22/5/2006

1. اطلعت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان بقلق شديد على تقرير منظمةHuman Rights Watch ، ” خطر على المجتمع؟ الإحتجاز التعسفى للنساء والفتيات..”، الذى أعدته عقب زيارة عمل الى ليبيا قامت خلالها بالإطلاع على حقيقة أوضاع المرأة فى ليبيا، وخاصة أوضاع اللاتى يرمى بهن سوء الحظ فى السجون التى تطلق عليها الحكومة اسم مراكز “إعادة التأهيل الإجتماعى”. وقد تناول التقرير، برغم تحفظات الرابطة على بعض استنتاجاته، هذه المراكز بمهنية عالية حيث اورد ان ” الحكومة اللليبية تقوم بحجز النساء فى هذه المراكز لزمن غير محدد وتقوم الحكومة بشكل متكرر بخرق الحقوق الإنسانية للنساء والفتيات ومنها حقهن فى المحاكمة العادلة وفى الحرية وحرية الحركة والكرامة الشخصية وكثير من النساء والفتياة المحتجزات فى هذه المرافق لم يرتكبن اية جريمة وما من سبب لوجود بعضهن إلا أنهن تعرضن لجريمة الإغتصاب” وبدل سجن المعتدى فإن الضحية أي الفتاة هي التى تدخل هذه المرافق فى حين يستمر المغتصب طليق خاصة إذا كان له نفوذ داخل صفوف اللجان الثورية والسلطة بصفة عامة.

2. ويوحى التقريرباتساع ظاهرة الفساد والعنف ضد المرأة بصفة خاصة والذى يشمل العنف البدنى والجنسى والنفسى الذى يحدث فى إطار المجتمع بما فى ذلك الإغتصاب والتعدى الجنسى والتحرش الجنسي والتخويف والمضايقة فى مكان العمل. وكثيرا ما تدفع النساء المعتدى عنهن ثمن الإنحراف الأخلاقى للمعتدين. فيجدن أنفسهن داخل السجون لا لشئ إلا لكونهن نساء وفقيرات، أي ينتمن الى شرائح المجتمع الفقيرة التى أفقرتها سياسة الدولة وجعلت من بعض افرادها فريسة لنزوات المسؤولين الفاسدين الذين استغلوا مناصبهم للإستحواذ على المال العام والإستثمار فى أنواع مختلفة من الفساد الإقتصادى والإجتماعى بما فيها العنف ضد المرأة وإفساد أخلاقيات المجتمع. وقد أدت سياسة الدولة، القائمين عليها هؤلاء “المسؤولين” الطالحين، الى نشر الفساد فى جميع مرافق الحياة والى الفقر الذى يعتبر العائق الأساسى للتمتع بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والمدنية والثقافية. وقد نتج عن سياسة الإفقارهذه مستويات تضخم قياسية وانخفاض هائل فى المرتبات والأجور ومعدلات مرتفعة فى البطالة خاصة فى صفوف الشباب الذين عزفوا عن الزواج لعدم قدرتهم المادية عليه والذى بدوره تسبب فى خلق شريحة كاملة من النساء العوانس اللاتى حرمن من سعادة الأمومة ومن الإفتخار ببناء أسرة. هذه هي أهم العوامل التى سهلت إرساء تسلط قوة المال من طرف الفاسدين على أخلاقيات المجتمع والتى جعلت مجرد الحياة بكرامة لكثير من الليبيين أمرا شديد الصعوبة.

3. تمثل المرأة اللليبية القابعة فى السجون الضحية الأولى للفساد السياسى والإقتصادر والإجتماعى المنتشر فى ليبيا. وسوف يستمر الفساد، الذى أغنى القلة وأفقر الأكثرية وجعل حياتها تعتمد على “كرم” و”حسنات” الأقلية، الى حين تغيير المعادلة الحالية التى تجعل أقلية لا تتعدى 8% من الشعب الليبى، حسب تقديرات منظمات مكافحة الفساد، تستحوذ بطرق مباشرة أوغير مباشرة على 70% من الدخل القومى بينما يتقاسم ال92% الباقية فقط 30% من ذلك الدخل.

إن هذا الغناء(الظلم) الفاحش للأقلية، المعزز بامتلاك أدوات السلطة شبه المطلقة عن طريق تهميش القضاء واتساع فرص إفلات منتسبي هذه الأقلية من العقاب ، هو الذى تسبب فى كسر التكامل الإجتماعى واضعاف شرائح عديدة من المجتمع، وخاصة الشرائح الأكثر هشاشة ماديا وثقافيا، وهوسببا أساسيا للإنتهاك المستمر لحقوق الإنسان وبخاصة حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية والثقافية. فعلى سبيل المثال لا الحصر، قدرت مصادر مالية دولية متخصصة ثروة السيد محمد على الحويج، نائب رئيس الوزراء ب 1.42 مليار دولارا فى حين أن الراتب الوظيفى القانونى للسيد الحويج لا يتعدى 500 دولارا شهريا (Arabian Business, August 21-28 2005 ). ويمكن لهذا المبلغ، الملك الخاص للسيد الحويج، أن يغطى كل ماتدفعه الدولة، فى موعدها وبدون تأخير، من رواتب لجميع موظفيها لمدة سنتين كاملتين. إن الهوة العميقة الفريدة فى توزيع الدخل القومى واستيلاء أقلية على جزء كبير من الثروة الوطنية يعد انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان من حيث النتائج الإجتماعية والأخلاقية والسياسية التى تترتب عليها. إن سوء توزيع الدخل ومن ثم عدم التكافؤ فى توزيع الفرص أمر لم يعد مقبولا خاصة وانه مبعث إحساس بالعجز واليأس الذى تترتب عليه كثير من الأمراض الإجتماعية الذى تنشأ فى كنف هذا النوع من التفاوت فى العلاقات الإقتصادية داخل المجتمع. إن عمق التفاوت فى توزيع الدخل هوالذى يفسر ارتفاع معدل الإجرام وتنوعه والإتساع القياسى فىالإتجار فى المخدرات واستهلاكها والإتجار فى الاشخاص والإنحطاط فى الأخلاق والذى ينبغى إذن أخذه فى الإعتبار لإعداد سياسة تبحث عن جذور المشاكل الإجتماعية بدل من الزج بالضحايا البريئة (النساء) فى السجون.

4. تدين الرابطة جميع أشكال العنف ضد المرأة وتطالب الحكومة بان تقوم بواجبها لدرء أفعال العنف عنها والتحقيق فيها والمعاقبة قضائيا عليها مهما كانت الجهة التى ارتكبت جريمة العنف سواء كانت الدولة أو ممثلين لأجهزتها أو أفرادا بما فيهم أقارب الضحايا. وتطالب الرابطة أيضا بان تفتح أمام النساء، اللواتى يتعرضن الى أي شكل من أشكال العنف، فرص الوصول الى آليات العدالة وان تتاح لهن سبل عادلة وفعالة للإنتصاف من الأضرارالتى تلحق بهن وتعويضهن عنها. وتود الرابطة كذلك التأكيد بأن الفقر هو الرق بصورته العصرية وهو ابشع أشكال الحرمان من جميع الحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية وانه توجد صلة مباشرة ووثيقة بين توزيع الدخل وارتفاع مستويات الفقر من جهة وبين مستوى الفقر وتهديم البنية الإجتماعية السليمة من جهة أخرى.

إن عدم تكافؤ الفرص بالنسبة للمرأة هو تمييز حقيقى ضدها وينبغى على الدولة أن تكف عن هذا التمييز بإقرارسياسة “تكافؤ الفرص” التى تضمن تمتع المرأة وبقية شرائح المجتمع بجميع حقوقها . لقد آن الأوان لكسر الحواجز الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية المجحفة بحق المرأة وإتاحة فرص لها لتحقيق إمكانياتها الكامنة.

ولن تتمكن المرأة من الوصول الى تلك الغاية ما لم تعترف الدولة عمليا بقدرتها على ذلك وما لم تدرك ضرورة القضاء على التمييز الظاهر والخفي والأحكام المسبقة والنزعة الى اعتبار المرأة عاجزة عن ان تكون عنصرا فاعلا فى تنمية المجتمع.

وفى سبيل تحقيق ذلك تأمل الرابطة بأن تبادر الدولة إلى إصلاح الخلل الإقتصادى الذى أدى إلى هذه الأوضاع الإجتماعية المشينة وإرساء قواعد أكثر عدلا وأيضا إنسانية لتوزيع فوائد الثروة الوطنية وضمان تكافؤ الفرص للجميع فى مناخ تسوده الشفافية والمسائلة القانونية. وفى انتظار تحقيق هذا الهدف تهيب الرابطة بالدولة بإطلاق حملة وطنية واسعة وجدية لتوعية الجمهور بشأن العنف الممارس ضد المرأة والحث على رفضه إجتماعيا وأخلاقيا ، والى تنظيم برامج ودورات من أجل تدريب الموظفين العامين على الجوانب الجنسانية المتصلة بالعنف الممارس ضد المرأة بوصفه انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان على أن يستفيد من هذا التدريب العاملون في مجال إنفاذ القانون ومقدمو الخدمة القضائية والصحية والإجتماعية.