7/1/2008

من المتوقع أن يبدأ الرئيس الأميركي جورج بوش جولته في المنطقة في التاسع من الشهر الجاري بزيارة الى إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث سيلتقي خلالها الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود اولمرت كل على انفراد. وهناك حديث عن نيته عقد لقاء ثلاثي يجمع المسؤولين الثلاثة، وذلك لاعطاء الزخم لعملية المفاوضات بخاصة بعد مؤتمر انابوليس. وقبل مجيئه الى المنطقة، التقى الرئيس بوش مجموعة من الصحافيين العرب في واشنطن، حيث أكد لهم بأنه سيجري محادثات حول ثلاث قضايا أساسيا تتمحور حول التزام الولايات المتحدة بعملية السلام، والتزامه الشخصي بتلك العملية، اضافة الى تشجيع الاسرائيليين والفلسطينيين على وضع رؤية حول شكل الدولة الفلسطينية المستقبلية. وكان بوش قد أعرب عن تفاؤله البالغ من ان الطرفين سيتمكنان من الوصول الى تلك الرؤية قبل نهاية ولايته.

وهناك من يعلق آمال كبيرة على تلك الزيارة التي يعتقد انها ستعطي دفعة لعملية المفاوضات، وبخاصة بعد ان اتفق الجانبان الفلسطيني والاسرائيلي على تشكيل اللجان لمفاوضات الوضع النهائي التي ستبدأ عقب مغادرة الرئيس الأميركي للمنطقة. لكن هذا التفاؤل يتعارض مع حقيقة ما يجري على الأرض من سباق محموم مع الزمن في أعمال البناء الاستيطاني والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية لغرض التوسع في بناء المستوطنات واقامة الجديد منها، والذي يتزامن مع التصعيد في أعمال القتل للفلسطينيين والاجتياحات والتدمير والخراب في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.

وكان بوش قد أعلن ان الهدف من زيارته العمل على احتواء النفوذ الإيراني وطمأنة حلفاء أميركا في المنطقة بأن الولايات المتحدة عاقدة العزم على تشجيع الأطراف على التقدم في عملية السلام. وخلال زيارته الى المنطقة، لن يزور سوريا التي لها دور محوري. وعليه، سيقتصر في جهود “السلمية” على المسار الفلسطيني الاسرائيلي والتصدي للنفوذ الايراني. غير ان طبيعة القضية الفلسطينية التي تتداخل فيها العديد من الأطراف الإقليمية، شأنها شأن القضية اللبنانية، لن يكتب النجاح لأي تقدم فيها اذا تم استبعاد اللاعبين الأساسيين في المنطقة، وبخاصة اذا صدقت النوايا لاقامة السلام الشامل والدائم في المنطقة بأسرها وبخاصة بعد حالات الانقسام الداخلي الذي تشهده القضيتين.

كما أن بوش يأتي الى المنطقة بعد ان أكد عام 2004 لشارون بأنه يوافق لاسرائيل على عدم الانسحاب الى حدود العام 67 والموافقة على ضم الكتل الاستيطانية الكبرى الى اسرائيل وعدم القبول بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى أراضيهم التي هجروا وشردوا منها. هذا في حين يتوقع ان تطالب اسرائيل من الرئيس بوش بأن يوافق لها على ان تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح وأن يسمح لها بالسيطرة على اجوائها ومعابرها، أي بمعنى آخر أن تتحول الأراضي الفلسطينية الى كيان مجرد من السيادة وحتى وإن سمي دولة.

وتأتي الزيارة في ظل التهديدات التي يطلقها اليمين العنصري في اسرائيل المتمثل بحزب (اسرائيل بيتنا) الذي يرأسه المأفون ليبرمان بالانسحاب من الحكومة إذا ما باشر اولمرت مفاوضات الحل النهائي، وفي ظل استصدار قوانين في الكنيست تقوض اي انسحاب اسرائيلي من القدس المحتلة ومن غور الأردن، وفي ظل احتمال اللجوء الى انتخابات مبكرة في ضوء نشر تقرير لجنة فينوغراد نهاية الشهر الحالي، مما يعني تأجيل الحديث مع الفلسطينيين حول دولتهم لمزيد من الوقت يتوقع ان يستثمر في تصعيد البناء الاستيطاني لخلق المزيد من الحقائق على الأرض التي تقضي على حل الدولتين وتقوض إقامة اي دولة فلسطينية قابلة للحياة.

ولا يغيب عن بالنا، ان بوش وخلال زيارته الحالية لن يبادر الى ممارسة أية ضغوط على الحكومة الاسرائيلية لوقف انشطتها الاستيطانية او للكف عن ممارساتها الاحتلالية ضد أبناء الشعب الفلسطينية، مما يوحي بأن الزيارة تأتي لتجميل صورته من خلال الإيهام بأنه رجل سلام وليس رجل حروب، ورط أميركا في عدة حروب اساءت الى المجتمع الأميركي. وأنها تأتي لاعطاء دفعة للحزب الجمهوري الذي ينتمي اليه الرئيس حتى يحسن من حظوظه في الانتخابات الأميركية الرئاسية القادمة، بخاصة بعد تراجع شعبيته امام الحزب الديمقراطي حسب إستطلاعات الرأي.

وعليه، فلا يتوقع ان تحدث الزيارة اي اختراقة حقيقية وجوهرية على صعيد انهاء معاناة ابناء الشعب الفلسطيني ووقف الجرائم اليومية التي ترتكب بحقه ولن تتعدى كونها جزء من حملة علاقات عامة تستهدف تجميل صورة الإدارة الحالية التي جلبت الويلات والنكسات والتي فشلت في احداث اي انجاز تستحق الثناء عليه