16/1/2007
خلال الزيارة الأخيرة لرئيسة الدبلوماسية الأميركية د. كونداليز رايس الى المنطقة، سعت لتجنيد الحلفاء لدعم إستراتيجية الرئيس بوش في العراق ، التي أعلن عنها في خطابه للأمة في 10 كانون ثاني 2007 والتي تقوم على زيادة القوات الأميركية في العراق ومواصلة عزل سوريا وإيران، بخلاف ما دعا اليه تقرير بيكر هاملتون، هذا إضافة إلى تقوية محور الاعتدال في المنطقة الذي يشمل أيضا اسرائيل!! في مواجهة ما يسمى بمحور الشر الذي يضم أيضا حزب الله وحماس.
وعلى صعيد الملف الفلسطيني، انصب اهتمام الدكتورة في الاستماع لآراء الأطراف بدون اتخاذ أي خطوات عملية على صعيد تحريك الملف للأمام، وكأن كل جولاتها السابقة لم تكن كافية بعد لبلورة افكارها. كما تركزت تصريحاتها على الدعم في مجال المال والتدريب لقوات امن الرئيس لتعزيزها وتقويتها بعد أن دمر الاحتلال بنيتها التحتية، لتستطيع بسط الأمن والقانون.!!
وهناك من اعتقد انه بعد نشر تقرير بيكر هاملتون، اضافة الى التعثرات الأخيرة للجيش الاسرائيلي، يمكن ان تشهد المنطقة تغييرا في السياسة باتجاه السعي لحل النزاع في المنطقة للتفرغ للملف النووي الايراني. غير أن الجواب على هكذا تساؤل جاء من وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية، التي نشرت مناقصة لبناء 44 وحدة استيطانية جديدة في مستوطنة (معاليه أدوميم)، الـمقامة على الأراضي الفلسطينية الـمحتلة شرق القدس، وذلك خلال لقاء الوزيرة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، ايهود أولـمرت، في القدس الغربية.
ورغم الحراك الدبلوماسي الأميركي والتصريحات الرنانة هناك وهناك، فإن المؤثر الأكبر في التغيير في المنطقة هو الموقف الإسرائيلي الذي نجزم انه لن يشهد تغييرا في المدى المنظور. وما يؤكد على ما نذهب اليه الأمور التالية:
1. رغم كل الوعود المتعلقة بالتسهيلات الذي وعد بها أولمرت خلال اللقاء الأخير مع الرئيس أبو مازن بتاريخ 23/12/2006 والقاضية بالبدء بتحويل الأموال الفلسطينية المحتجزة لدى حكومة الاحتلال، وإزالة بعض الحواجز والتخفيف من معاناة الفلسطينيين ومواصلة احترام وقف النار الذي سيشمل الضفة الغربية، وغيرها من الوعود، اتضح أنها مجرد فقاعات في الهواء لذر الرماد في العيون وتأتي في سياق حملات العلاقات العامة لألمرت الذي تطارده ملفات الفساد. وهنا لا نخفي تأثير الجيش والمؤسسة الأمنية الرافضة لازالة بعض الحواجز لذريعة الأمن، مما يعني ان الساسة الاسرائيليين ما زالوا يتبنون النظرية الأمنية الاسرائيلية اياها المستبعدة للحلول السياسية وتؤمن فقط بالحلول العسكرية، حيث ان ما لا يحقق البعض من القوة تحققه المزيد من القوة.
2. لا يوجد اتفاق إسرائيلي داخلي على استئناف المفاوضات. وهناك غياب لموقف واضح حول كيفية التعامل مع النزاع، فهل سيكون في الإطار الإقليمي أي من خلال المبادرة العربية أو في الإطار الدولي. كما أصبح هناك موضة عند الساسة الاسرائيليين في طرح المبادرات السياسية كمبادرة ليفني وبيرتس. ولا ندري عمن ستصدر المبادرة القادمة.
3. من غير الواضح أن إسرائيل ستتحرك باستقلالية عن الولايات المتحدة في معاودة المفاوضات مع سوريا التي أعربت عن استعدادها لاستئناف المفاوضات بدون شروط مسبقة.
4. غياب أي ضغط من القوى المؤيدة للسلام في إسرائيل على الحكومة لتغيير مواقفها. والأدهى من ذلك ان القوى التي يفترض أن تكون قوى سلام، كحزب العمل مثلا، ترتضى البقاء في نفس الحكومة التي تضم عنصريين مثل ليبرمان الذي عين وزيرا للشؤون الاستراتيجية، مما يطرح العديد من الأسئلة حول صدقية الأيديولوجية التي يتبناها هذا الحزب.
5. رغم كل الاخفاقات وبخاصة بعد الحرب الأخيرة في لبنان، وضعف الحكومة التي لم تعد تمتلك أي برنامج بعد أن انطوى برنامجها للانطواء بعد تداعيات الحرب على لبنان، إلا أن الائتلاف الحكومي يتمتع باستقرار حيث يحظى بدعم حوالي 78 مقعدا في الكنيست.
6. القيادة الإسرائيلية الحالية لا تملك الخبرة والكاريزما القيادية كالتي كان يتحلى بها مثلا بن غوريون، ديان، رابين وشارون. وعليه، فهي غير قادرة على اتخاذ قرارات تاريخية أو ما يسميه الاسرائيليون تنازلات “مؤلمة” على طريق حل النزاع.
7. هناك خشية داخل المجتمع الإسرائيلي وبخاصة اليسار، من بديل الحكومة الراهنة، فقد تكون الحكومة المستقبلية أكثر يمينية بحسب ما تظهره استطلاعات الرأي من تفوق الليكود على حساب كديما.
وفي ضوء ما ذكر، فمن المرجح ان يبقى الموقف الاسرائيلي الرسمي الراهن ثابت على حاله، بدون ان يشهد اختراقة باتجاه عملية السلام، حيث ان تأثير المؤسسة الأمنية ما زال هو الغالب، وهي المؤسسة التي تؤمن ان “السلام” يتأتى فقط بعد إلحاق الهزيمة بالخصم وكي وعيه.
كما انه في غياب الضغوط الدولية وبخاصة الولايات المتحدة، التي لا تتبنى أي موقف متقدم على الموقف الاسرائيلي، مما يغيب دور الطرف الثالث، فيرجح ان يبقى الوضع على حاله في المدى المنظور من انعدام السلام، وحتى وان زارت رايس المنطقة ألف مرة.
وعلى أرض الواقع يواصل الاحتلال تحديه للمجتمع الدولي بمواصلة سياساته الاستيطانية وسيطرة على المصادر الطبيعية الفلسطينية وقضمه لأراضي الدولة الفلسطينية، ورسمه للحدود من جانب واحد لتقويض أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.