23/7/2007
ترحب الرابطة باستبدال حكم الإعدام الذى اصدرته المحكمة العليا فى قضية أطفال بنغازى الذين أصيبوا بفيروس “الإيدز”. وتجدر الإشارة بان موقف الرابطة الثابت من عقوبة الإعدام هو إلغائها كلية واستبعادها من التشريعات الليبية نهائيا لعدم احترامها للحق فى الحياة والذى بدونه يفقد الإنسان جميع حقوقه. وقد وجهت الرابطة، خلال السنوات الأخيرة، نداءات متكررة لجميع من لهم علاقة بهذا الملف من أجل إعادة النظر فى احكام عقوبة الإعدام واستبدالها. وفى الوقت الذى تامل فيه الرابطة ان يؤخذ هذا الإستبدال كسابقة قانونية يتم من خلالها تخفيف جميع الأحكام بعقوبة الإعدام الصادرة عن جميع المحاكم الليبية وفى جميع القضايا؛ فهي تأسف على الطريقة التى عولج بها هذا الملف وخاصة فى أيامه الأخيرة حين فقدت القضية، تحت وطأة الحملات الدبلوماسية والإعلامية المتكررة.. فقدت الكثير من طابعها القضائى المميز عامة بالهيبة والوقار والهدوء؛ وهي صفات أساسية للمحاكمة العادلة؛ وبدأت لكثير من المراقبين وكأنها انحدرت من مركزالوقاروالجلل القضائى الى مستوى مادى بحت والذى لا يخلو عامة من المساومة والإبتزاز.
وتود الرابطة فى هذا الخصوص تسجيل موقفها المبدئى من جبر الضرر المترتب عن أي انتهاك للقانون العادل بغض النظر عن مصدرهذا الإنتهاك سواء كان هذا المصدر مؤسسات الدولة أو جماعات أو أفراد. فى كل الأحوال يجب ان يكون الجبر متناسبا مع الإنتهاك وكاف وفعال وفورى حتى يتمكن من لعب دوره فى تعزيز إقامة العدل من خلال إصلاح الإنتهاكات الجسيمة المترتبة على انتهاك القانون. ويجب على الدولة توفيرالجبر لضحايا ماترتكبه من أفعال أو حالات تقصير تشكل انتهاكات جسيمة للقانون وفى الحالات التى يعتبر فيها شخص ما أو مجموعة أوشخصية قانونية أو كيان آخر مطالبا بجبر الضحية ينبغى ان يوفر الطرف المسؤول عن الإنتهاك جبرا كاف وعادل للضحية او للدولة إذا كانت الدولة قد وفرت فعلا الجبر للضحية. وتعتبر قاعدة “الإسترداد” من أهم القواعد التى تحكم فلسفة الجبر وهي تهدف الى إعادة الضحية كلما أمكن الى وضعها الأصلى قبل وقوع الإنتهاك. ويتضمن الإسترداد مايلى: استرداد الصحة (المعافاة) والحرية (السجن) والحقوق السياسية والمدنية والوضع الإجتماعى والهوية والحياة الأسرية وعودة المرء الى سكنه ووظيفته وإعادة الممتلكات.
وبطبيعة الحال فإن مستوي سقف الجبر أو التعويض يختلف من حالة الى أخرى ويكون عامة أعلى فى الحالات التى تحصل فيها انتهاكات متعمدة وبناء على تخطيط مسبق من طرف منفذيها (سابق الإصرار والترصد) كما يحدث فى حالات التآمرمثلا. أما فى حالات حصول انتهكات غير متعمدة وبمحض الصدفة فإن “الإسترداد” يظل هو القاعدة فى جبر الضرر وهناك أيضا حالات كثيرة أخرى كالوفيات، التى تنتج يوميا عن التقصير فى التشخيص الطبى او بسبب سوء آداء جهاز اواجهزة طبية او بسبب وصفات دواء غير مناسب،.. وفياة تعرفها يوميا مستشفيات كثيرة فى مختلف الدول ولا يخصص لها أي جبرولايتكلم عنها أحدا. والسبب فى ارتفاع مستوى جبر الضرر فى حالات الإنتهاكات ” المتعمدة” هو ان الجبر فى هذه الحالات يشمل الجبر والعقاب على التخطيط والإصرار والترصد فى حين لا يشتمل الجبر فى حالات الإنتهاكات العفوية على بند العقاب ويكتفى بإجبار الضرر وفقا لقاعدة “الإسترداد”.
وإذا ما نظرنا الى قضية إصابة أطفال من نزلاء “مستشفى الفاتح” ببنغازي بفيروس الأيدز فأول ما يتبادر الى الذهن هو الإتهام المبكرلطبيب فلسطيني وخمس ممرضات بلغاريات بحقن متعمد للأطفال وذلك ضمن عمل تآمري مزعوم واسع تدير خيوطه أجهزة الموصاد والسى. آي. إى دون توجيه أي اتهام رسمى لأي من الجهازين المتآمرين أو ذكر إسم اي مسؤول منهما. ولم تقدم السلطات الليبية أي شكوى أو حتى إخطار بذلك للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو إجراء دبلوماسى تقليدى معروف فى حالات التآمر، بتورط إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية فى مؤامرة لنشر فيروز الإيدز فى المستشفيات للإسائة الى الليبيين وهي تهمة خطيرة بكل المقاييس ويمكن تصنيفها بالحرب المايكروبيولوجية التى لا تقل فتكا ودماراعن فتك ودمارالحرب الكيماوية. ومع مرور الوقت وغياب الأدلة، (فى حالة وجود ادلة على التعمد والتآمر ولم تستعملها الحكومة الليبية لمقاضاة أمريكا وإسرائيل تكون بذلك قد انتهكت القانون وأخلت بمسؤوليتها فى حماية الليبيين) .. اغفل هذا الإتهام وتلاشى ولم يعد أحد يذكره وبهذا أخرجت القضية من الإنتهاك المتعمد التآمرى المزعوم المرتبط بقوة خارجية. إلا أن عامل التعمد استمر واتهم الطاقم الطبى، هذه المرة، بحبك مؤامرة فى ما بين أعضائه الستة، لاعلاقة لها بقوة أجنبية، لحقن أطفال “مستشفى الفاتح” عمدا بفيروز الإيدز. ولم يتناول الإتهام هدف او مصلحة هذا الطاقم من وراء هذا العمل اللاإنسانى الذى يصعب على المرء اعتماده بسهولة خاصة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار تقارير الحكومة الليبية حول الأضرار فى مجال الصحة العامة المترتبة آنذاك على تطبيق قراري مجلس الأمن 748 لسنة 1992 و883 لسنة 1993 بشان لوكربى والحصار.
ففى المذكرة التى وجهتها الحكومة الليبية بوم 4 سبتمبر 1996 الى الأمين العام للأمم المتحدة، عن طريق البعثة الدائمة لليبيا لدى الأمم المتحدة والموقعة من طرف القائم بالأعمل بالوكالة السيد على السنى المنتصر، يوجد جرد كامل بالأضرار الهائلة التى سببها الحصار خلال فترة وجيزة نسبيا، من 15 ابريل 1992 الى 31 ديسمبر 1995، لا تتعدى الأربع سنوات من الحصار الذى دام 12 سنة.
وقد اختارت الرابطة هذه المذكرة بالذات لكونها تناقش اضرارا شبيهة بالأضرار المتهم بها الطاقم الطبى والتى حصلت فى المستشفيات الليبية قبل استلام أعضاء الطاقم البلغارى لوظائفهم فى ليبيا. ففى الفقرة العاشرة مثلا تقول المذكرة فى سردها للأضرار: ” تأخر وصول شحنات الإمداد الطبى من الأدوية العلاجية والوقائية التى تتسم بطبيعة خاصة مثل الأمصال، اللقاحات، مشتقات الدم، الهرمونات، ومفاعلات اختبارات الإيدز واليود المشع وغيرها .. التى تستورد بطلبيات خاصة ويتم نقلها بواسطة الشحن الجوى وفق المواصفات والترتيبات للمعايير الدولية المتعارف عليها. مما نتج عنه ان تعرضت معظم هذه الطلبيات للتلف والهلاك وسوء التخزين . وبالتالى انتهاء فعاليتها وصلاحيتها الطبية خاصة (لقاح شلل الأطفال)، بسبب نقلها عن طريق البحر او البر، الأمر الذى تسبب فى ارتفاع نسبة الوفيات من الأطفال والنساء سواء أثناء حالات الوضع أو فى حالات أخرى فى المستشفيات والمجمعات الصحية العامة بالإضافة الى الإرباك فى مستوى الخدمات الصحية والعلاجية بشكل عام” (انتهى الإقتباس).
وبخصوص ارتفاع نسبة الوفيات، خاصة فى صفوف الأطفال، المشار إليه فى الفقرة أعلاه فقد تناولته المذكرة فى الفقرة الثالثة والتى جاء فيها: ” وفاة حوالى (1135) الف ومائة وخمسة وثلاثين طفل حديثى الولادة ووفاة (514) خمسمائة واربع عشرة امرأة اثناء حالات الوضع فى مختلف مستشفيات الولادة والعيادات الصحية المجمعة وذلك نتيجة النقص فى كميات الأدوية الوقائية والأمصال واللقاحات، التى كانت تنقل مباشرة بواسطة الشحن الجوى من مصادرها الرئيسية فى الخارج الى الجماهيرية العظمى قبل فرض الحظر الجوى حسب ما تقتضيه مواصفات وتجهيزات وترتيبات خاصة حفاظا على جدوى فعالياتها وصلاحيتها ولضمان وصولها بشكل منتظم وبكميات كافية لسد الإحتياجات اللازمة فى الظروف العادية والطارئة” انتهت الفقرة الثالثة. هذا وقد أشارت المذكرة الى مالا يقل عن 3400 حالة وفاء أخرى سببها الحصار الذى أدى أيضا الى وفاة عدد كبير، لم تحدده الوثيقة، من “15750 حالة مرضية مستعصية عاجلة والتى يتعذر علاجها فى المستشفيات والمراكز الصحية المحلية مثل أمراض وجراحة القلب، جراحة المخ والأعصاب، كسور العمود الفقرى والقفص الصدرى والجمجمة، زرع النخاع الشوكى، زرع الكلى، الامراض السراطانية والأورام الخبيثة ….الخ” من الفقرة 1 من المذكرة.
هذه هي الاضرار الفادحة والآثار الجسيمة التى سببها الحصارللمرافق الصحية من مستشفيات وعيادات وأدوات طبية وأدوية فى الفترة التى سبقت وصول الممرضات البلغاريت والتى استمر تأثيرها فى التضاعف والتفاقم سنة بعد سنة الى حين رفع الحصار من طرف مجلس الأمن فى سنة 2002. وقد أشار التقرير الى مالا يقل عن 5049 حالة وفاة حصلت كلها قبل توظيف الطاقم ونسبت كلها لأثار الحصار وهي وفيات كان بالإمكان تجنبها إذن لوقام مسيري أجهزة الصحة بمسؤولياتهم واتخذوا التدابير اللازمة لإفشال آثار الحصار او على الأقل للحد من نتائجه الوخيمة على الصحة العامة مع العلم بأن قرارالحصار لم يأت فجاة ودون سابق إنذار وهو القرار الذى استغرقت مفاوضات إصداره أكثر من اربعة سنوات (1989 ـ 1993) وهو وقت كاف للإستعداد لمواجهة اي طارء مهما كان حجمه وخطورته. إنه من السهل توجيه الإتهامات الى الآخرين خاصة إذا كانت تلك الإتهامات تغطى عن نواقص خطيرة ومواطن ضعف أساسية فى آداء كبارالمسؤولين لواجباتهم الوظيفية حتى ولو كلفت تلك النواقص تعويضات مفرطة وخيالية لخزينة الدولة التى يهيمن على إدارتها شريحة كبار الموظفين.
الآن وقد انتهت محاكمة الطاقم الطبى وتقررت التعويضات تقترح الرابطة ان يتكون فريق عمل محايد للنظر فى ملف آداء القطاع الصحى فى فترة الحصار لشرح أسباب وفاة هذا العدد الهائل من المواطنين ـ 5049 وفاة ـ إضافة الى آلاف الوفيات التى حدثت فى الفترة من يناير 1996 والى حين رفع الحصار فى اكتوبر 2002 والتى لم نناقشها فى هذا البيان، .. بغية تحديد مسؤولية القائمين على ذلك القطاع فى تلك الوفيات وتعويض أقارب الضحايا، كل الضحايا، الذين قد يكون سوء آداء كبار الموظفين لواجباتهم الوظيفية سببا فى فقدان حياتهم. إن واجب الدولة الليبية الآن هو عدم إتاحة الفرصة للإفلات من العقاب لأي مسؤول أخل بواجبات وظيفته وانتهك القانون بالتسبب فى وفيات ليبيين تحت ستار الحصار. إن الدولة الآن مسؤولة عن تعويض كل المتضررين من الأعمال الناتجة عن سوء استعمال السلطة وانتهاك القانون ومحاكمة مرتكبي انتهتكات حقوق الإنسان محاكمة عادلة لتمكين الناس من التمتع بحقهم فى معرفة أحداث تلك الفترة على حقيقتها.
تنتهز الرابطة هذه المناسبة لتؤكد للضحايا، جميع الضحايا، وأقاربهم تضامنها التام معهم فى محنتهم آملين ان يلقى جميع من أسائوا الى الليبيين الأبرياء، أطفالا وشبابا وشيوخا فى بنغازى وفى جميع مدن وقرى ليبيا، محاكمة عادلة تمكن من اكتشاف الحقيقة كل الحقيقة ولا شيئ غير الحقيقة.
23 يوليو 2007
نددت الرابطة بالحصار فى البيان الذى أصدرته فى 23 مارس 1992 تحت عنوان: “لا للعقاب الجماعى للشعب الليبى”. كذلك و جهت الرابطة مذكرة الى الأمين العام للأمم المتحدة، فى 15 مارس 1995، من خمس صفحات بمناسبة الذكرى الثالثة لصدور قرار مجلس الأمن 748 تناولت فيها الإنتهاكات الجسيمة فى مجال حقوق الإنسان التى تسبب فيها الحصار وطالبت الأمين العام بالعمل الجاد من أجل رفعه وإنهائه لتمكين الشعب الليبى من التمتع بأبسط حقوقه الإقتصادية والإجتماعية.
يمكن الحصول على نسخة من مذكرة الحكومة الليبية المشار إليها فى هذا البيان والتى تشتمل على 21 صفحة بالكتابة الى الرابطة