11/10/2006

1. تبدى الرابطة الليبية لحقوق الإنسان أسفها الشديد للأحداث الأليمة التى دارت داخل سجن بوسليم السياسى فى 4 أكتوبر 2006 والتى فقد فيها سجين حياته وجرح مالا يقل عن تسعة مواطنين أخرين بجروح متفاوتة الخطورة. إن هذه الأحداث ان دلت على شيئ فإنما تدل عن حالة الإحتقان الشديد التى وصلت إليها الأوضاع داخل السجون، ولربما خارجها أيضا، والتى يمكن ان تنفجر فى أي وقت مالم تسارع السلطات العليا باتخاذ الخطوات السياسية الضرورية لتعبيد الأرضية التى يمكن ان تؤسس للتقيد باحترام حقوق الإنسان وخاصة فى مجالي القضاء المستقل والمحاكمات العادلة.

ولن يتاتى ذلك الا عن طريق توسيع هامش الحريات العامة التى تتيح التبادل الديموقراطى السلمى والذى بدوره لن يتحقق إلا بإلغاء كل القوانين والتشريعات المنافية لاحترام حقوق الإنسان مثل قانون 71 لسنة 72 وكل الإجراءات – المقيدة للحريات – التى انبثقت عنه. وقد دأبت الرابطة طوال 18 سنة الأخيرة على التنبيه الى هذا الإحتقان وسبل معالجته الا ان ذلك لم يجد، بكل أسف، حتى الآن طريقه للتنفيذ برغم تكرار أحداث العنف والتى كان آخرها تلك التى شهدتها بنغازى قبل سبعة أشهر.

2. اطلعت الرابطة على المعلومات التى قدمها السيد النائب العام فى تقريره المنشور بتاريخ 10 أكتوبر 2006 والذى كبل فيه السجناء، الذى نعتهم ” بالزنادقة” ونعوتات أخرى حاطة بالكرامة، بمسؤولية كل ما حدث فى 4 أكتوبر فى سجن بوسليم دون ذكر أوحتى الإشارة الى وجهة نظرهم من تسلسل الأحداث وتطورها. ومن هذا المنطلق فإن تقرير النائب العام لا يعدو كونه تغطية على الخروقات والنواقص التى عالجت الدولة بها هذا الحادث الأليم والذى ما كان ليسبب، لو استعملت الحكمة، كل هذه الخسائر البشرية والمادية. إن أهم ما اتسم به تقرير النائب العام هو عدم حياده وانحيازه التام ضد المساجين وايضا خلوه من أي اسم، إذا استثنينا الضحايا، مثل اسماء المساجين والموظفين الذين يفترض انهم استجوبوا أثناء إعداد التقرير واسماء اولائك الذين شاركوا فى الإستجواب وايضا اولائك الذين شاركوا فى إعداد التقرير أو كانوا شهودا مباشرين على اعمال العنف الى آخره.

يبدو ان التقرير قد أعد فى سرية تامة من طرف نيابة جنوب طرابلس دون الرجوع الى أصحاب الشأن من سجناء وسجانين على السواء الشئ الذى جعل من سرد الأحداث وتفاعلها غير متمازج وأيضا غير مربوط فأفقدته الموضوعية والإتزان واصبح محتواه موضع شك وريبة. وقد تجنب التقرير الحديث عن السياسة السجنية فى بوسليم المعروفة بممارسة التضييق والحرمان العاطفى والأسرى والإنسانى تجاه المعتقلين السياسيين لافقادهم الإحساس بقيمهم الإنسانية والأخلاقية وتحويلهم الى مجرد أرقام مفرغة من المشاعر والعواطف والقيم النبيلة. لقد تجنب التقرير الحديث عن الظروف السجنية بالنسبة لاولائك النزلاء الذين نعتهم النائب العام “بالزنادقة” .. تلك الظروف التى تبلغ من القسوة فى بعض الأحيان مستويات تعد معه من قبيل المعاملة القاسية أو اللإنسانية أو المهينة، بل وقد تعتبر فى كثير من الحالات من ضروب التعذيب.

3. تحث الرابطة السلطات العليا فى ليبيا على اتخاذ الخطوات السياسية والإدارية المناسبة والضرورية لتأمين تحقيق نزيه من طرف لجنة مستقلة ومحايدة فى الملابسات التى أدت الى أحداث سجن بوسليم والخسائر البشرية والمادية التى نتجت عنها. وينبغى ان يراعى فى أعضاء اللجنة الكفاءة والخبرة والإستقلالية، وذلك لتعزيز مصداقية اللجنة، على أن يكونوا ممن يوحون بالثقة والنزاهة. ولا بد أن تتمتع اللجنة بصلاحية واسعة للحصول على الوثائق وإحضار الشهود واستلام كل المعلومات اللازمة للتحقيق. وينبغى كذلك، إذا أردنا تحقيق نزيه، إعطاء اللجنة صلاحية استخلاص نتائج أسباب الوفاة والجروح وتحديد الأشخاص الذين تتوفر أسباب معقولة للإشتباه فى مسؤوليتهم.

إن القيام بأي تحقيق لا يأخذ فى الإعتبار هذه العوامل الأولية البسيطة لن ينجح فى تحقيق أي قدر من المصداقية والتى تعتبر أهم وسيلة لتحديد نزاهة وحايد أي تحقيق. والى حين تكوين اللجنة المذكورة وبدء عملها تهيب الرابطة بالسلطات العليا بتعيين أمين مظالم للسجون تسند له مهمة الاستماع إلى شكاوى السجناء التي لم يمكن التوصل إلى حلها باستخدام الإجراءات الداخلية للسجن وذلك بغية ايجاد حلول مرضية وسلمية لها. كذلك تحث الرابطة السلطات على توفير التدريب المناسب لكل الموظفين المعنيين بالإحتجاز والحبس ومعاملة السجناء وضمان أن يكونوا قد دربوا على الإلتزام بالمعايير الدولية وأن تتاح لكل السجناء سبل الإنصاف الفعال إذا تعرضت حقوقهم الإنسانية للإنتهاك.