10/8/2007

1. تابعت الرابطة باهتمام اللقاء الذى قامت به قناة الجزيرة، يوم 8 أغسطس 2007، مع السيد سيف الإسلام القذافى رئيس “مؤسسة القذافى للتنمية” ضمن برنامجها الأسبوعى “بلا حدود” والذى تناول قضية الممرضات البلغريات وقضايا أخرى منها قضية حقوق الإنسان فى ليبيا.

وتأسف الرابطة على الطريقة التى تم بها طرح هذه المواضيع ومناقشتها خاصة وان مقدمة البرنامج يبدو انها لم تعد نفسها للخوض فى مثل هذه المواضيع الحساسة والذى كان بالإمكان الإستفادة من وقت البرنامج لمناقشتها بهدوء وموضوعية حتى تعم الفائدة الليبيين اينما كانت مواقعهم والعرب ايضا الذين يواجهون، فى كل قطر على حده، نفس إنتهاكات حقوق الإنسان التى تحدث فى ليبيا ولو بدرجات متفاوته. وكان المأمول من السيد سيف الإسلام القذافى، المعروف باهتمامه بقضية حقوق الإنسان، بعد إشارته ل”عدم وجود أية معارضة” ان يتعهد بالعمل على السماح بمعارضة ديموقراطية سلمية داخل ليبيا، خاصة وان وجود معارضة وطنية فى أي بلد يعنى أول ما يعنى ان النظام المسير للشؤون العامة فى ذلك البلد هو نظام ديموقراطي غيراستبدادى. إن نكران وجود معارضة وطنية فى أي بلد وعدم الإعتراف بدورها فى الحياة العامة هو اعتراف صريح بان النظام السياسى المتحكم فى ذلك البلد ليس بنظام ديموقراطى. إن ممارسة الديموقراطية لا يمكن ان تتحقق فى غياب ممارسة المعارضة الوطنية السلمية لوظائفها السياسية والرقابية بحيث يمكن القول بأنه لا ديموقراطية بدون معارضة وطنية.

2. كما ان الممارسة الديموقراطية لا يمكن فصلها عن ممارسة المعارضة الوطنية لمهامها فإن الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان متلازمان ولا يمكن الفصل بينهما. فمعاييرحقوق الإنسان ينبغى أن تؤخذ على أنها أساس لأي تصور ذى مغزى للديموقراطية والتى من جهتها تتيح أفضل أمل لتعزيز حقوق الإنسان وحمايتها. ما لم يكن للمعارضة فرصة جدية ومالم يكن فى النظام السياسى ذاته الآليات التى تسمح سلميا، عن طريق انتخابات عامة تجرى بالإقتراع العام والتصويت السرى، .. تسمح للمعارضة اليوم أن تمارس غدا السلطة فنحن لسنا لا فى الديموقراطية مهما زايدنا عليها واقترحنا لها من بدائل ولا فى مناخ يحترم حقوق الإنسان مهما تحدثنا عن احترامها.

إن ما نتوهم تحقيقه بعيدا عن الديموقرطية هو بناء على غير أساس لا ضمان لاستمراره ويمكن ان ينهار فى اي وقت كما حدث لأنظمة الكتلة الشرقية الصلبة والعتيدة، بما فيها الإتحاد السفياتى، والتى لم تفوّت فرصة فى سنوات عنفوانها دون الإدعاء بممارسة شعوبها لأعلى درجة فى سلم الديموقراطية. إن الديموقراطية المعززة لكرامة الإنسان وصيانة حريته هي الضامن الوحيد للإستمرار والإستقرار وعلينا ان لا ننسى ان كل ما أخفقت أنظمة الإستبداد فى تحقيقه نجحت فيه دول الديموقراطية الراسخة التى تتمتع فيها المعارضة الوطنية بجميع الحريات والتى يمارس فيها تدوال السلطة طبيعيا كلما تقرر شعوبها ذلك من خلال إقامة الإنتخابات النزيهة بالإقتراع العام وبالتصويت السري.

3. لقد أكدت جميع المواثيق الدولية على كون الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الاساسية أمور مترابطة ويعزز بعضها البعض. وعندما نتحدث عن حقوق الإنسان لا نعني بذلك مسائل التعذيب (المادة 5) أو الإعتقال التعسفى (المادة 9) فحسب، ـ كما ورد فى النقاش المذكورـ فهذه ليست سوى مادتين من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من أصل ثلاثين:
الحق فى الحياة والحرية حق من حقوق الإنسان (المادة 3)
الحق فى التمتع بحماية القانون حق من حقوق الإنسان (المادة7)
الحق فى قضاء مستقل ومحايد حق من حقوق الإنسان (المادة 10)
براءة أي متهم بجريمة الى ان يثبت ارتكابها قانونا حق من حقوق الإنسان (المادة 11)
الحق فى التماس ملجأ فى بلدان أخرى خلاصا من الإضطهاد حق من حقوق الإنسان (المادة 14)
الحق فى حرية الراي والتعبير والتماس المعلومات وتلقيها ونشرها حق من حقوق الإنسان (المادة 19)
الحق فى تكوين الجمعيات والأحزاب والإشتراك فيها حق من حقوق الإنسان (المادة 20 )
حق المشاركة فى إدارة الشؤون العامة وتقلد الوظائف العمومية حق من حقوق الإنسان (المادة 21)
حق اختيار الحاكم من خلال انتخابات نزيهة بالتصويت السرى حق من حقوق الإنسان (المادة 21 )

4. وحتى فيما يخص مسألة التعذيب فلا زالت الرابطة تتلقى الشكاوى فى هذا الخصوص بشأن ارتكابها فى عدة سجون و”مثابات ثورية” فى أماكن مختلفة من ليبيا والتى لا يمكن التأكد من حيثياها من مصادر محايدة لعدم وجود إعلام مستقل وصحافة حرة من جهة وعدم السماح بتكوين منظمات أهلية مستقلة ومحايدة لمتابعة قضايا انتهاكات حقوق الإنسان بما فيها ممارسة التعذيب ومناهضته من جهة أخرى. وفى غياب الإمكانية المادية لتأكيد او نفي ممارسة التعذيب من المصادر المستقلة والتى تتمتع عامة بمصداقية عالية فى هذا الخصوص تظل قضية التعذيب فى ليبيا رهن بمزاج الحكومة التى تنفى عامة حصول أية حالات تعذيب وترفض فى نفس الوقت طلبات منظمات حقوق الإنسان المحايدة بالقيام بزيارات ميدانية للوقوف على صحة نفي الحكومة (التى لاتتمتع بمصداقية حقيقية فى مجال انتهاك حقوق الإنسان لكونها تمثل الخصم والحكم فى آن واحد) والتأكد من ادعاءاتها بخلو المؤسسات السجنية الرسمية وشبه الرسمية من ممارسة التعذيب.

وتنتهز الرابطة هذه الفرصة لتجدد ندائها الى الحكومة الليبية وتحثها مجددا بان تنضم رسميا، من أجل تعزيز مصداقية نفيها لممارستها التعذيب، الى “البروتوكول الإختيارى لاتفاقية (الأمم المتحدة) مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة” والذى يهدف الى القيام بزيارات منتظمة وغير معلنة تضطلع بها هيئات دولية من الأمم المتحدة ومنظمات وطنية مستقلة (متى وجدت) فى الدول الأعضاء لأي مكان يوجد فيه أشخاص محرومون من حريتهم وذلك بغية التأكد من خلوها من ممارسة التعذيب من جهة وتعزيز وحماية هؤلاء الأشخاص من أية ممارسة له من جهة أخرى. هذه هي احدى الطرق التى يمكن من خلالها تعزيز مصداقية تقارير الحكومة الليبية حول التعذيب والتى لا تلاقى فى الوقت الحالى اي قدر من المصداقية. أما الطرق الأخرى فيمكن تلخيصها فى إطلاق حرية الصحافة فى داخل ليبيا وإصدار قوانين تجيز الحق فى حرية الرأي والتعبير وتكوين الجمعيات المستقلة والأحزاب .

5. يبدو من النقاش ان الحكومة الليبية عقدت العزم على القيام هذه المرة بمشاريع إسكانية وتنموية واسعة قدرالسيد سيف الإسلام القذافى كلفتها بثمانين بليون دينارا وهو شيئ محمود وتأمل الرابطة ان لا تشوه هذه المشاريع بجعلها تقوم على حساب الديموقراطية واحترام حقوق الإنسان. أن التنمية المتوازنة والمستدامة فى إطار بيئة ديموقراطية شفافة تحافظ على كرامة الإنسان وسيادة القانون لهو أمر ضروري ليس للحفاظ على السلم المدنى فحسب بل ايضا للإستفادة من فوائد هذه المشاريع وضمان استمراريتها لنجعل منها محرك حقيقى لتمنية مستدامة تهدف ضمن ما تهدف الى تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان الإقتصادية والإجتماعية والسياسية والتى تتميز بالتشابك والترابط لا يجوز تجزئتها. لقد آن الاوان أن تعامل قضية حقوق الإنسان فى ليبيا على نحو شامل وبطريقة منصفة ومتكافئة وعلى قدم المساواة وبنفس الإهتمام والتركيز.