8/6/2006

لازالت السلطات الليبية ترى أنه بالإمكان حل القضايا الداخلية العالقة، والتي تهدد أسس الدولة، والخروج منها معتمدة على عامل الوقت، ولا ترى أن العواقب الوخيمة لأسلوب التلكؤ في الإصلاح الشامل سوف يزيد من تردي الأوضاع داخل البلاد.

ومن هذه القضايا التي تماطل السلطات في علاجها، قضية قتل الصحفي الليبي ضيف الغزال قبل عام. وعلى رغم تصريح السلطات في يوليو / تموز 2005، بأن هناك تحقيقا رسميا جاريا وكذلك تصريح السيد سيف الإسلام القذافي، رئيس مؤسسة القذافي للتنمية، حيث أكد على أن الحكومة ألقت القبض على رجلين واعترفا بالجرم، وهما الآن في السجن، وسيحاكمون ، إلا أنه إلى الآن لم يقدموا للمحاكمة، ولم ترد أي أخبار عن نتائج التحقيقات التي تحدث عنها وزير الداخلية.

و تمثل حالة مناقشة قانون الصحافة الجديد والمسمى قانون رقم 4 لسنة 2006، والذي تُلي في جلسة من جلسات مؤتمر الشعب العام مثالا آخر صارخا في تردد السلطة باتخاذ خطوة إلى الأمام.

كما أن غياب الفصل بين السلطات الثلاثة (التشريعية – التنفيذية – القضائية) والافتقار إلى أي ضمانات دستورية وقانونية لحماية حرية التعبير غيرت من مهمة السلطة الرابعة، والتي تكتسب شرعيتها من كونها سلطة رقابة على السلطات الثلاث، وحولتها إلى أداة من أدوات الدعاية للثورة والترويج لأفكار النظام الحاكم، وفي نفس الوقت تضع حياة الصحافيين وأصحاب الرأي الآخر من الذين يخرجون عن ما هو مرسوم لهم في خطر، وتعرّضهم للقتل، كما حدث للصحفي ضيف الغزال، أو الاعتقال والزج بهم في السجون، كما حدث للصحفي عبد الله علي السنوسي الضراط، الذي لا يزال مفقودا منذ 33 عاما، بدون أن تقدم الحكومة أي تفسير لاختفائه أو مكان اعتقاله، وهذا يحدث تحت حجج لا حصر لها، سُندت بقوانين قمعية وقرارات تعسفية، الأمر الذي قتل روح المبادرة والبحث عن الحقيقة عند الصحفي الليبي، وتحول إلى موظف في آلة الإعلام الموجه.

ويفتقد الصحفي الليبي اليوم، الحق في الحصول على المعلومات وتداولها، والذي يعتبر من الحقوق الأساسية التي نصت عليها القوانين الدولية، ودعامة أساسية لحق حرية التعبير، وتصنف السلطات الليبية معظم المعلومات الحكومية على أنها سرية، وتعتبرها مساسا بالأمن القومي، ولذا فإنها تشدد من نظم الرقابة، وتطبق عقوبات قاسية في كثير من الأحيان، مما يجعل الحصول على المعلومة وممارسة حق التعبير، ضربا من ضروب المستحيل.

“التضامن والرقيب” تعبران عن قلقهما البالغ للوضع الحالي للصحافة، وتدعوان الحكومة الليبية إلى ضرورة اتخاذ إجراءات من شأنها ضمان حق حرية التعبير عن الأفكار، و نشرها، وفتح المجال أمام الصحافة الحرة ووسائل الإعلام، وإصدار الصحف والكتب والمجلات، والنشر، وتذليل جميع العقبات لحق الحصول على المعلومات من المصادر العامة، سوى من الخارج أو من الداخل، والذي سيساهم في توعية الشعب، ويمثل دور الرقيب الحر على الحكومة في قيادة المجتمع، ويمنع السلطات من ارتكاب أي تجاوزات.

أما فيما يتعلق بقضية ضيف الغزال فإننا نطالب الحكومة الليبية بما يلي:

  • الكشف عن نتائج التحقيقات التي أعلنت عنها أمانة اللجنة الشعبية للأمن العام (وزارة الداخلية).
  • البدء في محاكمة المتهمين في القضية في محاكمة علنية، مع ضمان كامل للمحكمة العادلة، وننوه إلى خطورة اللجوء إلى المحاكم التخصصية والاستثنائية.
  • وصلت إلينا معلومات تؤكد تورط أحد أعضاء اللجنة الثورية في هذه القضية، لذا ندعو السلطات الليبية إلى التأكد من عدم استفادة المتهمين من ظاهرة الإفلات من العقاب، والتي تندد بها جميع القوانين والمواثيق الدولية، ومنها القانون التأسيسي للاتحاد الأفريقي والذي يجعلها من جملة مبادئه وأهدافه الأساسية.

كما ندعو الحكومة الليبية بالإسراع في إقرار القانون رقم 4 لسنة 2006 كما مقرر له، و ألا يُفرغ من فحواه وخاصة فيما يتعلق بتملك الأفراد للصحف والسماح للصحافيين والكتاب بإنشاء نقابتهم بدون تدخل من طرف الحكومة أو أي جهة كانت.

على أجهزة الرقابة وأجهزة الأمن الليبي الكف عن إغلاق المقاهي التي تقدم خدمت الإنترنت وعدم ملاحقة روادها، والتوقف عن حجب مواقع الإنترنت الليبية، التي تدار من خارج ليبيا وتخريبها، الأمر الذي يعد مصادرة لحق التعبير، وخصوصا مع ورود أنباء أن سلطات الأمن جلبت متخصصين في أعمال التخريب – هاكرز- وأن هؤلاء كانوا وراء أحداث التخريب التي تحدث لمواقع ووسائل إعلامية ليبية في الخارج.

إن السلطات الليبية مطالبة بالوفاء بعهودها الدولية وما صادقة عليه من مواثيق، ونخص هنا العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وخاصة المادة 19 منه، والتي تنص على “أن لكل إنسان الحق في اعتناق أراء دون مضايقة، ولكل إنسان حق في التعبير، ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين، دونما اعتبار لحدود”.