29/8/2006

1. يصادف بعد غد، الجمعة، الذكرى ال37 لإلغاء الدستور الوحيد الذى عرفته ليبيا والذى نالت بمقتضاه استقلالها فى24 ديسمبر 1951 بناء على توصية من الجمعية العامة للأمم المتحدة. وقد تم إلغاء الدستور عقب انقلاب عسكرى قامت به مجموعة من صغار الضباط،، يوم أول سبتمبر 1969، التى كان أول قراراتها استبدال الدستور بمجلس من12 ضابط من الجيش لم يبق منهم فى السلطة الآن إلا رئيس ذلك المجلس العقيد القذافي. ولا زالت ليبيا تحكم بدون دستور بواسطة نظام ” جماهيرى” لم ينجح فى تأمين الحد الأدنى من احترام حقوق الإنسان أو ضمان أي هامش للممارسة السلمية لحرية الرأي والتعبير والحقوق المدنية الأخرى حتى فى داخل مؤسساته. إنه نظام “الرأي الواحد” الحاكم فى ليبيا منذ مارس 1977 وهوشبيه بنظام “الحزب الواحد” والذى، برغم مساوئه المعروفة، الا انه يمتازعن نظام “الرأي الواحد”، بكونه يسمح لأعضاء الحزب بالإدلاء بآرائهم بقدرمن الحرية داخل فروع الحزب ومؤسساته التى كثيرا ما تشهد تنافسا تنظيمى وعقائدي وفكري بين منابرها وأجنحتها.

2. تميزت هذه السنة بانتهاك الحكومة للحق فى الحياة على نطاق واسع. وقد قامت بإطلاق النار عشوائيا على مظاهرة سلمية ومصرح بها، نظمت فى بنغازى يوم 17 فبراير 2006، وقتلت، حسب معلومات شعبية، مالا يقل عن 24 متظاهر وجرح العشرات لا زال عدد منهم يعالج حتى الأن فى الداخل وأيضا فى مصر وتونس والأردن. ومن المعلوم أن الحكومة لا تصدر أي بيانات رسمية بانتهاكات حقوق الإنسان من طرف موظفيها وعملائها. ويبدو ان المتظاهرين لم يتقيدوا بالشعارات التى سمحت بها الحكومة وقاموا بالهتاف بشعارات مناوئة لها. ويعتبرهذا الإنتهاك السافر أكبر عملية قتل قامت بها الحكومة منذ المذبحة الجماعية لسجناء بوسليم التى ارتكبتها فى 26 يونيو 1996 والتى راح ضحيتها مئات الأشخاص لم تصدر الحكومة أي بيانات بشأنهم حتى الآن .

3. وتميزت هذه السنة أيضا بمراجعة مايقارب من الثلاثين سنة من سلطة “اللجان الشعبية” فى المجال السياسى والإقتصادى والإجتماعى فى اجتماعات ترأسها العقيد القذافى دار خلالها نقاش شكلى للجوانب الأقل أهمية لقطاعات حكومية بعضها حيوى. وقد فاجأ العقيد القذافى أركان النظام (اعضاء الحكومة وأعضاء “أمانة موتمر الشعب العام” ورؤساء “اللجان الشعبية” والأمنية) فى لقائه معهم، يوم 16 يونيو، بان تجربة “المؤتمرات الشعبية”، وهي العمود الفقرى ل”سلطة الشعب” والنظام “الجماهيرى” الحاكم، فشلت فى “تمكين الناس من ان كل شخص منهم يشارك فى سياسة بلاده ويقول رأيه” وأرجع العقيد القذافى فشل تجربة 28 سنة من”الديموقراطية المباشرة” و” سلطة الشعب” الى سبب بسيط وهو”أن المؤتمر الشعبى الأساسى القائم حتى الآن عدده كبير وبالتالى لا تتاح الفرصة لكل الناس أن يتكلموا او يقولوا رأيهم ويسألوا ويناقشوا .. فبدت كأنها عملية شكلية .. هناك ألف شخص أو خمسة آلاف اجتمعوا فى مؤتمر شعبى أساسى .. الذين تكلموا يمكن ان يكونوا عشرة أشخاص أو عشرين والبقية لم يصل إليهم الدور وتمت المدة وقالوا هذه قرارات المؤتمر الشعبى وأنا [العقيد القدافى] أرى ان هذا لا يطمئن” (انتهى الإقتباس).

وبدورها تود الرابطة التأكيد على عدم إطمئنانها ل”ديموقراطية” أو دكتاتورية الواحد فى المائة (%1) التى أكدعليها العقيد القذافى ( 10 او عشرين من 1000) حتى ولو سميت “بالديموقراطية المباشرة” او ب”سلطة الشعب”. وقد نبهت مبكرا كل من الرابطة ومنظمات وشخصيات ليبية مرموقة، منها الأستاذ منصور رشيد الكيخيا وعامرالدغيس والدكتورعمروالنامى ومحمد حمى وحسين الصغير ومحمد مصطفى رمضان وضيف الغزال وربما كل أو بعض اولائك الذين اطلق عليهم الرصاص فى سجن بوسليم وفى بنغازى وأغلب المعارضين فى الداخل والخارج يضاف إليهم الآن العقيد القذافى، من ان نظام “المؤتمرات الشعبية” المطبق”ليست طريقة صحيحة تمكن الناس من أن كل شخص منهم يشارك فى سياسة بلاده ويقول رأيه” (العقيد القذافى).

4. لقد عودنا العقيد القذافى على تشخيص دقيق للأمراض التى يعانى منها المجتمع الليبي, والمنافية لمبادئ حقوق الإنسان، مثل ديموقراطية ال%1 التى أثارها مع اركان النظام، والإكتفاء بحالة التشخيص دون تعديها الى مرحلة العلاج التى تتطلب فى ما تتطلب تحديد المسؤولين عن المرض وحجم الخسائر التى انجرت عن عدم علاجه لمدة 28 سنة والتى تشمل كل انتهاكات حقوق الناس التى تمت تحت غطاء ” ديموقراطية النظام الجماهيرى البديع” كما صوروه المسؤولون عن تفشى “المرض” وباسم “سلطة الشعب” التى نكتشف اليوم بأنها لم تكن إلا دكتاتورية مارسها أقل من %1 من نشطاء “المؤتمرات الشعبية” على بقية %99 من الشعب الليبى ولمدة 28 سنة كاملة. إن التشخيص عملية أساسية للاستئصال المرض إلا أنه يظل بدون قيمة لضحايا المرض ( كل الذين انتهكت حقوقهم بما فيهم اولائك الذين تركوا الوطن خوفا من بطش دكتاتورية ال%1) إذا لم يتبع بوصفة عملية للدواء لعلاج الضحايا واستئصال المرض.

فمثلا أعلمنا العقيد القذافى انه يوجد أكثر من مليون ليبي يعيشون تحت خط الفقرإلا ان السلطة التنفيذية لم تتخذ، على حد علم الرابطة، الإجراءات العملية الضرورية والمناسبة لمعالجة هذه الآفة والنتيجة أن عدد المليون فقيرلم يتغير وربما أصبح هذا العدد اكبر مما كان عليه. إن أحد الأسباب الأساسية لعدم المبالات والفشل فى وصف العلاج يكمن فى كون المسؤولين الذين سببوا مرض فقرالناس هم نفس الأشخاص الذين أوكل إليهم مهمة ايجاد الدواء لمكافحة آفة الفقرومعالجتها.

ولا بد ان يكون واضحا للجميع فى هذا الخصوص، أن المسؤول الذى فشل فى معالجة ملف الفقرقبل تفاقمه، أو أي ملف آخر كملف مرض الديموقراطية مثلا، فهو بالتأكيد لن ينجح فى وجود الدواء أوالحلول المناسبة له بعد تفاقمه وبأنه يتعين علي المسؤول الفاشل، مثل اولائك الذين ارسوا وحافظوا على دكتاتورية ال%1 وصوروها للناس بأنها أرقى مراحل الحرية والإنعتاق، إما التخلى طواعية عن مواقعهم فى الدولة أو إقالتهم. يجب على الجميع الدفع بمن تتوفر فيه كفاءة لإيجاد الدواء المناسب للأمرض المتراكمة فى جميع ميادين الحياة فى ليبيا وإنه لا ينبغى ان نبقى مدى الحياة محكومين من نفس المسؤولين برغم فشلهم وفسادهم وتقصيرهم الواضح فى شتى القطاعات والذى أشارالعقيد القذافى الى بعض منها أثناء اجتماعاته مع بعضهم خلال شهري يونيو ويوليو. ولا يمكن اتهام العقيد القذافى ب”عدوالثورة” على نقده الشديد لحقبة ” المؤتمرات الشعبية” وهي الإنتقادات التى تشبه فى مجملها تلك التى بسببها فقد ليبيون كثيرون حياتهم باعتبارهم “أعداء للثورة” وزج بالأكثر حظا منهم، لسنوات فى السجون والمعتقلات أو أجبروا على اللجوء والهجرة.

5. تخشى الرابطة ان تسند مهمة معالجة قضية “ديموقراطية ال%1″ الى اولائك اللذين صوروا وعلى مدى 28 سنة كاملة بان الليبين يعيشون اسطورة ديموقراطية لا سابق لأحد بها برغم وضوح التناقض بين شعارات الديموقراطية المرفوعة والممارسات اليومية لرافعيها. وقد أدى هذا التناقض الى تفرد ” رافعي الشعارات” بالسلطة وتغول الأجهزة الأمنية التى أعلنت، باسم “سلطة الشعب” ـ سلطة 1% ـ حربا على كل من سولت وتسول له نفسه بالجهر بعدم اقتناعه بتلك الشعارات. ولا زالت تلك الحرب على اشدها برغم تأكيد العقيد القذافى على فشل تجربة “المؤتمرات الشعبية”. وقد شملت تلك الحرب اطلاق يد “الأمن” الذى تحول الى قانون يحكم القانون يسجن أي شخص فى أي وقت ولأي سبب من دون تهمة بغية تخويفه أو تهديده أوإخفائه أو تصفيته من دون ان يكون فى مقدور الشخص ..أي شخص ان يتردد أو يتلكأ أو يتأخر أو يرفض او يعترض على ذلك.

إن الخروج من مأزق ديموقراطية ال1% وإرساء قواعد ديموقراطية حقيقية، ديموقراطية ال51% المبنية على التعددية والتنافس السلمى، لا بد ان يبدأ بلجم التجاوزات الخطيرة للأجهزة الأمنية التى تعتبرأية مخالفة مهما كانت صغيرة وأي رأي آخر مهما كان تافها على كونه تهديد قائم ومؤكد للنظام يستحق رد فعل شاملا وحاسما يتجاوز دائما أصحابه المباشرين ليشمل دائرة واسعة من الأهل أو الأصدقاء او حتى القبيلة او المدينة كما حصل فى بنىوليد. وقد كان لهذه التجاوزات أثر بالغ السوء على قضية الديموراطية فى ليبيا خلال الثلاثين سنة الأخيرة حيث نجحت فى قطع الطريق على كل مبادرة مستقلة عند الأفراد وقتل أي إرادة فيهم او حتى رغبة فى التقدم أو العمل أو الإنجاز. لقد نجحت تجاوزات الأمن فى إخماد روح النشاط كله عند الفرد وإخماد روحه السياسية وضميره الحر وأفسحت الطريق الى الفاسدين والمفسدين لبناء دولة اللاقانون واللا أخلاق.

6. تميزت هذه السنة كذلك بانفتاح على مجموعة الدول الغربية بعد سنوات من المقاطعة تفاوت محتواها من المقاطعة الشاملة والحصار الى المقاطعة الإنتقائية ومستوى التمثيل الدبلوماسى. وترحب الرابطة بهذا الإنفراج الواضح الذى طرأ على السياسة الخارجية الليبية آملين أن يتم بدون التفريط فى الثروة الوطنية وحقوق الليبين فيها . أما فى ما يخص الساحة الداخلية فلاحظت الرابطة بكل أسف تلكأ الجهات المسؤولة فى اتخاذ القرارات الشجاعة والضرورية لتصالح الدولة مع اللبييين وإعادة بناء مؤسساتها وتحديثها، وإحلال معيار الكفاءة محل معيار الولاء والمحسوبية وشبكات المصالح الخاصة المتغلغلة فيها والتى عرفها السيد سيف القذافى، أحد نشطاء حقوق الإنسان الليبيين، فى مداخلة له يوم 20 أغسطس ، ب”المافيا الليبية” التى ترعرعت وتغولت فى ظل غياب القانون.

وانتقد السيد سيف بشدة الأوضاع الإقتصادية والسياسة السائدة متسائلا “هل توجد سلطة شعبية فعلا فى ليبيا وإلا كيف تزور قرارات باسم الشعب ويسجن الناس ونبهدلهم باسم الشعب ثم نأتى ونضحك عن أنفسنا ونقول إننا نعيش فى فردوس”. وفى الوقت الذى ترحب فيه الرابطة بهذه المواقف لكونها منسجمة مع الأهداف والمبادئ التى تأسست عليها فى مارس 1989 والتى مانفكت تناضل من أجل تحقيقها. وتحذر فى هذا الخصوص بانه لا تقدم ولا نما فى أي مجال قبل بناء القواعد القانونية والمؤسساتية لدولة قانون تصون كرامة الإنسان وتحمى حقوقه وأهمها:

    • أ. إلغاء كل القوانين التى لا تتلائم واحترم حقوق الإنسان

 

    • ب. سن دستور للبلاد من خلال مؤتمر وطنى عام من أجل التغيير الوطنى الديموقراطى مبنى على الأتى:

 

  • الفصل بين السلطات وتأمين سيادة القانون واستقلال القضاء
  • الضمان التام لحرية الرأي والتعبير والإعتراف بالآخر
  • الإعتراف الكلى بمبدأ التداول السلمى للسلطة عن طريق إنتخابات تعددية حرة

وبالإقتراع السرى.

  • ضمان فرص متساوية للتنافس السلمى الديموقراطى بين الأحزاب على أسس ديموقراطية منسجمة مع احترام حقوق الإنسان
  • نبذ العنف والقسر والإكراه من الحياة السياسية واعتماد مبدأ الحوار السلمى والتنافس الديموقراطى أساس لحل الخلافات.

7. هذا هو طريق الديموقراطية، ديموقراطية ال51%، وأي طريق آخر نتبعه لتحقيق ما نتوهم أنه أحسن منها وأرقى سوف نكتشف، بعد هدر سنوات من وقت الناس الثمين (30 سنة مثلا!!)، أنه طريق مسدود لا يمكن له أن يحقق ولو جزء بسيط مما حققته ديموقراطية ال51% التى نستهزا بها. إن فشل ” سلطة الشعب” والمؤتمرات الشعبية” فى تحقيق أي انجاز حقيقى فى أي مجال، وخاصة فى مجال احترام حقوق الإنسان، لا يكمن فى عدد “المؤترات الشعبية” بقدر ما يكمن فى عدم وجود أي هامش لحرية الرأي داخلها وخارجها حيث ان أجهزة الأمن متربصة بكل من يتجرأ على إبداء رأي لا يكون مطابقا لرأي السلطة. ليس لممارسة الديموقراطية موسما أو دورة أو جلسة أو تاريخ انعقاد أو مدة أو عدد متكلمين أو مؤتمر أساسى أو كومونة.

فالديموقراطية سلوك وممارسة فكرية للشأن العام والخاص .. سلمية وحرة .. متواصلة ودائمة.. يمارسها الفرد الحر فى استقلالية تامة على مدار اليوم وطوال أيام السنة فى البيت مع أهله واطفاله وفى الشارع وأماكن الترفيه والعمل وبين الأصدقاء والخصوم وفى داخل مؤسسات الدولة و خارجها وفى داخل البرلمان أو المجلس وخارجه وأثناء الحملات الإنتخابية وبعدها وفى وسائل الإعلام وعلى منابر الهيئات والأحزاب وفى أي مكان وزمان دون خوف أو مضايقة من أحد. وتود الرابطة فى هذا السياق التنبيه بأن استبدال ال 500 “مؤتمر شعبى أساسى” بـــ 30.000 “كومونة” (Communes) من 100 عضوا لن يحل مشكل الديموقراطية فى ليبيا بل ربما سوف يساهم فى تعقيدها ،

خاصة إذا اعتبرنا ان أهم العوامل التى أفشلت تجربة “المؤتمرات الشعبية” لا تكمن فى عامل الوقت أو عدد الأعضاء بقدر ما تكمن فى عامل غياب حرية الرأي والتعبير والتبادل الديموقراطى الناتج أساسا عن تسلط أجهزة الأمن وبطشها بكل الذين يغامرون بالإدلاء برأي مستقل داخل المؤتمرات أو خارجها. لا شك أن نظام الكومونة وتحديد عضويتها القصوى بمئة عضو سوف يمكن، من جهة، عددا كبيرامن الأعضاء من”الكلام” للثناء على سياسة السلطة فى جميع المجالات وحكمتها فى تسيير الشؤون العامة ، وسيسهل، من جهة أخرى، مهمة الأجهزة “الثورية” والأمنية من تشديد قبضة المراقبة والضبط على المتكلمين وغيرهم من اعضاء الكومون نظرا لعددهم المحدود نسبيا.

إن المطلوب ليس تمكين الناس من الكلام بل تمكينهم من مناقشة الشأن العام فى حرية تامة وبالكيفية السلمية التى يرونها مناسبة (عن طريق نشر مقالات فى وسائل إعلام مستقلة أو تنظيم محاضرات عامة أو خاصة مثلا) وفى المكان الذى يناسب أصحاب الرأي داخل او خارج الكومونة وتمكينهم فى النهاية من اختيار حكومتهم فى انتخابات عامة بالإقتراع العام والتصويت السرى. إن تمكين الناس من إبداء الرأي يتطلب ضمن مايتطلب مناخا ديموقراطيا حقيقيا لم ينجح نظام “المؤتمرات الشعبية” فى تشييده وتخشى الرابطة أن يفشل نظام “الكومونة” فى تحقيقه