19/6/2009

1. تتابع الرابطة الليبية لحقوق الإنسان الشكاوى القضائية العديدة التى قامت بتقديمها السفارات
الليبية (مكاتب الأخوة ومكاتب الصداقة) ، باسم العقيد القذافى، فى دول مختلفة تنتمى كلها الى مجموعة الدول النامية، ضد صحفيين وصحف تناولوا مواضيع فى صلب الشان العام الليبى والتى لا تسمح السلطات الليبية لأجهزة الإعلام الليبية المحلية بتناولها. ومن المعروف أن السلطات الليبية لا تحترم حق الليبيين غير القابل للتصرف فى التمتع بحرية الرأي والتعبير وبان الصحافة والصحفيين لا يتمتعوا بأي هامش من الإستقلالية ولا يخرج دورهم “الإعلامى” عن دائرة “إعلام السلطان” الذى يكرس معظم موارده فى مديح السلطان و”عبقرية السلطان” و”ذكاء السلطان” و”وسامة السلطان” وحتى فحولته. وتخشى الرابطة ان الهدف من كل هذه الشكاوى، سواء فى المغرب أو أوغندا أومن الشكاوى السابقة ضد صحف وصحفيين من الجزائر ومصر وكينيا .. أن يكون هدفها هو التضييق على حرية الصحافة واستقلالية الصحفيين فى هذه الدول والعمل على حرمان صحافتها ، أسوة بوضع الصحافة فى ليبيا، من الحرية الضرورية للقيام بعملها واداء رسالتها والتى من بينها تسليط الضوء على تصريف أعمال الدولة وتناول سلبيات الحكام باعتبار ان فضائلهم وإيجابياتهم هي من بديهيات عملهم وواجبات عليهم النهوض بها فى كل الأحوال. وقد نجح نظام العقيد القذافى خلال الأربعين سنة الماضية فى فرض نظام وصاية ورقابة شاملة على جميع وسائل الإعلام وعلى حرية الرأي والتعبيرفى ليبيا يخضع بمقتضاه جميع الصحفيين وأصحاب الرأي بلا استثناء الى رقابة صارمة ومستمرة. وهذا ما يفسر عدم وجود أي هامش حرية أواستقلال للمشهد الإعلامى الليبي وبأن النظام السياسى الليبى يعتبر من الأنظمة النادرة التى لا تعير حرية الصحافة وحرية الرأي والتعبير بصفة عامة أي اعتبار. وقد صنفت ليبيا سنة بعد سنة من طرف المنظمات المهنية المعروفة بنزاهتها مثل “مراسلون بلا حدود” من بين الدول العشرة الأخيرة من بين 174 دولة يشملها تصنيف هذه المنظمة التى لا تتمتع صحافتها بأي هامش حرية وقد وصف أحد تقارير هذه المنظمة النظام السياسى فى ليبيا على أنه “نظام افتراس (قتل) الصحافة”.

2. وتجدر الإشارة بأن أحدا لم يسمع بعد بتقديم السفارات الليبية ( مكاتب الصداقة) فى الدول الأوروبية وأمريكا الشمالية بشكاوى مثل تلك التى ينظر فيها القضاء المغربى والمقدمة من العقيد القذافى ضد ثلاث صحف مغربية وهي: ” المساء” و”الجريدة الأولى” و”الأحداث المغربية”، وضد أربعة صحفيين هم السادة رشيد نينى ويونس مسكين ومختار لغزيوى وعلى أنوزلا، بحجة القذف وإهانة العقيد القذافى، برغم أن ما تناوله صحفي المغرب وماينشر فى الصحف المغربية لا يقارن بما يكتب وينشرفى الصحف الغربية من مقالات وأعمال (مظاهرات) ونكت لا تخلو من الإهانة الحقيقية لسمعة العقيد القذافى وشخصه. ولمعرفة حدة انتقادات شخص وسياسة العقيد القذافى فما على القارئ إلا الرجوع الى الصحف الإيطالية التى غطت زيارة العقيد القذافى لإيطاليا (10 ـ 13 يونيو2009) للتأكد من الأوصاف التى وصف بها والتى لم تخلو من أوصاف شخصية مهينة لا تقارن بما كتبته الصحف المغربية، مثل وصفه ب”الدكتاتور” و”الإرهابى” وب”عدو الحرية وحقوق الإنسان” وب”حامل (جائزة) نوبل للإرهاب” وصفات أخرى مهينة. حتى السيد برلسكونى المضيف لم يتورع عن وصف العقيد القذافى بأوصاف لا تخلو من الإهانة حين سئل عن سبب إلغاء جلسة مجلس النواب المخصصة لاستقبال العقيد القذافى حيث رد حرفيا بأنه “تم التعامل مع معمر القذافي على انه ضيف مختلف، فالكل يعلم انه مختلف قليلا!”. وتبقى أكبر إهانة لاي شخص، العقيد القذافى او غيره، ان يطالب هذا الشخص الصحافة برد اعتباره مقابل مبلغ من المال لأننا نعتقد ان الكرامة ليست بالبضاعة التى تشترى وتباع وإنما هي جزء من الإنسان ووجوده التى يجب الدفاع عنها كلما تعرضت للإعتداء بالحجة والمنطق وبنفس الآلية التى استعملت فى العدوان عليها. إن مطالبة العقيد القذافى المحكمة بتعويض قدره حوالى ثمانية ملايين دولار لهو إهانة فى حد ذاته لان الكرامة لا يساويها ثمن وكان من الأجدر، لتجنب المزيد من الإهانات،ان يطلب من المحكمة إصدار حكم، إذا ما ثبتت الجريمة، فقط بإحترام وضمان الصحف المتورطة لحق العقيد القذافى فى الرد لتفنيد ماجاء فى المقالات المعترض عليها. ولنتذكر ان كثير من عظماء العالم تعرضوا للإهانة بسبب مقالات صحفية إلا انه لم يسبق ان طالب أحدهم بمبلغ مالى يفوق الدولار الواحد أوالجنيه الواحد أو الفرنك الواحد لإجبار الضرر المعنوي الذى لحق بهم رمزيا ولتثبيت حقهم فى الرد على المقالات التى لم تراعى الدقة أو الموضوعية.

3. تنتهز الرابطة الليبية لحقوق الإنسان هذه المناسبة لتوجه نداءا عاجلا الى العقيد القذافى لسحب جميع الشكاوى القضائية المقدمة ضد صحف وصحفيين فى جميع البلدان وخاصة فى المغرب وأوغندا لما تمثله هذه الشكاوى من خطورة على تمتع الشعب المغربى والأغندى بحقهم فى صحافة حرة وفى حرية الرأي والتعبير. وتطالب السلطات الليبية بإصدار بيانات رسمية تعلم فيها الليبيين أولا ثم الرأي العام الدولى بحيثيات هذه الشكاوى وخلفياتها والأهداف التى يراد تحقيقها من ورائها. إن الرابطة سوف تستمر فى النضال من أجل إرساء قواعد الحرية واحترام حقوق الإنسان فى ليبيا وهي تشجب كل محاولات الضغط والمساومة على حق الصحافة فى الحرية والإستقلال فى ليبيا و خارجها. إن لجوء الليبيين الى الإعلام الخارجى لاستقاء المعلومات المهمة عن الشأن العام الليبى هي نتييجة لسياسسة الدولة الإعلامية المبنية على حرمان المواطن من تلقى المعلومات وتناولها بحرية. وما كان مثلا المواطن الليبى ليعلم بموضوع هدية قدمت لملكة قبيلة أوغندية يقدر ثمنها ب 52 مليون دولار لو لم تثيرها صحيفة The Red Pepper الأوغندية فى عددها ليوم الإثنين الموافق 16 فبراير 2009. وهذا الموضوع لا يحتوى على اي إثارة حقيقية حيث انه من حق أي إنسان، بما فيهم الزعماء، ان يقدموا لأي إنسان آخر من مالهم الشخصى أية هدية وفى أي وقت. وقد كان بإمكان العقيد القذافى إصدار بيان يشرح فيه خلفية الموضوع إذا ما قدمت فعلا هدية ال52 مليون دولار أو يكذّب الخبر من أساسه دون الحاجة للجوء الى القضاء وتمويه الموضوع والإلتفاف على إصدار بلاغ نفي رسمى لتقديم الهدية أو ان الهدية قد دفعت من الأموال الخاصة للعقيد القدافى وليس لها علاقة بالدولة الليبية والمال العام.

4. تهيب الرابطة الليبية لحقوق الإنسان بقضاة المغرب ومحكمة “عين اسبع”، التى تنظر فى شكوى العقيد القذافى ضد الصحف والصحفيين الذين سبق ذكرهم، برفض الدعوى وإصدار حكم ببراءة الصحف والصحفيين. إن الدعوى لا تعدو كونها دعوة ضد حرية الرأي والتعبير التى تمثل الرغبة الحقيقية للإنسانية منذ بدء الخليقة وتود الرابطة التذكير، فى هذا الصدد بالمقولة الخالدة التى تقول ” إن لم يكن بوسع المرء أن يمتلك لسانه فإنه لن يكون بوسعه ربما ان يمتلك شيئا آخر”. ونضيف بأنه عندما لايستطيع الإنسان أن يكتب ويتكلم أو يمتلك حرية الرأي والتعبير لن يستطيع أن يمتلك أي شيئ وقد تبين من تجارب الشعوب أن عدم القدرة على رفع صوتها ضد القوة والغطرسة المادية والظواهرالسلبية وعدم احترام الرأي الآخر وتقبل الإختلاف ادى الى كوارث إنسانية لا زالت الشعوب تعانى من تداعياتها والتى نشهد احداها فى تقديم، دون خجل، صحف وصحفيين الى المحتاكمة بسبب آرائهم. إن حرية الصحافة فى المغرب هي من أجل الشعب المغربى أولا وأخيرا ويجب الدفاع عنها ضد كل محاولات الضغط والتشهير والإستفزاز التى تهدف الى التضييق عن حريتها والتحكم فى استقلاليتها. فحرية الصحافة ليست امتيازا للصحفيين وحدهم لكنها امتياز للجميع وعلامة على ممارسة الحق فى حرية الرأي والتعبير للمجتمع. إن مهمة الصحافة، كما سبق الإشارة إليها، هي إلقاء الضوء على السلبيات لأنّ الإيجابيات كما أسلفنا واجبات مفترض القيام بها ومستحقة الأداء. ومن هنا فإن الصحافة حين تتحدث عن السلبيات فإنها تتحدث عنها من منطلق ان من تتناول سلبياته قادر على إصلاح نفسه عن طريق المراجعة وإعادة النظر فى تلك السلبيات لا أن يحاول، كما تفعل السلطات الليبية، تعطيل مهمات الصحافة وإلغاء دورها. إن الصحافة لا تعدو كونها مرآة تعكس صورة وضع معين وليست صانعة لهذه الصورة أو متدخلة فى رسم تفاصلها.

5. تهيب الرابطة بصحافة المغرب والصحافة المغاربية والعربية والإفريقية المستقلة والصحافة فى العالم الديموقراطى بتكثيف تغطيتها للشأن العام فى ليبيا وبذل المزيد من الجهد لتسليط الضوء على القضايا الليبية التى لم تحظى حتى الآن بتغطية مهنية حقيقية من وسائل الإعلام الدولية والإعلام العربى المؤثر مثل قناة الجزيرة التى لا زالت مستمرة فى تغطية القضايا الليبية من منظور السلطة فقط فى حين تمارس تغطيتها للدول المغاربية الأخرى من منظور تغلب عليه وجهة نظر المعارضة فى تلك البلدان.