2/10/2006
الأحداث المؤسفة والمأساوية التي اندلعت مؤخرا في قطاع غزة والضفة الغربية والتي راح ضحيتها 9 شهداء من بينهم أطفال و105 جريحا، ناهيكم عن تدمير وإحراق المؤسسات العامة، إن دلت على شيء إنما تدل على خطورة الوضع التي وصل إليه السجال في الساحة الفلسطينية، الذي بدأ مع بدء الحصار على الحكومة الفلسطينية لغرض الاعتراف بالشروط التي وضعتها الحكومة الإسرائيلية وتبنتها الرباعية فيما بعد والتي تتضمن الاعتراف بإسرائيل ونبذ العنف والإقرار بالاتفاقات الموقعة ما بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية.
من المؤسف أن أبناء الشعب الفلسطيني الذي تمرس على النضال والكفاح وخرج كطائر الفينيق من أكثر من حصار خلال مسيرته النضالية الطويلة، يجد نفسه اليوم يوجه حرابه إلى صدور الإخوة والأشقاء وينخرط في اقتتال مأساوي هو في غنى عنه، ووقع في مرحلة أحوج ما يكون فيها للوحدة الوطنية حتى ينجح في اختراق الحصار المفروض عليه منذ تشكيل الحكومة الراهنة ونيلها لثقة المجلس التشريعي الفلسطيني.
صحيح أن المتورطين في الاشتباكات المؤسفة يتقاسمان المسؤولية في ما آل اليه الوضع، لكن المسؤولية الكبرى، وكما قال السفير الفلسطيني في لبنان، عباس زكي، تتحملها الولايات المتحدة التي فرضت الحصار على الشعب الفلسطيني وأجبرت الرباعية على الالتزام به، في إطار ما تعتبره جزءا من حربها الكونية على محور التشدد في المنطقة الذي يعرقل تمرير المشاريع الأميركية في الشرق الأوسط والمتمثل في حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية وسوريا وإيران.
وإنا كنا نجسد تفسيرا للمواقف الأميركية، الضاربة في القدم، والمعادية لتطلعات وآمال الشعب الفلسطيني والانقلاب على نتائج انتخاباته التي جاءت في أكثر العمليات ديمقراطية ونزاهة شهدها الشرق الأوسط، فإننا لا نجد أي تفسير لقبول الأمم المتحدة – وهي عضو في اللجنة الرباعية – المشاركة في فرض الحصار على الشعب الفلسطيني خدمة للمصالح السياسية الأميركية في المنطقة.
ويعلق المقرر الخاص لأوضاع حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة خلال الجلسة الثانية لمجلس حقوق الإنسان التي انعقدت في 26 أيلول 2006، على ذلك بالقول: “من المؤسف أن الأمم المتحدة كعضو في اللجنة الرباعية قد تغاضت عن هذا الفعل. وحقا، جعلت من نفسها طرفا في فرض العقوبات الاقتصادية ضد الشعب الفلسطيني.”
ويتابع قائلا، “في الحقيقة أن الشعب الفلسطيني يتعرض لعقوبات اقتصادية – وهذه أول مرة يتعرض فيها شعب تحت احتلال لذلك. وتواصل إسرائيل انتهاكاتها للقانون الدولي كما أوضحه مجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، ومع هذا لا يجري معاقبتها. غير أن الشعب الفلسطيني يعاقب لأنه اختار بشكل ديمقراطي نظام غير مقبول على الاحتلال أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي… إن الإجراءات الأمنية الإسرائيلية تشكل عقابا جماعيا “ليس للحكومة، وإنما لشعب بأكمله – في انتهاك صارخ للمادة 33 من معاهدة جنيف الرابعة.”
ويختم حديثه أمام مجلس حقوق الانسان بالقول: “إذا كانت الدول والمؤسسات التي تشكل المجتمع الدولي لا تستطيع إدراك ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة واتخاذ إجراء إزاء ذلك، فيجب أن لا تتفاجأ إذا ما توقفت شعوب الأرض عن التصديق بجدية التزامها بتعزيز حقوق الإنسان وحماية الشعوب التي تتعرض لخطر.”
وعليه، فللخروج من المأزق الراهن يتعين أولا وقبل كل شيء الترفع عن القضايا الفئوية والحزبية الضيقة وتغليب المصلحة العامة والعليا لعموم الشعب الفلسطيني، وتعزيز الوحدة واللحمة الوطنية لاعمال عقول جميع الأحزاب والفصائل والتيارات السياسية وممثلي المجتمع المدني والقطاع الخاص وكافة فئات الشعب الفلسطيني للعمل على إخراج وثيقة الوفاق الوطني إلى حيز التنفيذ من خلال إقامة حكومة الوحدة الوطنية التي ستعمل جاهدة على جملة من القضايا التي سيكون أولها رفع الحصار الظالم وغير المسبوق على الشعب الفلسطيني الرازح تحت نير الاحتلال.