3/1/2007
في مؤتمر صحافي عقده في 2/1/2006 قال رئيس هيئة أركان الجيش الاسرائيلي دان حالوتس بأن إسرائيل فشلت في تحقيق كل أهدافها من حربها على لبنان. وقال “لم ننجح في التصدي للصواريخ قصيرة المدى التي أطلقت على الشمال حتى وقف إطلاق النار”، مضيفا أن “هناك حالات لم يقم فيها الضباط بمهامهم، وهناك حالات رفض فيها ضباط الأوامر على أسس أخلاقية”، مشيرا الى أن الرفض يتعارض مع القيم الأساسية للجيش، وأوضح أن ضابطاً كبيراً أقيل جراء ذلك.
وكانت النتائج الأساسية من التحقيق بشأن إخفاق جيش الاحتلال في عدوانه على لبنان، قد أكدت على الخطأ في الاعتماد على سلاح الجو كرد على نشاط حزب الله، وعدم تجنيد الاحتياط للحرب في الوقت المناسب وعجز الجيش عن إيجاد حل لمواجهة صواريخ الكاتيوشا قصيرة المدى، اضافة الى اخفاقات في تدريب وتسليح القوات البرية، والخلل في مهام قيادة هيئة أركان الجيش بكل ما يتعلق باتخاذ القرارات.
وكانت مجموعة من الباحثين الإسرائيليين العاملين في معهد أبحاث الأمن القومي التابع لجامعة تل أبيب قد قالوا أن العدوان الأخير على لبنان أصاب بعنف قوة الردع الإسرائيلية. وأشاروا إلى أن الحرب كشفت عن نقاط ضعف في عملية صناعة القرارات، وبصورة الكيان في نظر العالم العربي والغرب، مؤكدين أنها جسدت الإشكاليات والسيولة التي تعتري البيئة الإستراتيجية المحيطة بإسرائيل.
وأشار الباحثون إلى أن المخاطر التي تهدد الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط قد تعاظمت في العام الأخير جراء عدم التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين، وغياب الانجازات ضمن مساعي مواجهة “الإرهاب” العالمي والتطرف الإسلامي والفشل الأمريكي في العراق. ونوهوا بأن الفشل في العراق قد مس بمكانة الولايات المتحدة في المنطقة، لافتين إلى أن إسرائيل ليس لها ما تربحه من استمرار الاحتلال الأمريكي هناك.
وأكدوا أن الحرب التي أدارتها إسرائيل في لبنان شكلت فشلا إسرائيليا بنظر الأعداء والأصدقاء على حد سواء، وأوضحوا أنها كشفت مدى هشاشة الجبهة الداخلية وفقدان الرد الفعلي على مشكلة الصواريخ.
وأكد الباحث جيئورا آيلاند الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الاسرائيلي، أن ثمة نتيجتين مهمتين وخطيرتين تمخضت عنهما الحرب على لبنان، أولاهما تتمثل بإدراك البلدان العربية أن قوة إسرائيل يعتريها الشك إلى حد معين، لافتاً إلى أنها من الممكن أن تقوم مستقبلاً بعمليات هجومية كانت قبل ستة أشهر مستحيلة. أما النتيجة الثانية فتكمن بالخيبة الكبيرة التي سببتها إسرائيل لدى أمريكا ودول الغرب إزاء المكاسب المربكة التي تحققت بالحرب، وأضاف “من الممكن أن تؤثر هذه الحقيقة في كل بحث مستقبلي متعلق بإسرائيل من ناحية هجومية.”
وكانت لجنة الخارجية والأمن في الكنيست “الإسرائيلي” قد بحثت هي الأخرى العدوان على لبنان وانتقدت ما سمته النصوص المهلهلة والمتخبطة للتعليمات العسكرية وتحريك القوات بشكل غير ممكن، إضافة إلى غياب المبادرة قياساً بقدرات الجيش، وعدم التقدم نحو الأهداف المركزية المتمثلة ببطاريات الصواريخ ذات المسار القوسي.
وخلال سعيه لتجاوز الأزمة التي ألحقت به، وسعيا لتحسين صورته فقد ذكرت صحيفة معاريف أن الجيش الإسرائيلي سيبدأ خلال الأشهر القليلة المقبلة بوضع خطة خمسية من العام 2008 حتى العام 2012 حيث يتوقع في إطارها القيام بحملة مشتريات عسكرية بمليارات الدولارات. فسلاح الجو يسعى للتزود بطائرات (إف 35) من انتاج “لوك هايد مارتن” بحجم نحو خمسين طائرة وبتكلفة إجمالية تصل إلى نحو 3 مليارات دولار، وكبديل يطرحون في سلاح الجو فكرة الطلب من الولايات المتحدة بإذن خاص بالتزود بطائرات “إف 22” محظورة التصدير حالياً. وقدرت محافل أمنية في “إسرائيل” أنه على نحو يشبه ما حصل مع طائرات “إف 15 آي” التي بيعت لإسرائيل في أعقاب اتفاقات أوسلو يحتمل أن يزود الأمريكيون “إسرائيل” بسرب من هذه الطائرات في حالة انطلاقة ما على درب المسيرة السلمية.
كما يوجد على جدول الأعمال أيضاً شراء بوارج قتالية جديدة لسلاح البحرية من بينها شراء بارجتين من المشروع القتالي “إل. سي. إس” لشركة “لوك هايد مارتن”، وتسليح قوات كبيرة من الكوماندوز ومروحيتي “بلاك هوك” بقيمة 600 مليون دولار. كما يخطط سلاح البحرية لشراء غواصتين أخريين من طراز “دولفين” من ألمانيا بتكلفة إجمالية تبلغ نحو مليار يورو، وستدخلان الخدمة بعد نحو سبع سنوات. يضاف إلى ذلك ان الجيش يخطط لإجراء ثورة حقيقية واستثمار نحو 1،8 مليار شيكل في المعدات الشخصية والعامة لوحدات الاحتياط بهدف مساواتها بشروط الخدمة العسكرية النظامية.
كل ذلك يؤكد ثبات العقيدة التي يتبناها معظم الساسة الإسرائيليون المرتكزة إلى القوة والمزيد من القوة. فبحسب د. أوري يوسيف، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة حيفا، فإن جميع مهندسي نظرية الأمن يؤمنون أن أمن دولة الاحتلال لا يتحقق إلا من خلال ضمان التفوق العسكري على سائر دول المنطقة، حيث يخدم التفوق العسكري وظيفتين هما: ردع العرب عن القيام بأي مبادرة عدائية. وإذا ما قام البعض بالمغامرة بمهاجمة الاحتلال، الرد عليه بقوة كبيرة لتحقيق إنتصار كاسح.
ويرى أنه لا يبدو حتى الآن أن هناك دلائل أو مؤشرات على انحسار حقيقي لهذا التفكير. وخلص للقول أن التاريخ اثبت أن أمن إسرائيل لا يتحقق ولا يتحسن عبر الاعتماد المطلق أو شبه المطلق على القوة.
خلاصة القول، أن الساسة الإسرائيليين موغلين في خطأهم بالاحتكام إلى القوة فقط، رغم التجارب المختلفة التي خاضها الجيش وأثبت أن القوة لا تشكل الحل. فعلى سبيل المثال فشلت القوة المفرطة في إخماد جذوة الانتفاضة الأولى التي لم تتوقف إلا بعد انطلاق مسيرة أوسلو. كما أن القوة لم تقض على الصواريخ الفلسطينية التي ما زالت تطلق من القطاع.
وعليه فبدلا من إنفاق مليارات الدولارات على زيادة وتحديث التسليح لجيش الاحتلال، يتعين تبنى خطوات سياسية من خلال إبداء الجدية الحقيقية في السلام والاستجابة للدعوات العربية وبخاصة من قبل سوريا بمعاودة الجلوس لطاولة المفاوضات والعمل على حل القضية الفلسطينية حسب المبادرة العربية المتمثلة بإقامة الدولة فلسطينية في حدود الرابع من حزيران 1967 بعاصمتها القدس مقابل إقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع الدول العربية قاطبة. فالسلام هو الضامن للأمن وليس القوة.
وهناك فرصة جدية للمباشرة في ذلك، فهناك على سبيل المثال مؤتمر + 15 والذي من المقرر ان يعقد في الفترة الواقعة ما بين 10 و12 من كانون الثاني في حضور وزراء خارجية أربع دول أجنبية وممثلين عن منظمات دولية وإقليمية ومسؤولين أوروبيين وأميركيين حاليين وسابقين. إضافة الى وفود إسرائيلية وفلسطينية ولبنانية وسورية وعربية.
ويسعى المؤتمر لتحقيق عدة أهداف تتلخص بكون جميع الأطراف المعنية بالنزاع العربي – الإسرائيلي قادرة على مناقشة نقاط الخلاف. وتحديد توقعات وعناصر اهتمام كل طرف في ضوء المبادرة العربية للعام 2002 والمبادرات الأخرى بما فيها نتائج تقرير اللجنة الأميركية الخاصة بالعراق. إضافة إلى تقديم نموذج للمفاوضات الرسمية بين الأطراف وتحفيز التعاون بين المسؤولين الحاليين والسابقين ونشطاء المجتمع المدني.