22/6/2005

فوجئنا نحن المراقبين لقضية العالِـمَينِ الجليلَين/ يحيى حسين الديلمي ومحمد أحمد مفتاح بمسمى الأحكام الجائرة الظالمة التي صدرت يوم الأحد 19 ربيع الثاني -الموافق 29/5/2005م ضدهما بإعدام العلامة/ يحيى حسين الديلمي، وسجن العلامة/ محمد أحمد مفتاح ثمان سنوات من قبل ما تُسمى بالمحكمة الجزائية المتخصصة بالعاصمة صنعاء فـلم يكن ذلك الحُكمُ مُتوقـََّعاً بالرغم من طبيعة الهيئة التي أصدرته والغاية من إنشائها والظروف الخاصة بالعالِـمَينِ الجليلين وسلسلة الممارسات والإنتهاكات غير الإنسانية التي مورست ضد حقوقهما وحرياتهما ابتداءً من:

– جريمة القبض بغير وجه قانوني ودون مسوِّغ أو إشعار سابق في شهر سبتمبر وأخذهما إلى أماكن مجهولة لإخفائهما قسراً عن أسرهما وعزلهما وعدم السماح لهما بالإلتقاء بمحاميهما أو الإتصال بهما وعدم ومواجهتهما أو إحاطتهما بالسبب وراء كل ما يواجهانه، وقد استمر حجزهما دون مسوِّغ قانوني ودون الإحالة إلى جهة قضائية حتى منتصف شهر نوفمبر 2004م، وفي هذا كله انتهاك لنصوص المواد (7 ، 9 ، 17) من العهد الدولي والحقوق السياسية والمدنية والمواد (9 ، 12) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.

2- بعد أن أُحيلا إلى النيابة لم يتغيرْ في الوضع شيء ولم تقم النيابة بما هو لازم عليها إزاء تلك الجرائم والانتهاكات بحقوقهما وحرياتهما رغم تقدُّمُ أسرهما بدعاوى أمام مكتب النائب العام يطلبون فيها الانصاف ومحاسبة مرتكبي تلك الانتهاكات بحقهما، ويعتبر ذلك مخالفة لما تقتضيه عليهم واجبات وظائفهم ومخالفة لأحكام الدستور والقانون وانتهاكاً للمواد (2 ، 17) من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية والمواد (7 ، 8) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمواد (12 ، 13، 14، 16) من قرار الأمم المتحدة بشأن المبادئ التوجيهية لأعضاء النيابة، كما أن النيابة في ما اتخذته لم توفر أيَّ معيار من المعايير الدولية فلم تـُتح لهما أيةَ فرصة للدفاع ولم تتم المواجهة وتعمدت المراوغة والإغفال للدفاع والتعتيم عليه.

3- قدمت النيابة لائحة إتهام مفتقرة إلى المشروعية في مزعوم التهم المقدمة بالنسبة للنصوص التي قدمتها، فـالنصوصُ التي أُسندتْ إلى اللائحة لا تـُجرِّمُ ما نسبته النيابة إليهما كوقائع للدعوى في اللائحة المنسوبة إليهما، وتعد انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية في جميع العهود والاتفاقيات الدولية وخاصة في العهد السياسي للحقوق السياسية والمدنية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وإعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان.

كما أنها ألغازٌ مجهولةٌ لم يتم تبيينُ الأفعال بوضوح وقائع الاتهام مع بقية الركن المادي وبقية الأركان كما ينص قانون الإجراءات الجزائية، وقد استندت على نتائج الجرائم والانتهاكات بالحقوق الإنسانية والحريات الأساسية لهما المذكورة أعلاه في البند (1) وإلى الأشياء المنهوبة -نتيجة اقتحام مساكنهما وتفتيشها بطريقة غير قانونية ومجرَّمة وفقاً للدستور والقانون اليمني، كما يعد مساساً بحرمة حياتهما الخاصة وبقية أفراد أسرتيهما تحت قوة السلاح- واعتبرتها مزعوم أدلة، أضف إلى ذلك ما تدعيه أسرتا العالِـمَينِ في الشكاوى المقدمة منهم للنيابة العامة من حصول التزوير والتحريف لها أيضاً.

4- قامت النيابة بتقديم اللائحة المنسوبة إليهما أمام محكمة استثنائية وهي ما تسمى بالمحكمة الجزائية المتخصصة التي نشأت بالمخالفة للدستور والقانون فـهي محاكمُ استثنائيةٌ ونسخةُ جديدةُ من محاكم أمن الدولة!، والدستور اليمني ومعه القانون يمنعا قطعياً إنشاء مثل هذه المحاكم أياً كانت التسمية، كما أن النظر في الحكم الصادر في هذه القضية والإجراءات التي اُتبعت يؤكدان بوضوح لا لبس فيه الطابعَ الاستثنائيَّ لهذا النوع من المحاكم، وبما أن هذه المحاكمَ تفتقدُ الشرعيةَ!، فمن الطبيعي أن تأتي أحكامُها على هذا النحو المضاد للشرعية، وهي معروفة في ممارسة مهامها بانتهاك حقوق الدفاع ومبادئ وضمانات التقاضي، ولا تتوفر فيها أدنى المعايير الدولية للقضاء.

5- إن الوقائع المنسوبة إليهما في لائحة الإتهام هي من صلب الحقوق الإنسانية والحريات الأساسية المكفولة بالعهود والاتفاقيات الدولية، ومن ضمنها الحق في التجمع وتكوين الجمعيات والحق في تعزيز الحقوق والحريات وامتلاك وتبادل المعلومات عنها والتي تكفل تعزيزها وإنتشارها وحمايتها، وكذا الحق في العمل من أجل حماية تلك الحقوق واتخاذ المواقف التي تكفل وقف انتهاكها في إطار القانون (كالإعتصام الذي زمعا إقامته دعوة إلى إيقاف الإنتهاك بحق الإنسان في الحياة والأمان الشخصي المتمثل فيما كان يحصل في صعدة)، والذي يعتبر واجباً شرعياً وإنسانياً وفقاً لإعلان حماية المدافعين عن حقوق الإنسان وفي الحد الأدنى تعبير عن الرأي وهذا يعد خرقاً لكل المواثيق الدولية وعلى وجه الخصوص المنصوص عليها في المادة (14) من العهد الدولي والمادة (10) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وأحكام مواد مبادئ الأمم المتحدة بشأن استقلال القضاء.

6- كانت المحاكمة جائرة ولم تراعِ أدنى المعايير الدولية فقد جردت المحكمة العالِـمَينِ الجليلين من وسائل الدفاع المكفولة لهما دستورياً وقانونياً، فلم يتم إعلام العالِـمَينِ بمزعوم التهمة تفصيلاً، ولم تقدمْ للدفاع أيةُ تسهيلات بل بالعكس تمت إعاقةُ هيئة الدفاع، والتضييقُ على هيئة المحامين المدافعين عنهما، وشلُّ حركة الدفاع بعدم تمكينها حتى من أبجديات المتطلبات الأساسية التي تمكنها من أداء واجباتها في الدفاع واللازمة لهم بحكم طبيعة مهنتهم ووفقاً للقانون

حيث امتنعت هيئة الحكم تلك على سبيل المثال من تمكينهم صورةً من الأوراق وهو ما ظلت المحكمة طوال جلساتها مترددة إزاء هذا الطلب فقط، مما حََمَلَ الهيئةَ على الانسحاب من القضية بعد أن تبين لها أن استمرارَها حضورَ المحاكمة غيرُ ذي جدوى ولن يخدمَ العدالةَ وإنما على العكس يضفي طابعاً شرعياً لإجراءات مُحاكمة تفتقرُ لأبسط حُقوق الدفاع المكفولة له في الشرائع المتمدنة!، وعلى الخصوص الدستور والقوانين اليمنية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان..الخ.

7- سارت هيئة الحكم تلك في جانب واحد هو جانب الادعاء وبدون حضور الدفاع أو حتى العالِـمَينِ الذَين كان يتم استبعادهما وإخراجهما حتى من قاعة الجلسات أمام إصرارهما على احتجاجهما واعتراضهما على الممارسات اللاشرعية واللاقانونية واللاإنسانية، ولحرمانهما من أية فرصة للدفاع، ورفض طلبهما بالتأجيل حتى حضور هيئة الدفاع المختارة من قبلهما، وأخيراً تم تعيين شخص غير معني لدور المحامي -الدفاع- لم يختارْه العالمان وقد فـُرضَ عليهما رغم احتجاجهما الذي وصل إلى حد إضرابهما عن الطعام، والذي أدَّى إلى التوجيه بتعذيبهما من خلال وضعهما في مكان غير لائق وغير مناسب للاستخدام الإنساني وحرمانهما من حق الزيارة أو الإلتقاء بأحد من أقاربهما أو أصدقائهما

وقد وصل الأمر إلى حد معاقبة أفراد أسرهما واحتجاز حرياتهم وعدم إخلاء سبيلهم إلا بعد إكراههم على تحرير مستندات كتابية منهم تضمنت مزعوم التزام بعدم حضور جلسات المحاكمة، وفي هذا ما يعد إخلالاً بمبدأ العلنية أيضاً ومخالفةً لأحكام الدستور والقانون وانتهاكاً للمادة (14) الفقرة (د) من العهد الدولي للحقوق السياسية والمدنية وكذا المواد السابقة الإشارة إليها، كما أن الأمر قد وصل مداه حين تم الإعتداء على جمهور المتضامنين، وذلك بتوجيه الشتائم وحجز حرياتهم وإطلاق النار لترويعهم، ومنعهم من حضور الجلسات، ومن أكثر ما يُستنكَرُ على مَن أصدرَ الحُكمَ ويُعدُّ شاهداً على بُطلان إجراءاته هو إلغاءُ تنصيب العزاني، وعدمُ الإلتفات إلى ما طرحه كزعوم دفاع دليلٌ قاطعٌ على أن هذه الأحكامَ في جانب واحد!!، حيث ينعدم أي دور لطرف الدفاع، وأنها صدرت في حالة امتعاض من هيئة الحكم لتمسك العالِـمَينِ بحقوقهما في حرية الدفاع واعتراضهما وعدم قبولهما للدور الصوري الذي كانت تريد المحكمة فرضه عليهما، وما هذه الأحكام إلا رداً منها على مواقفهما تلك وهنا يظهر بجلاء عدمُ الحياد.

8- كان العالِـمَانِ قد أصدرا بياناً سلَّما منه نسخةً إلى المحكمة ضمنته في محضرها تقدما فيه بالدعاوي في الجرائم والانتهاكات التي اُقترفت في حقهما وحق أسرتيهما والذي جاء فيه ان تلك الجرائم والانتهاكات لحقوقهما الانسانية وحريتهما الأساسية ثابتة في الأوراق التي بين يدي تلك الهيئة وأن امتناعها بناءً على إصرار النيابة على عدم تمكينها حقوقهما وخاصة حقهما في صورة من الأوراق هو لعدم فضح وكشف تلك الجرائم وكذا ما تضمنه احتجاجهما على الانتهاكات للمبادئ والمعايير اللازمة للقضاء والتقاضي فيما تتخذه هيئة الحكم تلك يدل على أنها مكلفة تكليفاً، وأن الحكمَ معدُّ مُسبقاً.

9- إن هذه الحقائق من خلال متابعتنا وتقصينا للقضية وميدانياً كمدافعين عن حقوق الإنسان رأينا ذلك واجباً علينا إزاءها، وتجاوباً مع الإستغاثات الإنسانية للعالِـمَينِ التي منها إضرابهما عن الطعام والبيانات الصادرة عن أسرتيهما والمتضامنين، ونتوجه بهذا البيان أساساً إلى الرأي العام اليمني لنوقفه على الحقيقة المخيفة عنه والكامنة وراء النتائج الظالمة التي وصل إليها الحكم الوحش في حق العالِـمَينِ والقضاء اليمني والمجتمع اليمني والإنساني كافة

ويتوجهون به كذلك إلى الرأي العام الخارجي وبالخصوص الهيئات والمنظمات المحلية والإقليمية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان، ونتعشم العناية بهذه القضية لما تنطوي عليه من انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان.. ونأمل التحرك العاجل للإفراج عن سجينـَي الرأي واتخاذ الإجراءات اللازمة للتحقيق مع كل من اقترف تلك الانتهاكات والتعويض العادل لهما ولأسرتيهما عن الأضرار التي لحقت بهم.. من بعض الأفراد المدافعين عن حُقوق الإنسان وحرياته الأساسية.