8/2/2010

1. تابعت الرابطة الليبية لحقوق الإنسان مداخلة العقيد القذافى المفاجئة امام “مؤتمر الشعب العام” يوم الخميس ٢٨ يناير ٢٠١٠ والتى أعلن خلالها، ضمن ما اعلنه قرارره الإبقاء رهن الإعتقال، فى سجون خاصة بالمبّرئين قضائيا تابعة الى الأجهزة الامنية، على أكثر من ٣٠٠ سجين رأي برّأت المحاكم الليبية عددا كبيرا منهم وانهى البقية مدد عقوبتهم. ويبدو ان العقيد القذافى قرر مخاطبة “المؤتمر” عقب إطلاعه على مداخلة من وزير العدل، المستشار مصطفى عبد الجليل، طالب فيها المؤتمر بإعفائه من منصبه لكونه غير قادر على القيام بمهامه الوظيفية، خاصة تلك االمتعلقة بمسؤوليات وواجبات وزارة العدل في إرساء دعائم العدالة وإحقاق الحق. وقد علل الوزير ذلك “بعدم قدرة اللجنة الشعبية العامة للعدل على تنفيذ أحكام صدرت بالبراءة من أعلى المحاكم الليبية بحق 300 مواطن ليبي لا يزالوا يقبعون في السجن (…) وصدور أحكام بالإعدام في جرائم قتل تم الافراج عن الجناة دون موافقة ولي الدم”، اي اهل الضحايا والتى اعتبرها الوزير تدخلا غير مبرر فى شؤون القضاء وتجاوزات لا بمكن قبولها كونها تمس جوهر مهمة ورسالة وزارته. وقد تميزت مداخلة الوزير بالطابع القانونى والقضائى واجتناب اللجوء الى اللغة الخشبية فى مخاطبته الى أعضاء “المؤتمر”.

٢. وقد اعتبر العقيد القذافى فى الجزء من مداخلته الذى خصصه للتعليق على ماورد على لسان وزير العدل بان كلام الوزير “سليم ، ومن حقه، لكن في غير محله”. واضاف العقيد القذافي ان السجناء “الذين قال أمين اللجنة الشعبية العامة للعدل {وزير العدل} عنهم أنهم أنهوا المدة ولم يتم إطلاق سراحهم، بعد أن استفسرت، وجدت أن هؤلاء الناس من الزنادقة الإرهابيين (..) تقريبا كلهم تبع القاعدة، تبع بن لادن والظواهري، وقاموا بعمليات قتل لعدد من الليبيين شرطة ومدنيين”. واعتبر العقيد القذافي ان هؤلاء السجناء “خطرون لا تنطبق عليهم نصوص القانون. فمن سيتحمل مسؤولية الافراج عنهم”. وأشار العقيد القذافي ان المحكومين بالاعدام هم تسعة كان اصدر هو نفسه عفوا عنهم. وقال “انها حالات دفاع مشروع عن النفس في جرائم شرف”. واضاف “ينبغي تغيير القوانين. لا يمكن ان ندين احدا بالاعدام لانه قتل دفاعا عن حياته وشرفه”. هذا أهم ما جاء فى تعليق العقيد القذافى على كلام المستشار مصطفى عبد الجليل وهو تعليق، اقل ما يمكن القول فيه انه غير دقيق. فمثلا عند الإشارة الى انخراط هذه المجموعة فى صفوف القاعدة لم يأت العقيد القذافى بجديد لان كل الناس تعرف ان تهمة الإنتماء الى القاعدة هي التهمة الأساسة التى وجهت الى اغلب افراد هذه المجموعة والتى من اجلها قدموا الى المحاكمة وصدر ضد افرادها احكاما قضائية بعقوبات مختلفة، بناء على تحقيقات اجرتها الأجهوة الأمنية معهم وأيضا القضاء . كذلك فإن القول ان هؤلاء المساجين “قاموا بعمليات قتل لعدد من الليبيين شرطة ومدنيين” فهو شيء مهم ان يعرفه الرأي العام، إلا انه ليس من مهام الاجهزة الامنية ولا من اختصاصها ان تقررسجن أو طرق معاقبة من قاموا بهذا العمل مهما كانت درجة خطورته لأن هذه المهام تقع فى صلب اختصاص القضاء الذى وحده له حق البث فى جميع انتهاكات القانون، بدون استثناء،و اصدار الأحكام المناسبة ضد مرتكبيها. أما أجهزة الأمن فتقتصر مهامها فى ميدان القضاء على تنفيذ الأحكام الصادرة من المحاكم و تحت إشرافها وهي لا تتمتع بحق الطعن فى مايصدر عنها او “حق فيتو” على احكامها وإلا ما لزوم القضاء أصلا!. هذا هو باختصار الإشكال القانونى الذى يتوجب حله عن طريق إخلاء سبيل هذه المجموعة من سجناء الرأي من قبضة الأجهزة الأمنية ووضع جميع السجون تحت الإشراف القضائى العادل وحث وتذكير اجهزة الدولة بوجوب تقيدها بالقانون عند تأديتها لمهامها والقيام بواجباتها فى نطاق القانون وليس على حساب القانون.

٣. تخشى الرابطة ان يتطور النقاش الدائر الآن حول مهام الأجهزة الأمنية وتغوّلها على حساب جهاز القضاء و تهميشه، باسم الامن والإستقرار والسلم المدنى و ان يؤدى الى الإنقضاض على ما تبقى من دولة القانون واستبدالها كلية بدولة اجهزة الأمن التى تبدو هذه الأيام وكأنها أكثر تناغما وانسجاما، خارج نطاق القانون طبعا، مع رغبات اصحاب القرار فى الدولة. وتخشى الرابطة كذلك أن يؤدى هذا التغول وهذا التناغم، فى ظل الغياب التام للرقابة القضائية المستقلة، الى المزيد من الإنتهاكات على طريقة الإبقاء عن المزيد من المبرئين قضائيا داخل سجون تابعة لأجهزة الامن من جهة والى مزيد من عدم الإستقرار فى صفوف المواطنين نتيجة الإحساس بعدم الإطمئنان من جهة اخرى وهي الوصفة المثلى لاندلاع العنف وعدم الإستقرار وهما العاملان الأساسيان اللذان سوف تستعملهما الأجهزة الأمنية، إذا ما سمح لها بالإستمرار فى انتهاك القانون، لتعزيز مكانتها السياسية وفرض شروطها ليس على القضاء فحسب بل ايضا على القيادة السياسية برمتها. ولابد ان نتذكر دائما أن الأجهوة الامنية فى الدول ذات الأنظمة السياسية غير الديموقرطية تستمد قوتها أساسا من عدم الإستقرار ومن الإستبداد ومن إضعاف دولة الحق والقانون وتهميشها. فمتى اتسع هامش عدم الإستقرار واستبعد القانون تعززت سلطة الاجهزة الأمنية داخل هياكل الدولة الشمولية وقويت هيمنتها. وفى المقابل فان أكثر ما تخشاه الأجهزة الامنية فى الدول غير الديموقراطية هو إعادة الهيبة للقضاء والإعتبار لاحترام القانون وحقوق الإنسان والعمل على إرساء قواعد دولة الحق والقانون. وهي كلها عوامل تتناقض مع كثير مما تقوم به هذه الأجهزة مثل التصفيات الجسدية ومراقبة وملاحقة الخصوم السياسيين و الإعتقال خارج نطاق القانون وتعذيب المساجين والتجسس على المواطنين ومراقبة حركاتهم والقيام باعمال غير مشروعة أخرى مثل نشر الفساد المالى والإدارى والأخلاقى لا تقرها حتى” المقولات الثورية” للنظام.

٤. لقد ان الأوان ان تتخذ الدولة الإجراءات المناسبة للحد من انفلات سلطة الاجهزة الأمنية وتغولها داخل المجتمع وجعلها تقوم بمسؤولياتها وواجباتها الوطنية دون الإخلال بمبدأ الحرية والممارسة الديموقراطية وإلزامهابالتقيد خلال قيامها بواجباتها باحترام القانون وتنفيذ الإختصاصات الأمنية بشكل مقبول وعدم الإعتداء على حرية الفرد واحترام حقوق الإنسان “إذا ما اريد للبشر الا يضطروا آخر الأمر الى اللجوء الى التمرد على الطغان والإضطهاد”(من الإعلان العالمى لحقوق الإنسان). ان العلاقة بين حقوق الإنسان والامن هي علاقة متشابكة. فتعزيز احترام حقوق الإنسان يعني فى الأساس تطبيق واحترام القانون وتوسيع هامش الحرية في جميع الميادين وتعزيز ثقافة التسامح واحترام الرأي الاخر، والتداول السلمي للسلطة، والبناء والاعمار والرفاهية وهي ايضا عوامل أساسية فى تعزيز أمن المواطن واستقرار الدولة وانخفاض الجريمة بجميع أنواعها. ولا يساور الرابطة شك فى أنه فى حالة ما إذا أعمل العقل والحكمة والقانون فى أعمال وتحركات أجهزة الأمن في آدائها لمهامها فسوف تتضائل آنذاك احتمالات التناقض بين الأمن واحترام حقوق الإنسان والعدل بصفة عامة. وسوف يتلاشى هذا التناقض كلية حين تفرض الدولة على الجميع رقابة إدارية وقانونية وإعلامية شفافة وإلزام أجهزة الأمن بممارسة مهامها القانوينة، التى لا يمكن لاي دولة عصرية الإستغناء عنها، في إطار القانون واالعدل والحرية واحترام حقوق الإنسان تحقيقا لمصالح الليبيين العليا ومن أجل وضع ليبيا علىي الطريق الصحيح نحو الأمن والاستقرارالحقيقى والرقي والتقدم والتى تجعل فى النهاية من اي ازدهار للأجهزة الامنية ازدهارا للقانون والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان.

الرابطة الليبية لحقوق الإنسان
allibyah@yahoo.com