28/8/2008
1. تابعت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان، بأسف واندهاش، مسلسل قدمته “مؤسسة القذافى للأعمال الخيرية والتنمية” مؤخرا ضمن تسجيلات فديو لبعض الليبيين الذين تمت تصفيتهم جسديا وقتلوا خارج نطاق القانون اعترف فيها الضحايا/المتهمين بكل “الجرائم” السياسية التى نسبت إليهم وحتى التى لم تنسب إليهم. ويبدو واضحا من أسئلة “المحققين” و”الشهود” على السواء وطريقة طرحها أن ليس لهؤلاء علاقة لا بالعدالة ولا بالحقيقة وان كل المطلوب هو تدوين “الإعتراف” كإجراء وقائى من الملاحقات التى سوف تطال عاجلا أم آجلا كل المتورطين فى تعذيب أوقتل أي ليبي خارج نطاق القانون. ويبدو من سياق المسلسل، أن القتلة على دراية جيدة بهذا القانون الطبيعى وأرادوا من خلال هذا المسلسل إظهار المغدور بهم وكأنهم متآمرين وعملاء للأجنبى من جهة وإظهار القتلة وكأنهم فى وضع الدفاع عن النفس من جهة اخرى. ولا يسع الرابطة إلا أن تشجب هذا العمل اللامسؤول وتستغرب تبني “مؤسسة القذافى للاعمال الخيرية” – التى تدعى الدفاع عن احترام حقوق الإنسان- لهذا العمل المنافى لأبسط حقوق الإنسان باعتباره عملا موجها فى الأساس الى أهالى وأقارب المغدور بهم لتعذيبهم نفسيا وتحميلهم أكبر قدر من الإهانة والإذلال. ان هذا العمل لا يختلف فى جوهره على التمثيل بجثث الموتى المنافى لأخلاق جميع الثقافات والذى يذكرنا بجرائم القتل والشنق التى نفذتها “اللجان الثورية” فى أروقة الجامعات والساحات العامة فى السبعينيات والثمانينيات والمهرجانات “الثورية” للتمثيل بجثث القتلى التى كانت تتبع “مهرجانات” القتل والإعدام التى كانت اللجان الثورية تقوم بتنظيمها بغية الإهانة والتشفى والإنتقام.
2. وأول سؤال يتبادر لذهن اي عاقل هو إذا كانت اعترافات “المغدور بهم” حقيقية ولم تنتزع تحت التعذيب والإكراه ولربما التخديرأيضا، فلماذا لم يحالوا الى القضاء للبث فى جرائهم ومعاقبتهم فى ضوء مايقرره القضاة ويحدده القانون؟ لماذا اغتيلوا ولم يقدموا الى القضاء وهم الذين اعترفوا بارتكاب أكبر الجرائم وأخطرها؟ والرابطة تعتقد جازمة ان السبب الأساسى الذى حال دون تقديمهم الى محاكمة، ولومحاكمة صورية مثل كل المحاكمات السياسية التى عرفتها البلاد خلال العقود الماضية… السبب هو بالتحديد التعذيب والذى نعتقد انه كان من الوحشية بحيث ترك آثارا بدنية ونفسية جسيمة على المغدور بهم لا يمكن إخفائها. إن “الإعترافات” التى سمعناها فى المسلسل هي “اعترافات” خطيرة بكل المقاييس وقد كانت تؤدى الى احكام قاسية لو قدم أصحابها الى القضاء حتى لوكان هذا القضاء قضاءا عادلا ومستقلا ( والذى لم يتوفر فى ليبيا خلال العقود الأخيرة). ولا يمكن إذن تفسير قتل (التخلص) السيد الثلثى والشيخ البشتى، خارج نطاق القانون وعدم تقديمهما الى المحاكمة على “الجرائم” موضوع الإعتراف، إلا بقصد إخفاء حجم ونوع التعذيب الذى مارسته اللجان الثورية لنزع تلك الإعترافات والآثار البدنية والنفسية الخطيرة التى تسبب فيها ذلك التعذيب اللاإنسانى والذى لم يكن بالإمكان إخفائه وقد يتسبب فى ملاحقات، فيما لو اكتشف أثره من طرف القضاء، ضد من قاموا به فى حالة لو قدم الشيخ البشتى والسيد الثلثى لأية محامكة مهما كانت صورية. وتجدر الإشارة بأن القانون يحظر التعذيب بما في ذلك المعاملة اللاإنسانية والقاسية والمهينة والإساءات المهدرة للكرامة الإنسانية والإكراه البدني أو المعنوي وغيره من أشكال المعاملة السيئة في جميع الأوقات، ولا يجيز استعمال اعترافات أخذت تحت وطاة التعذيب كادلة أو حجة فى أي قضية. ويعتبر حظرالتعذيب مطلقا وليس هناك استثناء فى هذا الحظر المنصوص عليه فى جميع النصوص والإتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. ويمكن الرجوع الى هذا الحظرالشامل والكامل الذى لا يقبل أي استثناء فى المادة 5 من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والمادة 7 من العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية والمادة 1 من اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة او العقوبة القاسية او اللاإنسانية أو المهينة والمادة 5 من الميثاق الافريقى لحقوق الإنسان والشعوب. والجدير بالملاحظة ان ليبيا تتمتع بعضوية كل هذه الإتفاقيات الدولية.
3. يعد الحصول على المعلومات الهدف الرئيسى للتعذيب وكثيرا مايجبر المعتقل على ذكر اشخاص او مؤسسات (السفير السعودى مثلا، حزب البعث الى آخره …) “مشاركة” فى “الجريمة” بغية تجريم المعتقل وتأكيد نظرية المؤامرة التى يزيدها التعذيب رسوخا فى ذهن الجلاد. وللتعذيب أهداف أخرى متداخلة منها مثلا إقناع المعتقل بالتخلي عن أفكاره واتجاهاته السابقة وتبنىِ أفكارا واتجاهاتا جديدة مقبولة لدى السجان والهدف النهائي لذلك هو تغيير الولاء كما يحدث في عملية غسيل المخ. أما الترهيب وهو هدف آخر مهم للتعذيب فيقصد به ترهيب الناس من خلال جعل أساليب التعذيب معروفة لدى الجمهور ، ومن ثم منعهم من القيام بأي فعل لا تقبله السلطة. والبئة التى تحتضن التعذيب وتنميته هي تلك البئة التى يتحكم فيها نظام حكم سياسى استبدادي لا يحترم حقوق الإنسان ويجرم الرأي الآخر ولا يعطى أهمية للحق فى الحياة وماهومن مستلزماته ومتمماته، ويوفر الحماية والإطمئنان لممارسي التعذيب والجلادين من الملاحقة القضائية ويحول دون تحقيق المساواة أمام القانون وتكافؤ الفرص.
4. لقد كنا نتوقع من مؤسسة تدعى الدفاع عن حقوق الإنسان بالتحقيق فى خلفيات الفديو، بدل عرضه وتوزيعه على نطاق الأنترنت، وتقديم شكوى عاجلة باسم المغدور بهم الى القضاء لمنع عرض الفديو، مؤقتا على الأقل، لحين معرفة الظروف المحيطة بهذا الفديو المشبوه بغية إعلام المشاهد بها وتحذيره. ولا يمكن للقضاء من القيام بواجبه فى هذا الخصوص دون استدعائه لكل المتورطين فى إعداد هذا الفديو من “محققين ثوريين” وشهود، ربما زائفين، بغية التحقيق معهم فى الكيفية التى تم بها انتزاع هذه الإعترافات الخطيرة وأيضا الكيفية التى اغتيل بها الشيخ البشتى والسيد الثلثى وإصدار القضاء للقرارات المناسبة لمعالجة هذه القضية بما في ذلك إصدار مذكرات اعتقال، إذا استلزم الأمر، ضد كل من يشتبه فى تورطهم فى تعذيب ثم قتل الشيخ البشتى والسيد الثلثى وربما أيضا التحفظ على شريط الفديو، بدل عرضه، كدليل قضائى لمحاكمة وإدانة المتورطين فى جريمة التعذيب والقتل.
وبناءا على ما تقدم تطالب الرابطة:
أولا: بالسحب الفورى لشريط الفديو من على شبكة الانترنات وتقديمه الى القضاء لدراسة محتواه وإصدار حكم بشأن تداوله
ثانيا: تكوين لجنة مستقلة للتحقيق فى ملفات التعذيب والقتل خارج نطاق القانون تأسيسا على القاعدة القانونية التى تفرض ان لا يكون الخصم حكما.
ثالثا: الإقرار قانونا بكل الوفيات التى عرفتها المعتقلات الرسمية وغير الرسمية مثل “المثابات الثورية”. ولا بد ان يشمل الإقرار ضحايا معتقل بوسليم وضحايا سياسة “التصفيات الجسدية” التى مارستها الدولة ضد الليبيين فى الداخل وفى المنافى.
رابعا: تسليم رفاة المتوفيين لذويهم حتى تدفن وفق الشروط الإنسانية والفروض الدينية التى تعارف عليها المجتمع وذلك بعد التحقق من هويتهم.
5 إن تنفيذ هذه المطالب وحل ملفات التعذيب والقتل خارج نطاق القانون هو أحد الركائز الأساسية فى مسار بناء دولة الحق والقانون والتى بدونها سيستمر أمن الفرد فى ليبيا، كما ظل مدة ال39 سنة الماضية، اسيرا لمزاج ونزوات السلطة التى برهنت خلال الاربع عقود الماضية على انها لا تعير احترام حقوق الإنسان أي اهتمام.
الرابطة الليبية لحقوق الإنسان