8/6/2006

إعداد: مؤسسة الرقيب لحقوق الإنسان

السادة الأعزاء.. الضيوف الكرام.. رجال الصحافة والإعلام ونشطاء حقوق الإنسان.. باسم مؤسسة الرقيب أجدد الترحيب بكم في هذا المؤتمر الذي ينعقد في لندن بعد عام من وفاة الصحفي الليبي ضيف الغزال. سوف تركز ورقة الرقيب هذه على أهم المحطات التي مرّ بها صحفي ناضل من أجل الحقيقة التي طالما سعى لنشرها من أجل سعادة وطنه متسلحا بقلمه وأوراقه لا غير..في وجه مليشيات لا تعرف غير لغة الخطف والقتل.. إنها سيرة صحفي عاش من أجل وطن نظيف.. خالٍ من الفساد بجميع أشكاله.. الفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي..

  • ولد الصحفي الليبي ضيف عبد الكريم الغزال في مدينة بنغازي، شرق ليبيا، عام 1976، من أب يرجع أصله إلى قبيلة عريقة تسكن شرق ليبيا، وهي قبيلة “الشهيبات”، وأم يعود أصلها إلى قبيلة الهوّارة المشهورة أيضا.
  • درس في جامعة قاريونس، وتحصل على ليسانس في التاريخ من قسم الآداب.
  • انضم ضيف الغزال في وقت مبكر إلى “حركة اللجان الثورية” التي أسسها النظام الليبي من أجل نشر أفكاره المتمثلة في “الكتاب الأخضر” بين طلبة المدارس والجامعات، من الذين كان يلزمهم على حضور تجمعات ومؤتمرات هذه الحركة.
  • وقد انضم ضيف الغزال إلى حركة اللجان الثورية من خلال مخيمات عقائدية في نهاية الثمانينات ومن خلال ما يعرف بـ “مخيمات براعم وأشبال الفاتح”، ومع مطلع التسعينات انضم ضيف لعضوية “مثابة بنغازي الجديدة” (المثابة هي اسم مقر حزب اللجان الثورية وقد استعمل في مراحل سابقة كمكان للاعتقال والتعذيب)، وتدرج الغزال في مراتب الحركة، حتى تولى منصب منسق قسم التثقيف والإعلام، وهو منصب قيادي مهم في اللجان الثورية.
  • عمل ضيف الغزال في مجال الصحافة التي امتهنها، وبسبب قدراته على الخطابة الثورية والتنظير لثورة سبتمبر، التي كان متحمسا لها، تولى منصب رئيس تحرير جريدة الزحف الأخضر في مكتبها ببنغازي، وجريدة الزحف الأخضر هي الجريدة الرسمية الناطقة باسم “حركة اللجان الثورية” ولسان حالها.
  • بدأت بوادر الخلاف بين ضيف الغزال “ومتشددي حركة اللجان الثورية” مع بدايات الألفية الجديدة، وبدأ خلافه ينعكس بوضوح في مقالاته التي كان ينشرها في جريدة الزحف الأخضر.
  • كتب الغزال آخر مقالته في “الجريدة الثورية”, وقبل أن يعلن استقالته منها، تحت عنوان “دعوة ملحة للتوازن.. ونبذ المندسين”، يقول في إحدى فقراتها: لماذا ينحر الثوريون بعضهم بعضا ولماذا يطبقون أساليب رجال الاستخبارات في تصفية الخصوم (زملائهم..!).. هل السبب هو السلطة.. فكيف إذ كنا نؤمن أن السلطة للشعب. .ولا يمكن اغتصابها لصالح قبيلة أو قبيلتين .. الكل مدعو لإعادة حساباته..”.
  • لقد كان من الواضح أن ضيف الغزال يعيش آخر أيامه مع حركة اللجان الثورية، وأنه كان فيما يبدو يراجع حساباته كما كتب، ولكن خصومه كانوا في الوقت ذاته يستعدون لمعركة ستكون قاسية سوف تكلفه حياته فيما بعد.. بعد أن ضاقوا بكتاباته ذرعا.
  • إن أحد أهم القوانين التي تطبق داخل حركة اللجان الثورية أن كل من دخلها لن يعود بمقدوره تركها.. وخصوصا إذا كان قد تقلد بداخلها مناصب قيادية في يوم من الأيام، وانكشف له أسرار تلك الحركة التي تصنف اليوم على أنها حركة “قمعية” ارتكبت انتهاكات واسعة في حق المدنيين، وقد اعترف العقيد القذافي نفسه بهذه التجاوزات مؤخرا(1).
  • في عام 2004 ألقى الغزال محاضرة أثارت جدلا كبيرا بين أعضاء اللجان الثورية.. المحاضرة كانت في مركز بحوث الكتاب الأخضر وكانت حول الفساد.. وقد طالب من خلالها إقامة “جمعية أهليه للتصدي للفساد” وجدد ذلك في حوار إذاعي في برنامج دعوة للحوار.
  • جرأته وصراحته هذه، ونقده للفساد، بل وتهديده بنشر ما لديه من وثائق ومستندات حول انتهاكات وعمليات فساد واسعة في الصحف وفي الإنترنت، التي وجد فيها ضيف الغزال متنفسا كبيرا، جعلت متشددي اللجان الثورية يحاربونه بشدة، وبالأخص أعضاء فريق اللجان الثورية بمثابة منطقة البركة ببنغازي. (والرقيب لديها أسماءُ عددٍ من المتشددين الذين كانوا على عداء مع ضيف الغزال بسبب كتاباته وخوفهم فيما يبدوا من أن ينفذ تهديداته بنشر مستمسكات وأدلة ثبت تورطهم).
  • في مطلع عام 2005 حاول ضيف الترشح لرئاسة نقابة الصحافيين، ولم يتمكن من ذلك بعد عملية “تصعيد” (انتخاب) وصفها صحفيون بأنها مزورة من أجل إبعاده عن الترشح.
  • وكشف وقتها ضيف الغزال في تصريح خاص نشرته صحيفة (ليبيا اليوم) الإلكترونية التي تصدر من لندن، في 27 فبراير (كانون الثاني) 2005 عن انتهاكات وتجاوزات كثيرة تعرض لها بسبب مقالاته وتحقيقاته وانتقاداته الصحفية، وقال ما نصه: “إنني أحد الذين تعرضوا لانتهاكات اشتملت التحقيق والمقاضاة كان سببها الرئيسي مقالاتي وتحقيقاتي الصحفية، التي أجريتها حول كل ما يسئ إلي بني مجتمعي، من سلوكيات وممارسات خاطئة، أرهقت الكادح المعدوم دون غيره وقد تجاوزتها بحقائقي التي أكدتها المستندات الدالة دون وقوف الرابطة (النقابة)، معي”.
  • أعلن ضيف الغزال في ذلك التصريح عن عدم رغبته في تقديم الطعن مجددا إذا لم يكن هناك رغبة من القيادة الليبية في تصحيح المسار وقال: “أود أن أعلن لصحيفة (ليبيا ليوم) عن عدم رغبتي الشخصية في تقديم الطعن، وإن حدث وقـُبل الطعن الذي تقدم به الزملاء فلن أدفع باسمي مجددا لقناعتي التامة أن الأمر غير مجدي ما لم يكن هناك رغبة لدى أركان الدولة الليبية في تصحيح المسار المعوج”.
  • على إثر ذلك التصريح، تم استدعاء ضيف الغزال معه من قبل مكتب الاتصال في حركة اللجان الثورية للتحقيق معه.
  • وعلى الرغم من أن ضيف الغزال كان قد تلقى تهديدات كثيرة ممن يعتقد أنهم ثوريون متشددون، وقد أبرز هذه التهديدات من خلال كتاباته التي نشرها بين 2004 و2005 وهي التي لم تنشر في الصحف الرسمية وإنما نشرت جميعها في مواقع الإلكترونية على الإنترنت تعمل من خارج ليبيا أبرزها صحيفة ليبيا اليوم وليبيا جيل.. على الرغم من كل هذه التهديدات فإن الغزال بقي يكتب بلغة التحدي القوية، ويزيد في كل مرة من لهجة التحدي هذه، وكان يختم مقالاته بعبارة “ولي عودة إن سلمت”.
  • في 21 – 5 – 2005 اختُطف ضيف من قبل شخصين مسلحين ادعوا أنهم من الأمن الداخلي وذلك بالقرب من إحدى مزارع الهواري وفى طريق عودته من منزل أحد الأصدقاء، وكان برفقته إعلامي ليبي اسمه محمد المرغني، والذي تضاربت الأنباء حول مصيره هو الآخر إلى اليوم.
  • عند سؤال أهله عليه في جميع مراكز الأمن التابعة للسلطات ومراكز الشرطة الجميع نفوا وجوده عندهم.
  • في 30 – 5 – 2005 أبلغ مركز شرطة قاريونس أهل ضيف الغزال بأنهم عثروا على جثت مجهولة صباحا، وطلبوا منهم الحضور من أجل التعرف على جثة مقيدة اليدين وبدت وكأنها آخذة في التحلل، مما يدل على أن القتل تم بعد اختطافه مباشرة، وبسبب تحلل الجثة لم يتعرف أهل ضيف الغزال عليه للوهلة الأولى.
  • في يوم 3-6 -2005 تم دفن (ضيف الغزال) وسط أجواء من الحزن غمرت الصحافيين الليبيين وأصدقائه في مدينة بنغازي وطرابلس.
  • تقرير الطبيب الشرعي الذي تحصلت عليه منظمة التضامن (وسوف يوزع عليكم) يؤكد بأن الوفاة كانت بسبب عملية “قتل قبل أيام من تاريخ العثور عليه” (لم يحددها التقرير)، وأن الغزال قد تعرض إلى عيار ناري بالرأس، أدى إلى حدوث كسور وتهشيم للجمجمة وتهتك بالمخ ونزيف أدى إلى توقف القلب والدورة الدموية والتنفس.
  • والتقرير وعلى الرغم من أنه لم يأت على ذكر تفاصيل مهمة، مثل نوع السلاح الذي قتل به الغزال، والمسافة التي تم إطلاق النار على رأسه، وما إذا كان قد تم تعذيبه أم لا، إلا أنه اعتبر خطوة أولية إيجابية من جهة الدولة بالاعتراف بأن الغزال مات مقتولا، الأمر الذي يمنح أهله حق المطالبة بكشف ملابسات الجريمة أمام القضاء.
  • وقالت رواياتٍ شهود عيان في نفس الفترة إن الغزال وُجد وعليه آثار تعذيب قوية في جسده، وآثار كدمات في مناطق حساسة وطعنات بالسكين وملابسه ممزقة، وأن بعض أصابعه قد تم قطعها، في إشارة إلى أن الخاطفين كانوا يريدونه أن يكون عبرة لكل من يقف في وجههم، أو يفكر في انتقادهم عبر الصحف.
  • التزمت السلطات الليبية الصمت طوال 15 يوما وتحديدا منذ اختطاف الكاتب والعثور عليه ثم دفنه (من 21 /5 وحتى 3/6) وظهر وزير العدل الليبي في 6/6/2005 ليقول إن الغزال وجد مقتولا، وأنه ذو أصول مصرية!! الأمر الذي استهجنه أهالي وأقارب الصحفي الراحل.
  • وعلى الرغم من مرور عام على اختطاف وقتل الصحفي الليبي، وعلى الرغم من وعود السلطات الليبية على لسان وزير العدل بالكشف عن ملابسات الجريمة، وأخذ سيف الإسلام رئيس مؤسسة القذافي للتنمية القضية على عاتقه.. إلا أن أهالي ضيف الغزال والرأي العام ونشطاء حقوق الإنسان لا يزالون يسألون: من قتل ضيف الغزال؟ ولماذا لا يتم الكشف عن المتهمين وتقديمهم إلى المحاكمة؟. إذا كانوا قد وقعوا تحت قبضة العدالة كما أبلغ المسؤولون الليبيون أهالي الفقيد!!؟.
  • إن هذه الدلائل والقرائن بحسب هذا السرد للوقائع، والتي جمعت بعناية من مصادر تمتنع الرقيب عن ذكرهم خوفا على حياتهم، تشير بقوة إلى أن قتلة الغزال لم يكونوا أشخاصا عاديين وأنهم كانوا من “المليشيات” التي تعمل في أحد الأجهزة الأمنية، وأن الأوامر أعطيت من متنفذين بتصفية الغزال، والتخلص منه، بعد أن قرر فتح ملف الفساد السياسي والاقتصادي في ليبيا على مصراعيه، ويتضح ذلك من أسلوب خطفه، ونوع السيارة التي استعملت للاعتقال، وهو أسلوب لا يقوى عليه في ليبيا إلا من كان يعمل مع رجال الأمن أو مليشيات اللجان الثورية.
  • إن ضيف الغزال لم يكن ليلقى مصيره لو أن الدولة الليبية وقفت بحزم منذ أن بدأ يعبر الغزال بصراحة عن مخاوفه بالاختطاف أو القتل أو الاعتقال. مما يعني أن إهمال السلطات وعدم أخذها هذه التهديدات محمل الجد، قد يفسر على أنه نوع من التواطؤ في الجريمة.

وأختم كلمة الرقيب أيها السادة بعبارات ضيف الغزال التي نشرها قبل وفاته بنحو شهر فقط، يقول فيها:

  • ربما اعتداءٌ صارخ أتعرض له في الساحة الخضراء أو بشارع بن عاشور أو في ميدان الشجرة أو ميدان البلدية.. ربما شاهد زور لا يمت لليبيا بصلة يضعني خلف قضبان الذل والمهانة..!!؟؟
  • ربما طعنة سكين غادر أتعرض لها جزافاً من مسجون حصل على أعلى وأدق شهادات الإجرام.. صار طليقاً لحسن سيرته وسلوكه!.. ربما حادث مروري أليم ومروع وغريب أتعرض له فجأة في شوارع بلادنا المسروقة أو على طرقاتها الصحراوية من قبل شاحنة يقودها صاحب رتبة عسكرية كبيرة…!!؟؟
  • ربما مشنقة بذريعة “الخيانة” يتم نصبها لي بإحدى ساحات الحرم الجامعي أو في استراحة مابين “الشوطين” لمباراة الأهلي والنصر أو الأهل والاتحاد أو “بقاعة مغلقة” اكتضت بأعداد غفيرة مغلولة على أمرها ومغلوبة..!!؟؟
  • أخي ابن الوطن الأصيل.. اعلم أنه ومع كل هذا وغير هذا يسرني جداً الاستمرار في تسليط الأضواء على مكامن الداء والأعداء حتى وإن هدمت بيوت عائلتي مليشيات مغبونة..!!؟؟

رحم الله شهيد الصحافة الليبية ضيف الغزال

وشكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لندن – (8/6/2006)