22/01/2008
في جلستها الاسبوعية المنعقدة في العشرين من كانون ثاني قررت حكومة الإحتلال الإسرائيلي تشديد الحصار على قطاع غزة وإغلاق جميع معابره مما ادى الى خلق ازمة غذاء وطعام ووقود ما أنذر بوقوع كارثة انسانية تمثلت في استشهاد العشرات جراء الحرمان من العلاج الطبي وغرق غزة في ظلام دامس وبروز ازمة وقود حادة أثرت على ضخ المياه وتصريف مياه الصرف الصحي وغيرها من القضايا المعيشية اليومية، ناهيكم عن توقف تدفق مواد الإغاثة التي يعتاش عليها 80% من اجمالي سكان القطاع البالغ ما يراوح المليون ونصف مليون فلسطيني.
وكانت حكومة الاحتلال قد مهدت لحصارها وحربها على غزة بإعلانه القطاع كيانا معاديا خلال جلسة المجلس الوزاري المصغر بتاريخ 19/9/2007، مما يعني التوقف عن تزويده بالكهرباء والغذاء والماء والأموال ومنع سفر المواطنين وغيرها من الاجراءات والممارسات الواجب على القوة المحتلة توفيرها للشعب الخاضع للاحتلال كما تنص عليه الوثائق والمعاهدات الدولية.
ونذكر ان من بين واجبات أي قوة محتلة العمل على:-
- تجميع الجرحى والمرضى والغرقى وتقديم الرعاية لهم دون تمييز وبغض النظر عن الطرف الذي ينتمون إليه (المادة 16 وما يليها من اتفاقية جنيف الرابعة).
- معاملة الأشخاص الموجودين تحت سيطرتها معاملة إنسانية (المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة).
- عدم إرغام الأشخاص المحميين على الخدمة في قواتها المسلحة (المادة 51 من اتفاقية جنيف الرابعة).
- ضمان الإمدادات الغذائية والطبية للسكان (المادتان 56 – 57 من اتفاقية جنيف الرابعة).
- الموافقة على عمليات الإغاثة لصالح سكان الأرض المحتلة إذا كان السكان كلهم أو قسم منهم لا تصلهم المؤن الكافية (المادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة) ويمكن أن تقوم بهذه العمليات اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو الدول أو المنظمات غير الحكومية غير المتحيزة.
- توزيع شحنات الإغاثة على سكان الأرض المحتلة دون تحويل مسارها أو مصادرتها لصالحها (المادة 60 من اتفاقية جنيف الرابعة).
- السماح للجمعية الوطنية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر بمواصلة أنشطتها بما يتفق مع مبادئ الحركة الدولية (المادة 63 من اتفاقية جنيف الرابعة).
- احترام الملكية الثقافية (المادة 56 من لائحة لاهاي).
هذا ويحظر على سلطة الاحتلال حظرا مطلقا ما يلي:
- النقل الجبري للأشخاص المحميين إلى أي مكان خارج الأرض المحتلة ومهما كانت الأسباب (المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة).
- أخذ الرهائن (المادة 34 من اتفاقية جنيف الرابعة).
- القيام بأعمال الاقتصاص ضد الأشخاص المحميين وممتلكاتهم (المادة 33 من اتفاقية جنيف الرابعة).
غير ان حقيقة ما تقوم به حكومة الاحتلال من قتل وحصار وتجويع وحرمان من الغذاء والدواء وغيرها من الممارسات، يعتبرها القانون الدولي جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية يعاقب عليها القانون. فعلى سبيل المثال فإن المادة 2 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية ليوغوسلافيا السابقة المتعلقة بالانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف 1949، تنص على أن “للمحكمة الدولية سلطة محاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا أو أمروا بارتكاب انتهاكات جسيمة لاتفاقيات جنيف 12 آب 1949، أي فعل من الأفعال التالية ضد الأشخاص أو الممتلكات المشمولة بالحماية تحت أحكام اتفاقية جنيف ذات الصلة:
(أ) القتل العمد، (ب) التعذيب أو المعاملة اللا إنسانية بما في ذلك التجارب البيولوجية، (ج) تعمد إحداث معاناة شديدة أو إلحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة، (د) إلحاق تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة (هـ) إرغام أسير حرب أو مدني على الخدمة في صفوف قوات دولة معادية، (و) تعمد حرمان أسير حرب أو مدني من حقوق المحاكمة العادلة والنظامية، (ز) الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع لمدني، (ح) أخذ المدنيين كرهائن.”
هذا في حين أن المادة 3 من النظام الأساسي تنص على أن “للمحكمة الدولية سلطة محاكمة الأشخاص المنتهكون للقوانين أو لأعراف الحرب، وتشمل هذه الانتهاكات على سبيل المثال لا للحصر ما يلي:
(أ) استخدام الأسلحة السامة أو الأسلحة الأخرى لتسبب معاناة لا لزوم لها. (ب) التدمير العشوائي أو تخريب مدن أو بلدان أو قرى دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك. (ج) مهاجمة أو قصف بأية وسيلة كانت البلدان أو القرى أو المساكن أو المباني غير المدافع عنها. (د) الحجز أو التدمير أو الإضرار العمد للمؤسسات المخصصة للأغراض الدينية والخيرية والتعليمية والفنية والعلمية والآثار التاريخية والأعمال الفنية والعلمية. (هـ) نهب الملكية العامة أو الخاصة.”
وتنص المادة 4 من النظام الأساسي للمحكمة الدولية لرواندا لعام 1994 على انه “للمحكمة الدولية لرواندا سلطة محاكمة الأشخاص الذين ارتكبوا أو أمروا بارتكاب انتهاكات جسيمة للمادة 3 المشتركة بين اتفاقات جنيف المبرمة في 12 آب 1949 لحماية ضحايا الحرب وانتهاك البروتوكول الإضافي الثاني المبرم في 8 حزيران 1977.
هذا في حين تصنف المادة السادسة فقرة (ج) من نظام محاكمة نورمبرغ المتضمن في اتفاقية لندن المؤرخة في 6 آب 1945 الجرائم ضد الإنسانية على أنها: “القتل، الإبادة، الاسترقاق، الإبعاد وغيرها من الأفعال غير الإنسانية المرتكبة ضد أي تجمع مدني قبل أو أثناء الحرب، أو الاضطهاد القائم على أساس سياسي، عنصري أو ديني تنفيذا لأي جريمة أو متعلق بأي جريمة تدخل في اختصاص المحكمة سواء كان ذلك الفعل مجرما أو غير مجرم في القانون الوطني للدولة المرتكب على أرضها هذا الفعل.
القادة، المنظمون، المحرضون، المساهمون والمشاركون في إعداد أو تنفيذ خطة عامة أو اتفاق جنائي لارتكاب جرائم سابقة يكونوا مسؤولون على جميع الأفعال التي ارتكبت بواسطة أيا من الأشخاص في سبيل تنفيذ تلك الخطة.”
كما أن المادة 5 من المحكمة العسكرية الدولية للشرق الأقصى (1945)، تنص على ذات التعريف لمحكمة نورمبرغ.
وينص النظام الأساسي للمحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة في مادته الخامسة حول الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية على أن “للمحكمة الدولية سلطة محاكمة الأشخاص المسؤولين عن الجرائم التالية إذا ارتكبت في أثناء نزاع مسلح سواء كان ذو طابع دولي أو داخلي وكانت موجهة ضد أي تجمع مدني: (أ) القتل، (ب) الإبادة، (ج) الاسترقاق، (د) الإبعاد، (هـ) السجن، (و) التعذيب، (ز) الاغتصاب (ح) الاضطهاد لأسباب سياسية أو عرقية أو دينية، (ط) سائر الأفعال غير الإنسانية.
وتنص المادة الثالثة للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لرواندا على نفس الجرائم المرتكبة كجزء من هجوم واسع ومنهجي على أي مدنيين لأسباب قومية أو سياسية أو إثنية أو عرقية أو دينية.
وكان النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية حيز التنفيذ في الأول من حزيران 2001. وهي تختص بمحاكمة جريمة الإبادة الجماعية، والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجريمة العدوان.
وحسب المادة 7 من النظام تعرف الجرائم ضد الإنسانية على أنها:-
لغرض هذا النظام الأساسي، يشكل أي فعل من الأفعال التالية “جريمة ضد الإنسانية” متى ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجموم. القتل العمد، الإبادة، الاسترقاق، إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي،
التعذيب، الاغتصاب، أو الاستبعاد الجنسي، أو الإكراه على البغاء، أو الحمل القسري، أو التعقيم القسري، او أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة الخطرة من الخطورة،
اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو اثنية أو ثقافية أو دينية، أو متعلقة بنوع الجنس على النحو المعرف في الفقرة 3، او لأسباب أخرى من المسلم عالميا بأن القانون لا يجيزها وذلك فيما يتصل بأي فعل مشار الهي في هذه الفقرة أو بأية جريمة تدخل في اختصاص المحكمة، الاختفاء القسري للأشخاص، جريمة الفصل العنصري، الأفعال اللا إنسانية الأخرى ذات الطابع المماثل التي تتسبب عمدا في معاناة شديدة أو في أذى خطير يلحق بالجسم أو بالصحة العقلية أو البدنية.
وجدير التنويه الى أن هذه الجرائم لا تسقط بالتقادم على الاطلاق حيث تنص إتفاقية عدم تقادم جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الانسانية في مادتها الأولى بأنه لا يسري أي تقادم علي الجرائم التالية بصرف عن وقت ارتكابها:
(أ) جرائم الحرب الوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب/أغسطس 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة للأمم المتحدة 3 (د-1) المؤرخ في 13 شباط/فبراير 1946 و 95 (د-1) المؤرخ في 11 كانون الأول/ديسمبر 1946، ولا سيما “الجرائم الخطيرة” المعددة في اتفاقية جنيف المعقودة في 12 آب/أغسطس 1949 لحماية ضحايا الحرب، (ب) الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية، سواء في زمن الحرب أو في زمن السلم، والوارد تعريفها في النظام الأساسي لمحكمة نورمبرغ العسكرية الدولية الصادر في 8 آب/أغسطس 1945، والوارد تأكيدها في قراري الجمعية العامة 3 (د-1) المؤرخ في 13 شباط/فبراير 1946 و 95 (د-1) المؤرخ في 11 كانون الأول/ديسمبر 1946، والطرد بالاعتداء المسلح أو الاحتلال، والأفعال المنافية للإنسانية والناجمة عن سياسة الفصل العنصري، وجريمة الإبادة الجماعية الوارد تعريفها في اتفاقية عام 1948 بشأن منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها، حتى لو كانت الأفعال المذكورة لا تشكل إخلالا بالقانون الداخلي للبلد الذي ارتكبت فيه.
وهذا مما يستدعي تعزيز التعاون ما بين الدول للقبض على المجرمين وجلبهم للعدالة حيث أن مبادىء التعاون الدولي في تعقب واعتقال وتسليم ومعاقبة الأشخاص المذنبين بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية حيث ان المادة الثالثة منه تنص على أنه ” تتعاون الدول بعضها مع بعض، علي أساس ثنائي ومتعدد الأطراف، بغية وقف جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والحيلولة دون وقوعها، وتتخذ علي كلا الصعيدين الداخلي والدولي التدابير اللازمة لهذا الغرض.”
وهذا بخلاف ما نصت عليه معاهدة جنيف الرابعة من أنه على الدولة المتعاقدة السامية واجب العمل وفقا للمادة الأولى من معاهدة جنيف بالتعهد بأن “تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال،” وذلك من خلال التدخل الفوري لرفع الحصار عن الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية والعمل الجاد على انهاء الاحتلال سيء الصيت والسمعة.
وعليه، فيلقى على المجتمع الدولي واجب التدخل لانهاء محنة ومعاناة الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لأشرس احتلال في القرن الواحد والعشرين. وهذه ليست منة منهم وإنما واجب يفرضه القانون الدولي والمواثيق والشرائع الدولية لوقف جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية التي ترتكب منذ ما ينوف عن 60 عاما ضد ابناء الشعب العربي الفلسطيني.
فلم يعد مقبولا مواقف الشجب والاستنكار والاعراب عن الصدمة ودعوة الطرفين الى عدم اللجوء الى القوة المفرطة وغيرها من العبارات التي لم تعد تغني وتسمن، فالحاجة الآن الى تدخل دولي فعلي لوقف الجرائم الانسانية ضد ابناء الشعب الفلسطيني الذي يستحق حياة كريمة وحياة افضل بعد كل هذه السنين المعاناة والاضطهاد، فهل من مجيب؟!