26/10/2007

ملف حقوق الإنسان بين المماطلة والتسويف بمراجعة سريعة لأوضاع حقوق الإنسان في ليبيا خلال الأعوام الثلاثة المنصرمة.. بالرغم من التحسن الطفيف الذي طرأ عليه إلا أنه مايزال يمر بمرحلة في غاية الحساسية، حيث:

تم الإفراج عن بعض السجناء السياسيين بينما لا يزال العشرات قابعين خلف قضبان الاعتقال السياسي..

والسماح لبعض المعارضين بالعودة إلى البلاد بالرغم من القيود التي فرضت عليهم في مجال الاستمرار في نشاطهم السياسي المعارض للنظام الحاكم، بل وصل الأمر إلى اعتقال بعض أولئك العائدين وتقديمهم لمحاكمة مختصة بتهم يدور حولها الشك في مصداقيتها.

وإلغاء مايسمى بمحكمة الشعب السيئة السمعة والتي لم يتم إلغاء الأحكام الصادرة عنها فيما مضى.

وحاول النظام عن طريق إحدى مؤسساته (المتمثلة في مؤسسة القذافي للتنمية والأعمال الخيرية) العمل على تحرير الصحافة والإعلام من قبضة التبعية للسلطات الحاكمة، حيث سعت هذه المؤسسة إلى استصدار بعض الصحف ووصفها بالمستقلة في إشارة إلى عدم تبعيتها للسلطات الحاكمة في ليبيا، وكذلك العمل على إطلاق محطات فضائية هي الأخرى يزعم بأنها مستقلة.

وطرأ التحسن أيضاً في مجال العلاقات الخارجية الدولية بعودة العلاقات مع بعض الدول الغربية التي كانت دائماً منتقِدة لملف حقوق الإنسان في ليبيا.. وذلك بعد أن تنازل النظام عن مشروعه النووي ودعمه للعديد من المنظمات الإرهابية والمتطرفة..وبعد أن دفع مليارات الدولارات تعويضاً عن بعض الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها أعوان النظام وعلى رأسها إسقاط الطائرة المدنية الأمريكية على قرية لوكربى وتفجير الملهى الليلي ببرلين وإسقاط الطائرة الفرنسية..

ثم أخيراً الإفراج عن الطاقم الطبي البلغاري والطبيب الفلسطيني بعد أن صدرت في حقهم أحكام بالإعدام، وتم تأييد هذه الأحكام بحكم نهائي صادر عن المحكمة العليا وذلك مقابل صفقة سياسية واقتصادية تنعم بخيراتها دول الاتحاد الأوربي التي تعهدت بتقديم العديد من الخدمات للنظام الحاكم وعلى رأس هذه الخدمات شراكة أوربية ليبية..

كل ذلك تم على حساب ملف حقوق الإنسان داخل ليبيا.. فهناك المزيد من الملفات الساخنة التي لازالت تعكر صفو هذا الملف بالرغم من مطالبات متكررة ومتعددة من كافة المنظمات الحقوقية الليبية في المهجر وعلى رأسها الاتحاد الليبي للمدافعين عن حقوق الإنسان بالاضافة إلى العديد من المنظمات ذات العلاقة بهذا الملف, منظمة العفو الدولية, هيومن ووتش رايتس والمنظمة العربية لحقوق واللجنة العربية لحقوق الإنسان.. التي طالما تنادى بإلغاء كافة القيود المفروضة على الحريات العامة في ليبيا، والمتمثلة في رزمة من القوانين التعسفية المقيدة للحريات كقانون تجريم الحزبية وقانون حماية الثورة وقانون ميثاق الشرف الذى كرس العقوبات الجماعية في ليبيا..وقانون الصحافة الذي هو الآخر لم يفصح بعد عن حرية هذا القطاع بصورة جازمة..

هذا بالاضافة إلى استمرارية حجز واعتقال العشرات من المعارضين السياسيين وتغييب العديد منهم بصورة قسرية وانقطاع أخبارهم نهائيا..وعدم الكشف حتى الآن عن خفايا وأسرار عمليات الإعدام الجماعية التي تمت داخل سجن أبوسليم سنة1996 التي راح ضحيتها حوالي 1200سجين سياسي، ناهيكم عن جرائم القتل والتصفيات الجسدية التي تمت خارج نطاق القانون وعلى أيدي أعوان السلطات الحاكمة كتلك التصفيات التي تمت خلال ثمانينات وتسعينيات القرن الماضي وجريمة قتل الصحفي ضيف الغزال.. وأحداث السفارة الايطالية بمدينة بنغازي..

وفى هذا الصدد,, نبدي قلقنا الشديد إزاء مذكرة التفاهم التي تم توقيعها بتاريخ 24/07/2007م بين طرابلس والاتحاد الاوربى ممثلاً في الناطقة باسم المفوضية الأوربية السيدة “بينيتافيريردفالدنر” والتي تمت مناقشتها من قبل وزراء خارجية دول الاتحاد الأوربي في الآونة الأخيرة، والبدء في تنفيذ بعض الخطوات العملية لتفعيلها، الأمر الذي أدَّى إلى قلق واحتجاج منظمة العفو الدولية حيث دعت وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى عدم التفريط بالقيم الأوروبية الأساسية وإلى وضع مسألة حقوق الإنسان في صلب أولوياته لدى شروعه بأي مفاوضات مع ليبيا.

وأشارت المنظمة إلى أن تلك المذكرة لم تتطرق إلى ذكر حالة حقوق الإنسان المقلقة في ليبيا واعتبرت أن تجاهل هذا الأمر يعتبر تساهلاً غير مقبول من طرف أوروبا, وجاء على لسان مدير مكتب منظمة العفو الدولية في أوروبا بأن لايستسلم الاتحاد الأوروبي لمغريات المصالح الاستراتيجية مع ليبيا وقال أيضاً: لن يؤدي نص بهذا الشكل إلى مفاوضات بناءة مع ليبيا حيث تتعرض الحريات والحقوق الأسايسة لانتهاكات خطيرة من جانب السلطة “يعنى بذلك السلطات الليبية”.

هذه الملاحظات الواردة في رسالة منظمة العفو الدولية تدعم مطالبنا المتكررة التي تنادى بضرورة العمل على حث السلطات الليبية للقيام بخطوات إيجابية تامة وفورية لتحسين هذا الملف الذي لازال يعانى الانتهاكات الجسيمة والخطيرة.. وأكبر هذه الانتهاكات تتمثل في استمرار فرض سياسة الرأي الوحيد، وأيدولوجية وحيدة!! وذلك من خلال الترويج لاستمرار الحكم بما هو عليه، دون السماح بتداول السلطة، وبالتالي رفض أي رأي مخالف لما هو سائد الآن، بدليل ظهور ما يمكن تسميته بالوريث الشرعي لنظام حكم دام قرابة أربعة عهود اشتملت على صنوف عدة من الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في ليبيا.. هذا يتضح جليا في تصريحات قائد النظام المستمرة التي تؤكد استمرارية نهجه الذي سار عليه طيلة العهود الأربعة الماضية، ورفضه لأية فكرة تدعو إلى تغيير نظام الحكم أو العمل على اللجؤ إلى صناديق الاقتراع التي يعتبرها غير ديمقراطية.. ويكفى أن ليبيا تحكم طيلة هذه الفترة بدون دستور ينظم شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية؛ دلالة على عدم وجود الحريات في ليبيا.. وعلى تسلط السلطات الحاكمة..

طالما هذه هى أوضاع حقوق الإنسان في ليبيا..تسير من السيء إلى الأسوأ في غياب الشرعية الدستورية واستمرار حكم الفرد فيها وتغييب إرادة الشعب الذي أصبح رهينة وأسير منهجية مؤطرة باتجاه لا خيار لغيره.. الأمر الذى يزيد من قلقنا على هذا الملف الحساس والذي لايمكن الوصول به إلى بر الأمان إلا وفقا للمعطيات التالية:

أولاً: إلغاء كافة القوانين التعسفية القامعة للحريات والمنتهكة للحقوق.

ثانياً: الإفراج عن كافة سجناء الرأي والسياسة والكشف عن مصير المغيبين قسرا.

ثالثاً: الإعلان والكشف عن كافة ملابسات جريمة القتل الجماعي التي طالت السجناء السياسيين بسجن بوسليم سنة 1996.

رابعاً: عدم التوسع فيما يسمى بإنشاء المحاكم التخصصية.. والعمل على إلغاء محكمة أمن الدولة التي أنشأت مؤخراً والتي نرى فيها بأنها قد حلَّت محلَّ محكمة الشعب الملغاة بسبب سمعتها السيئة وعدم مشروعيتها مخالفتها لكافة أصول العدالة.. طالما يوجد في ليبيا قضاء عادل ونزيه، بشرط عدم إلزامه بتنفيذ تلك القوانين القمعية التي أصبحت أداة خطيرة في يد قضاة محكمة امن الدولة التي ستكرس فعلياً قمع الحريات وانتهاك حقوق الإنسان.

خامساً: إلغاء كافة المواد التي تم إدراجها في قانون العقوبات المزمع تعديله، والتي في مجملها عبارة عن تقنين لمحتوى القوانين القمعية المشار إليها في بداية هذه المذكرة وجميعها تكرس سياسة قمع الحريات وانتهاك الحقوق الأساسية. سادساً: العودة إلى الحياة الدستورية والشرعية القانونية والسماح بتداول السلطة والتعددية السياسية، وبالتالي عودة الحياة الطبيعية حتى يتمكن الشعب الليبي من ممارسة حياته السياسية بكل حرية وشفافية بعيداً عن التسلط والتحكم من قبل سلطات دامت تحكم في البلاد طيلة أربعة عهود.

سابعاً: هناك جزء من كيان الوطن ونسيجه الاجتماعي مهمش ومغيب سياسياً واجتماعياً وثقافياً.. متمثلاً في إخوتنا الأمازيغ القاطنين في رقعة هائلة ويمثلون نسبة من أبناء الوطن.. تم حرمانهم من أقل قواعد التواجد الإنساني على أرض أجدادهم وآبائهم الذين ضحوا من أجل عزّة وكرامة هذه الأرض الطاهرة.. تم حرمانهم من لغتهم الأصيلة وثقافتهم الغنية بالتراث المشرِّف.. حتى إنهم تمَّ حرمان أبنائهم من التعليم لمجرد تسميتهم بأسماء الأجداد والآباء تبعاً لثقافتهم المميزة.. الأمر الذي يتطلب احترام وجودهم وثقافتهم ولغتهم والاعتراف بهم كجزء مكمل وهام لنسيج هذا الوطن والأرض التي احتضنتهم واحتضنت أجدادهم وآبائهم.

بناء عليه.. فإننا نوجه النداء لكافة المنظمات ذات العلاقة بملف حقوق الإنسان والحريات العامة وعلى رأسها منظمة العفو الدولية.. بتبني هذه المذكرة والعمل على حث دول العالم قاطبة، ودول الاتحاد الأوروبى خاصةً بضرورة النظر إلى هذا الملف بعين الاعتبار عند التعامل مع السلطات الحاكمة في ليبيا، وحث الأخيرة على العمل على تحسين أوضاع حقوق الإنسان بكل وضوح وشفافية.. والسماح بانتشار ثقافة حقوق الإنسان والقبول بمبدأ حرية الرأي والفكر والرأي الأخر.

وما ضاع حق وراءه مطالب
المحامي
الشارف الغرياني
الأمين العام للاتحاد الليبي للمدافعين عن حقوق الإنسان
صدر بتاريخ:26 أكتوبر2007م