27/5/2008
عادت إسرائيل من جديد لسياسة اللعب على المسارات التفاوضية العربية، وهي سياسة طالما انتهجتها بعد انطلاق المفاوضات والعملية السياسية في مؤتمر مدريد في تسعينيات القرن الماضي، حيث فضلت إسرائيل أن تفاوض كل طرف عربي بشكل منفصل، وحين كان يتعثر مسار، كانت تلجأ للتلويح بالتركيز على المسار الأخر، واليوم نرى ذلك يتجدد مع الإعلان عن مفاوضات سورية إسرائيلية غير مباشرة برعاية تركية، وان لم تكن المفاوضات مع الفلسطينيين هي السبب الوحيد لرغبة إسرائيل بالتفاوض الآن مع سوريا.
ففي ظل المأزق الداخلي الذي يعيشه رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت، بفعل تحقيقات الشرطة معه حول قضايا فساد، وبينما المفاوضات على المسار الفلسطيني لا تسير بسلاسة ولم تصل إلى نتيجة تذكر، كما هو معلن، يبحث اولمرت عن مخرج يلفت الأنظار عن مشاكله الداخلية وتعثر مفاوضاته مع الرئيس محمود عباس، لذا كان استئناف المفاوضات على المسار السوري حلا لازمته أولا، وبمثابة فزاعة يلوح بها للفلسطينيين بان الاهتمام سيتحول إلى الجبهة السياسية مع سوريا، إن هم لم يقبلوا بمقترحاته للتسوية النهائية، ثانيا، ومحاولة إسرائيلية لنزع سوريا من محور إيران وحزب الله وحماس على المستوى الاستراتيجي.
مناورات اولمرت لم تنجح حتى الآن، فما زالت التحقيقات حول تهم الفساد تسير بشكل متسارع، بينما الرئيس عباس لم يبدي أي تحفظ تجاه المفاوضات السورية الإسرائيلية بل قال: هناك أخبار سارة عن مفاوضات للسلام بين سوريا وإسرائيل ونحن نرحب بها ونتمنى لها النجاح.
أما على الجبهة السورية، فالساسة في دمشق جددوا مطالبتهم بجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن هضبة الجولان كمقدمة لأي حل، بمعنى أن لا تنازل سياسي لأولمرت، ورفضوا دعوة وزيرة خارجية إسرائيل تسيبي ليفني بالانفكاك من المحور الإيراني، كما كان التأييد الأمريكي لاستئناف هذه المفاوضات فاترا، حيث أشارت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلى أهمية التركيز على المسار الفلسطيني كونه أكثر “نضجًا”، في حين شكك أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى بمدى جدية إسرائيل في هذه المفاوضات، إلا انه قال أن أي اتفاق يجب أن يستند إلى مبادرة السلام العربية.
وأمام هذا الفتور الدولي والتشكيك الإقليمي برغبة إسرائيل في الوصول إلى اتفاق جدي مع سوريا، وفي ظل التأكيد الدولي على أن حل القضية الفلسطينية جوهري وأساسي لتحقيق المصالحة العربية الشاملة مع إسرائيل، فلا يبدو أن هناك مخرج أمام اولمرت سوى التحرك الجدي تجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لهضبة الجولان، وكذلك الأمر مع المسار الفلسطيني الذي يجب أن تكون نهاية المفاوضات فيه تطبيق قرارات الأمم المتحدة ورؤية الرئيس الأمريكي جورج بوش ومبادرة السلام العربية، التي يرتكز عليها المفاوض الفلسطيني والسوري، أما أن تبقى إسرائيل تناور بين المسارين تارة ، وتتملص من استحقاقات السلام الواجبة تارة أخرى، فان ذلك لن يدخل المنطقة في استقرار وحالة سلم، بل سيعيد إنتاج الصراع المستمر منذ عقود، وسيؤدي حتما إلى دخول المنطقة في حالة اللاسلم واللاحرب على أحسن تقدير.
أما فلسطينيا، فالتنسيق مع المحيط العربي، ومع الأطراف الدولية الفاعلة هام جدًا لجهة العمل على الضغط على إسرائيل للامتثال للقرارات الدولية، ولكي تكون جادة في مفاوضات الوضع النهائي، والتوصل لاتفاق يعيد الحقوق الفلسطينية المنصوص عليها في قرارات الأمم المتحدة.