحايا”.

ومن جهة اخرى، شكلت العديد من العائلات الفلسطينية والاسرائيلية تكتلا لتحقيق السلام بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي، حيث يضم العشرات من الافراد الفلسطينيين والاسرائيليين الذين فقدوا أبناءهم خلال الصراع القائم، أطلق عليه تجمع العائلات الثكلي من كلا الجانبين او تكتل عائلات الضحايا، حيث بدأ هؤلاء بإجراء لقاءات شبه علنية في الآونة الاخيرة بعد ان ظلت الفكرة سرية منذ العام 1996 حينما طرحها اثنان من عائلات الجنود الذين اختطفوا وقتلوا وهما اسحق فيرنتال وناحمون فاكسمان، وفي الآونة الاخيرة تكثفت اللقاءات بين الجانبين وشكلا التكتل المشار اليه بدعم امريكي ـ اوروبي. ويبلغ أعضاء هذا التكتل نحو 400 عضو أغلبيتهم من الفلسطينيين. ويلتقي الاعضاء من الجانبين مرارا في كل من فلسطين واسرائيل واحيانا في الخارج.

عائلات الجنود القتلى، لم تضع أية شروط على الفلسطينيين، من أسر الضحايا، لعقد هذه اللقاءات كما تضع حكومة إسرائيل من شروط على حكومة الوحدة الوطنية، المطلوب منها الاعتراف باسرائيل والاتفاقات الموقعة ونبذ الارهاب. وهنا نستذكر ما كتبه الصحافي الاسرائيلي داني روبنشتاين في هآرتس في 25/9 تحت عنوان (لماذا الاعتراف باسرائيل؟) بالقول: “عندما يقوم الاسرائيليون ببناء أحياء جديدة كبيرة في شرقي القدس (جبل أبو غنيم وتلة شلومو)، ويُوسعون الاستيطان في الجزء الاسلامي من البلدة القديمة وفي سلوان ورأس العامود والشيخ جراح ويطردون العرب من المدينة ويحيطونها بعشرات آلاف المستوطنين اليهود الذين يشكلون حزاما خانقا ممتدا من بيتار عيليت جنوبا وحتى معاليه ادوميم شرقا وجفعات زئيف شمالا

– انما يُرسلون رسالة واضحة للفلسطينيين ومفادها أنه لا توجد أي فرصة لقيام عاصمة لدولة فلسطين في شرقي القدس، واذا أضفنا الى ذلك توسيع المستوطنات في السامرة وفي اريئيل وضواحي رام الله، وفي غوش عصيون الموسعة وجبل الخليل – تتحول الرسالة الاسرائيلية الى رسالة واضحة جدا: ليست أمامكم أيها الفلسطينيون فرصة بالمرة. اعترفتم باسرائيل فحصلتم في المقابل على تحطيم آمالكم وتطلعاتكم القومية. فلماذا اذا تعود حماس الى نقطة الاعتراف ذاتها التي رأينا بأم أعيننا ما الذي تسببت به وآلت اليه؟.”

ويرى زميله في نفس الصحيفة، عكيفا الدار أن هذه “دائرة مغلقة سحرية من الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني، فطالما أن المفاوضات حول إقامة دولة فلسطينية بقيت عالقة، فلن تتوقف المقاومة العنيفة للاحتلال، وطالما بقيت المقاومة مستمرة سترفض إسرائيل استئناف المفاوضات لإقامة الدولة الفلسطينية. وطالما لم يتوصل الجانبان الى اتفاق سلام فلن تقوم الأسرة الدولية بارسال قوة حفظ سلام الى المنطقة. التجربة المريرة تشير الى أن الجانبين لا ينجحان في وضع حد للعنف أو التوصل الى تسوية من دون مساعدة من طرف ثالث.”

ويضيف: “الصيغة موجودة في قرار مجلس الأمن رقم 1701، المفروض فقط استبدال كلمة لبنان بعبارة “المناطق الفلسطينية المحتلة” وكلمة “حزب الله” بـ “حماس”، وكلمة “الخط الازرق” بـ “الخط الاخضر”، وهكذا تصبح النتيجة على النحو التالي:

“مجلس الأمن يدعو الى نشر قوات فلسطينية وقوات الامم المتحدة في غزة والضفة والوقف الفوري لكل هجمات حماس والاعمال الاسرائيلية العسكرية. المجلس يدعو الجانبين الى تأييد وقف اطلاق نار دائم وحل دائم يرتكز على احترام الخط الاخضر وتحديد ترتيبات أمنية تحول دون تجدد المجابهة بما في ذلك اقامة منطقة عازلة ونزع سلاح الفصائل المسلحة في المناطق.

المجلس يصادق على قيام القوة الدولية المكونة من 15 ألف عنصر لمتابعة توقف الاعمال الهجومية وتنسيق عملياتها مع الحكومتين ومساعدة الاجهزة الأمنية الفلسطينية. المجلس يعود ويؤكد أهمية احترام الخط الاخضر ويطلب من الأمين العام للأمم المتحدة بلورة اقتراح لتحديد الحدود مع اللاعبين الدوليين ذوي العلاقة”. السؤال المطروح الآن: هل تتحقق هذه الأمنيات؟ وهل تستخلص الحكومة الاسرائيلية الراهنة (التي غدت من غير برنامج) الدروس والعبر وتتخلى عن اللجوء لمنطق القوة وتستبدله بمنطق الحوار المتكافىء والبناء والصادق والكفيل – اذا صدقت النوايا – بجلب الأمن والاستقرار للمنطقة. فرد الحقوق للفلسطينيين والسوريين واللبنانيين هو الوحيد الذي سيكفل الأمن للشعب الاسرائيلي واشاعة السلام في ربوع المنطقة