15/1/2007

1. أخذت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان علما بالقرار رقم (2) لسنة 2007 بتحديد الحد الأدنى للأجور للعاملين بالقطاع الخاص بمبلغ 250 دينارا شهريا أي ما يعادل 170 دولارا تقريبا(* ). وللإيضاح، فإن القرار لا يشمل العاملين بأجهزة الدولة والشركات والمؤسات والمشاريع الممولة من قبل الدولة والذين تستمر معاملتهم على أساس القانون رقم 15 لسنة 1980 الذى حدد راتب كثيرمن فئات العاملين فيها بأقل بكثير من ال 250 دينارا الذى قررته السلطات كحد أدنى للأجور فى القطاع الخاص. وتأسف الرابطة التى تناولت أدبياتها، فى أكثر من مناسبة، موضوع الأجور والمرتبات وعلاقته بتمتع الليبيين بحقوقهم الإقتصادية والإجتماعية (*‎*)..

تأسف كون القرار جاء مخيبا للآمال. فمستوى الراتب الشهرى الذى حدده لم يفى حتى بأكثر التوقعات تشائما حيث لا يمكن ان يكفل مثل هذا الراتب مستوى معيشى إنسانى لائق اوان يساهم بأي شكل من الأشكال فى إعادة توزيع منصف للثروة أوأن يكون له أي تأثير فى التحفيزعلى الإنتاج. لقد جاء القرار خاليا من أية إشارة الى هذه العوامل المهمة التى لا نجد لها ترجمة عملية فى هذاالمستوى المتدنى للحد الأدنى للاجوروالذى سوف يستعمله أرباب العمل كمرجعية أساسية، فى غياب نقابات مستقلة لحماية حقوق العمال، فى تعاملهم مع العاملين فى هذا القطاع، القطاع الخاص، الذى اختارته الدولة ليكون محركا أساسيا للإقتصاد الوطنى بعد ما فرطت فى القطاع العام الذى أنهكه الفساد والواسطة والمحسوبية وحوله المفسدون الى مصدر لثرائهم الشخصي على حساب قوت الفقراء. وتخشى الرابطة ان يساعد هذا المستوي المتدنى من الرواتب على زيادة نشرالبطالة والبطالة المقنعة واستشراء الفساد المادى والأخلاقى وارتفاع عدد اولائك الليبيين الذين لا زالوا يعيشون تحت خط الفقروالذين حددالعقيد القذافى عددهم بمليون ليبى.

2. اتسم قرار الحد الأدنى للأجور والمستوى المتدنى له بأنه أبعد ما يكون عن الواقعية والعدالة وعن تحقيق هدف النهوض بمستوى معيشة الفقراء وإشراكهم فى التمتع بثمرة الثروة الوطنية‏.‏ فهذا المستوى المتدنى الذى يفترض أنه تقرر بناء علي معطيات علمية ومشاورات مع ذوى الشأن والإختصاص فى المجتمع المدنى وخارجه وبأن مستواه يضمن حياة كريمة للعامل ويحمي كرامته ويدعم استقلاليتة وولائه لعمله ويكرس حوافزالإبتكار وزيادة الإنتاج‏‏ وأن يكون كافيا لحياة كريمة للعامل ومن يعولهم ..‏

جاء هذا القرار مخالفا لجميع هذه الأسس ويمكن إذا لم يراجع سريعا من أجل إقرارمستويات أعلى للأجور ان يساهم فعليا فى انخفاض معيشة شريحة مهمة من المجتمع، شريحة العمال، وربما يؤدى الى زعزعة الإستقرار العمالى والسلم المدني وتوسيع رقعة الفقر وتكريس الفساد. كذلك لم يتناول القرارشروط العمل ومنح العمال الحق فى ممارسة حقوقهم النقابية بما فيها الإحتجاج السلمى والإضراب وتفعيل دور النقابات العمالية فى مواجهة المشاكل التى يمكن ان تواجههم مع أرباب العمل الذين يتمتعون، فى ظل التشريعات النافذة، بحق الإستغناء والفصل التعسفي للعمالة دون تمكين العمال من الحصول علي كامل حقوقهم منهم.

3. يتطلب الأمر الآن وضع خطة شاملة لرفع دخل المواطنين على مختلف وظائفهم وشرائحهم وتشغيل العمالة وتوزيع مردود الثروة الوطنية بشكل عادل والتركيز علي التنمية الاقتصادية والاجتماعية ‏. هذه هي وظيفة الإقتصاد الناجح. أما ان ينتعش الإقتصاد على حساب دخل المواطن الفقير ومستوى معيشته ويستولى المفسدون على فوائد ذلك الإنتعاش فهذا ما يرفضه المنطق وتدينه الرابطة. إن أهم المشكلات التي تواجه سوق العمل الآن هو انخفاض المستوى الفعلى للرواتب فى القطاعين الخاص والعام على السواء وعدم قدرتهما على خلق وظائف جديدة ذات رواتب مغرية تتناسب مع الغلاء المفرط للمعيشة فى ليبيا.

إن حل مشكل الرواتب يتطلب تنفيذ استراتيجية لإعادة هيكلة سوق العمل عن طريق تطوير برامج التعليم والتدريب المهني وإلغاء القيود الإدارية والأمنية وتشجيع جذب الاستثمار وخلق وظائف جديدة ذات مردود يمكن المواطن من حياة مادية ومعنوية كريمة. كذلك يتطلب الأمر الآن ان تتخد الخطوات الضرورية لإيجاد سوق عمل موحد وسد الهوة الواسعة فى مستوى راتب الوظيفة الواحدة المعمول به الآن بين القطاع العام والقطاع الخاص. فراتب المحاسب او الكهربائى فى السلك الحكومى مثلا يختلف تماما عن راتب نظيرهما فى القطاع الخاص وكلاهما يختلف راتبه عن راتب المحاسب والكهربائي فى القطاع المصرفى أو فى الشركات التابعة للمؤسسة الوطنية للنفط. لابد ان تكون الوظيفة الواحدة لهاراتب واحد أو على الأقل متقارب بغض النظر عن جهة التوظيف حتى لا يستغل التوظيف فى المزيد من الواسطة وإفساد دور مستوى الرواتب كحافز للإجتهاد والإبتكار.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) تجدر الملاحظة بأن الحد الأدنى للأجور الذى قرره القانون فى سنة 1980 بتسعين(90) دينارا كان يساوى، حين بدأالعمل بالقانون، حوالى 300 دولارا أمريكيا. وكان بالإمكان استعمال مبلغ ال300 دولارا، كأساس لتحديد الحد الأدنى للأجور لسنة 2007، خاصة وان الدولار هوعملة التعامل لأكثر من 90% من صادرات وواردات ليبيا. كذلك تجدرالإشارة بان مبلغ 300 دولارا قد حدد كحد أدنى للاجور حين كان دخل الدولة السنوى من النفط لا يتعدى 11 بليون دولارا او حوالى 3200 دولارا لكل ليبي. أما القرار الجديد الذى قرر الحد الادني للأجور بـ 250 دينارا او 170 دولارا، فقد اتخذ ودخل ليبيا من النفط يقارب الستين بليون دولارا أي بحصة (نظرية) تصل الى اكثر من 10.000 دولارا لكل ليبي. هذه هي المفارقة التى يصعب فهمها!