3/12/2007
ما ان انتهى الصخب الإعلامي الذي واكب لقاء انابوليس حتى بدأ الساسة الاسرائيليون يتنصلون مما قرأه وأعلنه الرئيس الأميركي جورج بوش، وعلى رأسهم ايهود اولمرت الذي سارع الى مقابلة صحيفة معاريف الاسرائيلية ليصرح لها بأنه لم يقدم أية تنازلات خلال ذلك اللقاء الدولي.
ومن بين ما قاله اولمرت للصحيفة المذكورة أنه “منذ كانون الاول 2003 قلت اننا سنفقد امكانية وجود الدولتين اذا لم نفعل شيئا وسنصبح دولة ابرتهايد، حيث ستكون المنظمات اليهودية في امريكا أول من يكافح ضد وجودنا.” لكنه استدرك قائلا “أنا لم أتنازل عن أي شيء في الوقت الحالي.” وأكد في المقابلة على المفاوضات المباشرة مع الجانب الفلسطيني والتأكيد ان مرجعية خارطة الطريق ورسالة لشارون، وليست المرجعية الدولية.
وبعض انفضاض انابوليس فسرعان ما زادت ضغوط جيش الاحتلال الاسرائيلي على رئيس الوزراء لاعطاء الضوء الأخضر لشن عملية عسكرية كبيرة في قطاع غزة للقضاء على ما يسمونه بالبنية التحتية للفصائل المناهضة للاحتلال. هذا مع العلم ان وزير الدفاع الاسرائيلي ايهود باراك يتوقع بأن يقوم اولمرت بتلك المغامرة للتغطية على ما سينشر في تقرير فينوغراد خلال الأيام القليلة القادمة. ولا يغيب عن بالنا ان الوزير أفيغدور ليبرمان من قائمة اسرائيل بيتنا، قد هدد بالانسحاب من الحكومة الاسرائيلية اذا لم يقم الجيش بعملية واسعة في القطاع لوضع حد لاطلاق صواريخ القسام باتجاه مدينة سديروت وفيما اذا قدم اولمرت ما أسماه تنازلات للفلسطينيين وبخاصة في مدينة القدس المحتلة.
وخلال الاجتماع الحكومي الاسرائيلي، نفى أولمرت أن تكون نهاية 2008 موعدا نهائيا للتوصل الى اتفاق سلام مع الفلسطينيين. وقال “قطعاً ليس هناك التزام بجدول زمني نهائي لهذه الـمفاوضات”. وشدد قائلا بأن اسرائيل لن تحترم الالتزامات الواردة في “خريطة الطريق”، خطة السلام الدولية التي يفترض ان تشكل اساسا للـمفاوضات، الا اذا “احترم الفلسطينيون التزاماتهم كاملة”. وقال: أهم شيء في البيان المشترك هو… أن أي اتفاق نتوصل اليه في المستقبل سيعتمد على الوفاء بكل الالتزامات المنصوص عليها في خارطة الطريق… وبمعنى آخر، لن يكون على اسرائيل الوفاء بأي التزام ينبثق عن الاتفاق قبل تنفيذ كل بنود خارطة الطريق.
أي أن اولـمرت أراد القول أن إحراز أي تقدم في الـمفاوضات يتعلق حكماً بتطور الاوضاع في قطاع غزة. وبحسب رئيس الوزراء، فإن على الفلسطينيين منع اطلاق الصواريخ من قطاع غزة على اسرائيل حتى يتم احترام الـمرحلة الاولى من “خريطة الطريق”.
هذا في حين أن وزيرة الخارجية تسيبي ليفني قالت في تصريح للاذاعة العسكرية أن “ما لـم يبحث في انابوليس اهم مما تم بحثه” مشيرة الى أن هذا الاجتماع “لا يقيد يد اسرائيل فيما يتعلق بالـمسائل الاساسية الـمطروحة”.
هذا ناهيكم عن النجاح الاسرائيلي بتحييد دور الأمم الـمتحدة، بعد الضغط لاجبار الولايات المتحدة على سحب مشروع قرار تقدمت به الى مجلس الأمن لغرض دعم القرارات التي تم اتخاذها في انابوليس، حيث أن اسرائيل تخشى أن ترغم على تطبيق تعهداتها في انابوليس.
وإن أفرجت قوات الاحتلال عن 429 أسيرا من بين 11 الفا معتقلين لديها، تبقى هذه الخطوة قزمة لا تستحق الثناء والتقدير كون الاحتلال يواصل عملية الاعتقالات وإنه في بضعة أيام يستطيع اعتقال اضعاف ما أطلق سراحهم. هذا، بخلاف تراجع الحكومة الاسرائيلية عن امداد أجهزة امن السلطة بالمصفحات الروسية وعدم إزالة والتلكؤ في تجميد الاستيطان وحتى رفض مقترح باراك بتقديم تعويضات مالية للمستوطنين الذين يخلون طوعا من المستوطنات الواقعة خارج الجدار في الضفة الغربية، فكلها دلائل على ان الوقت ما زال مبكرا للحديث عن احراز تقدم حقيقي او اختراقة تفاوضية في عملية السلام.
وما يزال طريق السلام بعيدا عن المنطقة، وأبعد ما يكون عن الاسرائيليين الذين ما زالوا يؤمنون بالتنكر لحقوق الشعب العربي الفلسطيني بالتخلص من الاحتلال. وما زالت عقلية الاحتلال والاستيطان والقمع والقهر للشعب الفلسطيني هي السائدة في اوساط الاسرائيليين الذين يعتقدون أنهم بذلك يحققون الأمن والأمان.