13/1/2005

تابعت الأمانة العامة للاتحاد بدهشة التصريحات التي أدلى بها العقيد القذافي فيما يسمى بمؤتمر الشعب العام.. ونخص بالذكر منها ما يلي:
أولاً: تعليقه حول محكمة الشعب وأسباب تأسيسها، حيث ذكر بأن محكمة الشعب أسست أصلاً لمحاسبة مسؤولي الحكم الملكي في الفترة من 52 إلى 1969.. والتي كان من المفترض أن تختفي من الوجود بعد تلك المحاكمات التي تمت في حقِّ هؤلاء المسؤولين.. إلا أنه -أي القذافي استغرب جَرْجَرة هذه المحكمة إلى يومنا هذا حتى أصبحت مهزلة..

والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا هذا السكوت عن هذه المحكمة طوال تلك السنين بعد أن فعلت ما فعلت في أبناء الوطن الأحرار الذين راحوا ضحية أحكامها الجائرة ؟؟ وآخرها الأحكام الثقيلة في حق عشرات من المواطنين الذين صدرت ضدهم إحكام بالإعدام والسجن المؤبد والسجن الطويل المدى .. وهناك العديد من أبناء الوطن قضاياهم لازالت منظورة أمام هذه المحكمة..

والآن بعد أن صدر قانون بإلغاء هذه المحكمة الجائرة والذي جاء نتيجة جهود المخلصين من المناضلين الليبيين في الداخل والخارج.. ماذا سيكون مصير من صدرت ضدَّهم تلك الأحكام الظالمة؟!! وما مصير من لازالت قضاياهم معروضة على هذه المحكمة!؟؟

أليس من الأجدر بعد إلغاء هذه المحكمة أن تلغى كافةُ الآثار المترتبة عليها، وصدر عنها من أحكام طالما هي محكمة ظالمة ومهزلة!! ؟ وكذالك إيقاف كافة القضايا المنظورة أمامها..؟؟

ثانياً: أخيراً اعترف القذافي بوجود ليبيين في الخارج مظلومين أو هاربين من ظلم الظلمة من أعوان النظام الذين داهموا وساهموا في تشريد هؤلاء الليبيين.. وطالب بتشكيل لجنة للبحث عنهم وإنصافهم للعمل على عودتهم إلى ليبيا أو اختيار البقاء في الخارج، وإقفال هذا الملف نهائياً، حتى لا يكون هناك معارضين لحكمه خارج ليبيا !! لأنه يريدهم معارضين في الداخل ومن خلال مؤتمراته الشعبية التي لازال متمسكاً بشرعيتها.. ثالثاً: مطالبته بتفقد أحوال السجون الليبية للتأكد من خلوها من سجناء الرأي.. وهو لا يريد أي شخص يسجن بسبب آرائه؛ لأنه سوف يطرح هذه الآراء من خلال المؤتمرات الشعبية.. أمَّا من في السجون الآن فهم حسب تعبير القذافي فقط الزنادقة الذين استغلوا الدين..

وهذه مصادرة على المطلوب؛ لأن هؤلاء هم أيضا سجناء رأي، إلا إنهم مخالفين تماماً لآراء وتوجهات القذافي ولجانه الثورية..

أما عن هؤلاء الذين رفعوا السلاح في يوم ما ضد الأجهزة الأمنية القمعية.. فهم لم يرفعوا السلاح إلا بعد ما طفح الكيل وانعدمت وسيلة التفاهم السلمية المشروعة، لأن منطق الحال آنذاك (إما أنتم معنا أو ضدنا).. وفي جميع الأحوال هم أيضاً أصحاب رأي وفكر يجب احترامه والتفاعل معه، وبالتالي تقبل وجهة نظر الآخرين.. ويتم تحكيم العقل الجماعي في قبول أو رفض تلك الآراء والأفكار بطريقة سهلة وسلسة بعيداً عن العنف والعنف المقابل..

رابعاً: وفوق كل هذا وذاك.. فما زال القذافي ينادى بإلغاء تلك القوانين التي أسماها استثنائية التي صدرت لحماية حكمه..وأصبح الزمن ألان ليس في حاجة إليها ويجب إلغائها.. وهو الذي وقع على قوانين صدورها.. أليس بالإمكان إن يقوم هو أيضاً بتوقيع قوانين أخرى تلغيها؟ أو أن يصدر تعليماته وتوجيهاته التي أصبحت نافذةً بقوة قانون شرعيته الثورية كما يقال..وبالتالي لا داعي للتسويف وإرجاء الأمر سنين تلو السنين حتى تصدر قوانين عن مؤتمر الشعب العام خلال سنة أو أكثر وبالتالي تظل الحريات محبوسة الأنفاس وحقوق الإنسان منتهكة بتلك القوانين التي لم يحن الوقت بعد لإبعاد شبحها المخيف.
خامساً: فوجئ الجميع بعد إلغاء محكمة الشعب أن يتم تعيين رئيسها السابق (حسنى الوحيشي الصادق) أميناً للشئون القانونية وحقوق الإنسان في أمانة مؤتمر الشعب العام!! وهذا الشخص من أكبر أعداء حقوق الإنسان!! ويكفي أنه أول من ترأس المحاكم الثورية التي أودت بحياة العشرات من شرفاء ليبيا, والساحة الطلابية خير شاهدة على جرائمه ضد الإنسانية ومعسكر السابع من أبريل هو الأخر شاهد عيان على جرائمه، فكيف يتسنَّى له أن يكون حامي حمى حقوق الإنسان في ليبيا؟!

ويكفينا أن نستشهد ببيان جمعية القذافي الخيرية[1] الذي صدر احتجاجاً على هذا المنصب المستحدَث، وعلى من كلِّف به والذي كان رئيساً لمحكمة اشتهرت بعدم تمشيها مع النظم والمعاهدات، ومخالفتها لكافة المواثيق والتي كرست الظلم ولم تتوافر فيها شروط المحاكم العادلة..

وفى الختام.. نحن لسنا ضد عودة الحياة الكريمة الدستورية القانونية الشرعية لأبناء ليبيا والوطن الغالي، ولسنا ضد الدعوة إلى إزالة كلِّ ما من شأنه تكدير صفو الحياة في ربوع الوطن العزيز على قلوبنا جميعاً.. ولكننا في حاجة إلى الأمن والأمان وهذا لن يستقيم لنا إلا بعد العمل على إلغاء كافة القوانين والقرارات المكبلة للحريات والمنتهكة للحقوق.. والإفراج عن جميع إخوتنا من المعتقلات اللاإنسانية من سجناء الرأي والسياسة.. وإلغاء كافة الآثار التي رتبتها أحكام محكمة الشعب على جميع الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ لأن أحكامها طالتْ جميع أبناء الوطن وتدخلت في جميع شؤوننا.. “البيت لساكنه.. شركاء لا أجراء.. السيارة لمن يقودها.. الجرائم الاقتصادية.. من أين لك هذا .. تحريم التجارة… لجان التطهير” وقضاياها التي نظرت أمام هذه المحكمة,, وغيرها من القضايا التي أدت إلى الانتهاكات لحقوقنا في جميع المجالات!

وكذلك يجب التحقيق في كل التجاوزات التي أدت إلى أن تصبح ليبيا في ذيل قائمة الدول الفاسدة مالياً وإدارياً..والكشف عن جميع المغيبين والمخفيين قسراً، واستجلاء المزيد من المعلومات عن مجزرة أبو سليم.. وبالتالي إلغاء كافة الأسباب التي جعلت الليبيين يهربون إلى الخارج قبل أن يطالبوا بالعودة وعدم معارضة النظام الظالم المنتهك لكل قوانين حقوق الإنسان في العالم، وأن يتم تعويض الجميع تعويضاً عادلاً عما أصابهم خلال السنوات العجاف الماضية.

وفق الله الجميع لما فيه خير شعبنا.
ودام الجميع حماة للحرية وحقوق الإنسان

المحامي
الشارف الغرياني
أمين عام الاتحاد الليبي للمدافعين عن حقوق الإنسان