15/2/2006
تتابع اللجنة السورية لحقوق الإنسان التصريحات والمقترحات التي صدرت عن الشعبة الحزبية في مجلس الشعب السوري والمتعلقة بعرض مسودة قانون الأحزاب السياسية بهدف استصدار قانون ينظم العمل الحزبي في سورية. ووفقا لما تضمنته هذه المسودة والتي تتضمن رؤية اللجنة البرلمانية البعثية حول قانون الاحزاب المقترح مناقشته في مجلس الشعب تحت مسمى “مقترحات أولية حول مشروع قانون الأحزاب في سورية”، فإن مقترح القانون الجديد يضع شروطاً خاصة بالانتساب وتنظيم العمل السياسي الحزبي ترى اللجنة السورية لحقوق الإنسان أنها تمثل انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان وتقف عند مستوى متدني جدا من تطلعات الشعب السوري في صدور قوانين وقرارات جادة تعزز الحريات وتنهي حالة التعسف والاستبداد.
أهم ما تضمنته المسودة من نقاط تخالف المواثيق الدولية:
- o ألا يكون العضو المؤسس قد سلك سلوكا معاديا لثورة الثامن من آذار.
- o أن يتوزع أعضاء الحزب على ثلث محافظات القطر لأجل الاعتراف به كحزب.
- o أن يكون طالب التأسيس سوري الجنسية وغير حائز على جنسية أخرى.
- o عدم استخدام الدين لأغراض سياسية.
- o رفض الأحزاب التي لها طابع ديني أو عرقي أو طائفي.
- o توضع أموال الحزب تحت رقابة الجهاز المركزي للرقابة المالية.
- o لا يمكن للأحزاب أن تستخدم لغة غير عربية أو ثقافة غير عربية.
- o اشتراط الحصول على الترخيص النهائي بعد توفير نحو خمسة آلاف منتسب عضو في الحزب الجديد.
- o تعهد يحرره مئة عضو مؤسسا على الأقل موزعين على ثلث محافظات البلاد ولا يصح انعقاد مؤتمر التأسيس إلا إذا كان يمثل ثلث محافظات القطر ويضم نحو 500 عضوا ينتخبهم نحو 5000 عضوا منتسبا للحزب.
- o المرجعية التي يمكن الاستناد إليها في إصدار قانون الأحزاب هي دستور حزب البعث العربي الاشتراكي
والمادة (8) من الدستور الدائم للجمهورية العربية السورية التي تنص أن حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية.
إن النقاط السابقة تمثل انتهاكاً وتعديا على الحقوق السياسية والمدنية التي كفلها الدستور السوري والمواثيق الدولية وتتعارض مع بنود واضحة تضمنها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والبروتوكولات الملحقة به والعهدين المدني والسياسي. هذه الشروط التعجيزية لمسودة قانون الأحزاب تكرس الاستبداد وتنتهي بالعمل السياسي في سورية إلى أن تكرس من جديد حزب البعث باعتباره فوق الجميع في وبشكل قانوني .
ويمكن إجمال تحفظات اللجنة السورية بصورة مبدئية على النقاط الواردة في المسودة :
-
- 1) أن مسودة مشروع قانون الاحزاب تعبير عما يراه الاعضاء المنتمين لحزب البعث في مجلس الشعب ، الأمر الذي يتصادم مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان حيث ينفرد حزب واحد بوضع قواعد العمل الحزبي لمجموع الشعب.
-
- 2) لا يصاحب مشروع قانون الأحزاب أي إصلاحات سياسية حقيقية تضمن تفعيل القانون للحياة السياسية في ظل إطلاق للحريات وتعددية سياسة قائمة على مبدأ تكافؤ الفرص محمية بالقانون، بل سيصدر القانون في ظل الممارسات القمعية واستمرار سياسة الترهيب ومحاصرة العمل المدني والسياسي واستمرار حالة الطوارئ والعمل بالقوانين الاستثنائية. 3) منح المسودة صلاحيات واسعة لحزب البعث وللهيئة العليا لشؤون الأحزاب التي تخضع للحزب الحاكم من خلال عضوية رئيس مجلس الشوري وثلاثة وزراء منهم وزير العدل ووزير الداخلية وذلك قبل و أثناء وبعد تأسيس الأحزاب السياسية تتعارض مع مبادئ الديموقراطية وحقوق الإنسان وفيها تغييب لدور القضاء النزيه ليلجأ إليه مؤسسوا الأحزاب في حال انتهاك حقوقهم.
-
- 4) أن المسودة لم تُطرح على القوى السياسة والنخب السورية للنقاش وإبدأ الرأي وهي تعرض على مجلس الشعب للإقرار في الوقت الذي لا يمثل المجلس شرائح المجتمع السوري بل يسيطر عليه لون سياسي واحد، مما يعني أن إقراره لن يكون ديمقراطيا ويتعارض مع حقوق الإنسان.
-
- 5) نقطة منع استخدام لغة غير العربية هي انتهاك لحقوق المجموعات العرقية التي تمثل جزءاً من نسيج المجتمع السوري وهم الأكراد.
-
- 6) إن شرط أن يكون عدد أعضاء الحزب 5000 عضو خلال سنة من الموافقة المبدئية وحين عقد مؤتمر التأسيس وموزعون على ثلث محافظات القطر تعتبر انتهاكا صارخا لحرية تأسيس الأحزاب السياسية وتقييد للنشاط الحزبي والسياسي خصوصا وأن البلد يعيش أوضاعاً سياسية وثقافية صعبة يسيطر عليها هاجس الخوف تدفع المواطنين إلى الإحجام عن المشاركة في الحياة السياسية وذلك عبر الانتظام في أطر سياسية والمسألة تحتاج إلى وقت ومعالجات تدخل فيها وسائل متعددة لا تراعيها مسودة المشروع
-
- 7) إن شرط ألا يكون العضو المؤسس قد سلك سلوكا معاديا لثورة الثامن من آذار فيه تناقض مع مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان خصوصا وأن مفهوم السلوك المعادي لثورة آذار يحدد في ظل قوانين ومحاكم استثنائية أدانت من هم في حكم القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان أبرياء لم يفعلوا أكثر من ممارستهم لحقوقهم المدنية والسياسية والتعبير عن آرائهم.
-
- 8) في الوقت الذي ترتب مسودة القانون عقوبات متعلقة باستلام دعم مالي من الخارج تهمل المسودة تمويل حزب البعث الذي يستأثر بخزانة الدولة بشكل واضح ومحدد باعتبار أنه سيكون هناك أحزاب لا تستطيع أن تمول نفسها خصوصا في بداية انطلاقتها السياسية وتحتاج إلى دعم أفراد ومؤسسات خيرية وطنية لها.
-
- 9) المسودة تهمل مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص أمام الجميع، ففي حين ترفض تشكيل الأحزاب على أسس ديني أو عرقي أو طائفي يسيطر حزب البعث، المصنف كحزب أثني يعتمد القومية العربية كمنطلق لنشاطه، على القرار السياسي ويوظف إمكانيات الدولة لصالح أجندته الحزبية. وفي الوقت الذي تدعو المسودة إلى حصر النشاط الحزبي داخل حدود الدولة وتمنع أي حزب إقامة نشاط له في الخارج يقوم حزب البعث بتمويل تنظيماته خارج الحدود السورية وعلى مساحة الوطن العربي ويوجهها بما يخدم سياسات وتوجهات النظام السوري.
-
- 10) تعتبر اللجنة السورية لحقوق الإنسان شرط توزع عضوية الحزب على ثلث محافظات البلاد تعجيزياً ويمثل انتهاكاً لحقوق المجموعات التي تتواجد في مناطق دون غيرها الأمر الذي يحرمها من حقوقها المدنية وحقها في المشاركة في الحياة السياسية بيسر وسهولة.
الخلاصة والتوصيات:
ترى اللجنة السورية لحقوق الإنسان أن هذه المسودة لا تفي بمتطلبات تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في سورية وبالتالي لن تسهم في ترسيخ التعددية والتداول السلمي على السلطة وتحصر دور الحزب السياسي داخل فكر وبرنامج وهيمنة حزب البعث الحاكم وتركز مهمامه في المساهمة في نشر الثقافة السياسية الرسمية مما يجعل من الأحزاب مجرد توابع تنفذ التوجهات العامة للنظام الحاكم.
عليه فإننا في اللجنة السورية لحقوق الإنسان نتحفظ بشدة على مسودة القانون ونطالب السلطات السورية بتبني إجراءات أكثر ديمقراطية وشفافية في التعامل مع هذه القضية الحيوية ونوصي لتحقيق ذلك بما يلي:.
-
- 1) مطابقة نص القانون المزمع إقراره للمواثيق الدولية خصوصا المواد (18 ، 19، 25) الواردة في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية والتي تنص على الحق في حرية الفكر والوجدان والدين، والحق في حرية الرأي و التعبير.
-
- 2) تأكد اللجنة على ضرورة تضمين فحوى المادة 22 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والتي تنص على الحق في تكوين الجمعيات و التي جاء في فقرتها الثانية:”لا يجوز أن يوضع من القيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي ينص عليها القانون و تشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديموقراطي”.
-
- 3) الإقرار بحرية تأسيس الأحزاب السياسية على قاعدة تكافؤ الفرص والتعددية الفكرية والسياسية والإقرار باستقلالية الأحزاب السياسية في تسيير شؤونها الداخلية و نسج علاقاتها على قاعدة الديموقراطية والشفافية مع اعتبار أي تدخل فيها من طرف أية سلطة، جريمة يعاقب عليها القانون.
-
- 4) عدم الإعتراف بسلطة غير سلطة القضاء النزيه المستقل للبت في المنازعات التي تنشأ بين الأحزاب والدولة وتمكين جهاز القضاء وحده ودون أي ضغوط من السلطة ليكون المرجعية في الحكم في ميدان حرية الفكر و الرأي والتعبير واستقلاله بشكل كامل عن الدولة.
- 5) إلغاء المقترحات التي تضيق على نشاط العمل الحزبي وتحرم الأحزاب المنتسبة إلى عرق أو طائفة معينة أو المستندة إلى معتقد أو فكر ديني، ونفي التمييز بين الأحزاب السياسية على جميع المستويات، بما في ذلك التمييز بينها من حيث التمويل، و اتخاذ المواقف بما يخدم استقلاليتها عن السلطة الحكومية.