القاهرة في 24 نوفمبر 2004

قامت بعثة من ثلاث منظمات لحقوق الإنسان بزيارة مدينتي العريش والشيخ زويد خلال أيام عيد الفطر الماضي، وهالها جو الحزن المخيم علي كل شوارع المدينتين، فالمحال مغلقة معظم فترات اليوم، ولا توجد أي مظاهر من مظاهر الاحتفال بالعيد فلا أطفال في الشوارع ولا مصلين في المساجد ولا مترددين علي محال تجارية، فالمدينتان في حالة حداد حقيقي أشبه بذلك الذي يصيب الوطن في الكوارث الكبرى، ككارثة نكسة 67 أو دخول الصهاينة المحتلين للأراضي المصرية.

إن هذا البلد الذي عاش سنوات الاحتلال وقهر الاستعمار وقدم من أبنائه الشهداء وفتح بيوته لرجال المقاومة المصرية وضباط الجيش المصري.. هؤلاء المواطنين الذين كان يجب علي كل الوطن تعويضهم عما أصابهم من جراء الاحتلال وخاصة أنهم خط الدفاع الأول عن الحدود المصرية لا تفصله عن العدو الإسرائيلي سوى بضعة أسلاك شائكة.. قررت الحكومة المصرية متمثلة في أجهزتها الأمنية وعلي رأسها جهاز أمن الدولة تأديبهم.. فاقتحم رجال الأمن المصريون بيوت الأهالي وهم ملثمون كما لو كانوا لصوصا أو جنودا في جيش احتلال وألقوا القبض علي الآلاف من رجالهم ونساءهم وأطفالهم وشيوخهم وعرضوهم لأبشع أنواع التعذيب من تعرية، لتعليق من الخلف لعدة ساعات متتالية، للصعق الكهربائي، لهتك العرض.. لم يرحموا شيخا في التسعين من العمر ولا امرأة حامل ولا طفلا لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، كل ذلك بدعوى البحث عن متهم هارب.. نعم متهم واحد يشتبه في وجود علاقة بينه وبين أحداث تفجيرات طابا الأخيرة.

إن ما يحدث في العريش والشيخ زويد ليس الحادث الأول من نوعه، بل هو إضافة ” نوعية” تضاف لسلسة طويلة من انتهاك الدستور والقانون والاتفاقيات الدولية التي صدقت عليها مصر وخاصة اتفاقية مناهضة التعذيب التي تنص علي انه لا يجوز تحت أي مبرر انتهاك الحريات والتعذيب، ولا يجوز التذرع بحالة الطوارئ كسبب للتعذيب أو إساءة المعاملة.

فمنذ التسعينيات والحكومة المصرية تمارس سياسة العقاب الجماعي وتوسيع دائرة الاشتباه والاعتقال العشوائي وسياسة احتجاز الرهائن وتعذيب المحتجزين في أقسام الشرطة وجهاز أمن الدولة الذي تفشت سلطاته واصبح يتعامل باعتباره السلطة الإلهية المطلقة التي لا يجوز لأحد محاسبتها أو مسائلتها.

كلنا نذكر أحداث امبابة وديروط والكشح الأولي والثانية وغيرها التي راح ضحيتها العديد من أهالي جنوب مصر، وما أعقب توقيف التنظيمات الإسلامية من قبض واعتقال وتعذيب عشوائي بلا رادع ولا محاسب لما تنتهجه أمن الدولة من سياسات فاقت كل التصورات وخبرات الدول البوليسية العتيدة.

إن قانون الطوارئ استخدم، ولا يزال، كسيف مسلط علي رقاب المواطنين المصريين ليل نهار، ومثله “قانون مكافحة الإرهاب” سيئ السمعة، ولم تغن مزاعم الحكومة عن الإصلاح السياسي والديموقراطي من الإفصاح عن الوجه القبيح لديموقراطية الأنياب والأظافر والصعق الكهربائي والتعرية والتعليق؟
وإذا كانت أجهزة الأمن في محاولاتها لحصار المدافعين عن حقوق الإنسان وإخفاء الجرائم اليومية التي ترتكب في حق المواطنين المصريين، قد سبق لها أن وجهت التهم للنشطاء وقدمتهم للمحاكمة بتهمة الاتصال بالمنظمات الأجنبية عبر الإنترنت وتشويه سمعه مصر.. فهي اليوم تنتقم مباشرة من المواطن الذي يتحدث مع هذه المنظمات عن طريق اعتقاله أو الاعتداء عليه في الشارع.

أن المنظمات الثلاث إذ تعلن تقرير بعثة تقصي الحقائق التي قامت بها، لتؤكد علي ضرورة تضافر كل الجهود من أجل القضاء علي كافة أشكال انتهاك حقوق الإنسان، والوقف الفوري لسياسة التعذيب في أقسام الشرطة وأجهزة أمن الدولة وكافة أماكن الاحتجاز الأخرى، بما في ذلك ظاهرة احتجاز الرهائن وتعذيبهم وإساءة معاملتهم وكذلك الاحتجاز بدون وجه حق بدعوى حالة الطوارئ أو الاشتباه.

وفي الأحداث التي نحن بصددها، نطالب:

    • – بالإفراج الفوري عن المعتقلين والرهائن

 

    • – وتمكين منظمات حقوق الإنسان من معرفة الحقائق كاملة فيما يختص بعدد من تم اعتقالهم وأسبابه وأماكن تواجد من هم رهن الاحتجاز والتهم الموجهة للمشتبه فيهم

 

    – وتمكين منظمات حقوق الإنسان والمحامين وأسر المحتجزين من زيارتهم فورا.

كما تطالب المنظمات الثلاث:

    • – بإجراء تحقيق فوري في كل ما تم ويتم من انتهاكات

 

    • – وتقديم الجناة لمحكمة علنية وعاجلة.

 

    • – والإعلان عن التحريات في أحداث طابا لمعرفة مدى دقة التحريات من عدمه

 

    • – وأن ينتدب قاضي تحقيق للتحقيق في كل تلك القضايا

 

    – وأن يقدم من يشتبه فيه للقضاء الطبيعي وتضمن له كافه شروط المحاكمة العادلة والمنصفة بما في ذلك درجات التقاضي المتعددة.

ونظرا للتدهور غير المسبوق لحال حقوق الإنسان في مصر وتفاقم انتهاكات الشرطة لكل القوانين، بما فيها قانون الطوارئ ذاته، في عهد وزير الداخلية الحالي فإن المنظمات الثلاث تطالب:

– بإقالة السيد وزير الداخلية الحالي حيث انه مسئول بصفته تلك عن كل تلك التجاوزات والانتهاكات الفردية والجماعية لحقوق وحريات لمواطنين.
– إخضاع كافة أماكن الاحتجاز بما في ذلك مقار أمن الدولة للتفتيش الدوري ورقابة المجتمع عليها كضمانه لابد منها للسيطرة علي تلك السياسة الوحشية التي تتم في مواجهة المواطنين.

علي كل المواطنين المصريين العمل من أجل إخضاع جميع المسئولين في الدولة، مهما علت مراتبهم، للمسائلة وللحساب بصفتهم مسئولين سياسيا عن التدهور الحاد الذي أصاب هذا الوطن ولتكن الانتخابات القادمة بشقيها في 2005 فرصة لمحاسبة كل من سولت له نفسه اللعب بمقدرات هذا الشعب والاستهانة بمواطنيه الذين بنوا مجده وانتصاراته من دمائهم ومن دماء أبناءهم.

الجمعية المصرية لمناهضة التعذيب
مركز النديم للعلاج والتأهيل النفسي لضحايا التعذيب
مركز هشام مبارك للقانون