19/10/2007

علمت اللجنة السورية لحقوق الإنسان من مصادر متطابقة بأن أسر العديد من المنفيين والمهجرين القسريين تعرضت للمضايقات وطلب التحقيق والمنع من المغادرة في هذا العام على نطاق أكبر بكثير من السنوات السابقة أثناء زيارتهم لذويهم في سورية خلال العطلة الصيفية المنقضية.

وذكرت هذه المصادر بأن توقيف أفراد الأسر على الحدود السورية البرية وفي مطار دمشق الدولي ومطار حلب لعدة ساعات أصبح أمراً مألوفاً، وبعدها يخلى سبيل الزوجة والأولاد الصغار ويطلب من الزوجة مراجعة أحد فروع الأمن أو المخابرات.

وبعد وصول أفراد الأسرة إلى المدينة او القرية تصبح الزوجة بصورة خاصة بؤرة اهتمام أجهزة الأمن والمخابرات حيث يحقق معها طويلاً وعلى مدى زيارات عديدة عما تعرفه عن زوجها وعن أصحابه الذين يزورونه، وماذا يفعل ؟ وأين يذهب ؟ وماذا يقول ؟ وما هي آراؤه السياسية؟ وإذا لم تتجاوب الزوجة المسكينة مع ضباط الأمن في التحقيق وتدلي بالإفادات التي تدين زوجها، توجه إليها الإهانات والشتائم ولقد تعرضت زوجات بعض المهجرين القسريين فعلاً للضرب وتركن من الصباح وحتى منتصف الليل في غرفة التحقيق المخيفة. وغالباً ما يمنع كثير منهن من العودة إلى بلد إقامتهم في نهاية العطلة الصيفية، بينما يسمح للبعض بالسفر بعد دفع مبالغ مالية كبيرة وفي هذه الأثناء يمنع فريق ثالث من السفر لعدة أشهر وقد يطول الأمر إلى سنوات. وينتج عن ذلك تعطيل دراسة الأبناء وتشتت الأسرة ومعاناتها ودفع مبالغ كبيرة لضباط وعناصر الأمن والمخابرات من أجل السماح لهن بالسفر.

ولقد اطلعت اللجنة السورية على حالات مأساوية، فأحد المهجرين الذي كان هدفاً لتقارير كاذبة على ما يبدو يعاني منذ حوالي 28 سنة من الحرمان من العودة إلى بلده مع أن القاصي والداني ممن يعرفونه أو ممن يتحدث إليهم لبضع دقائق يصل إلى يقين أن هذا الشخص لا علاقة له بالشأن العام ولا بمعارضة النظام. ولم يقتصر الأمر على ملاحقته، بل إن أسرته وزوجته تتعرض في كل صيف للتحقيق، وحرمت زوجته من حقها في العودة إلى زوجها في هذا العام ولا تزال حتى كتابة هذا التقرير ممنوعة من السفر، مع العلم بأن أطفالها في المدارس وإذا لم يعودوا فسوف يسقط حقهم في العودة إلى المدارس التي يتلقون فيها التعليم.

وفي حالة أسرة أخرى روت إحدى الأمهات (د) للجنة السورية لحقوق الإنسان كيف استدعت أجهزة المخابرات أطفالها الصغار الذي لا يتجاوز عمر أكبرهم (عبد الله) ثمان سنوات لاستدراجهم واستنطاقهم عن والدهم : ماذا يعلمهم داخل المنزل وماذا يفعل وماذا يقول، وأين يذهب ومن يزورون في المناسبات والأعياد ومن هم أصحابه ومعارفه، وذلك في انتهاك واضح وصارخ لحقوق الطفولة التي كفلتها شرعة حقوق الإنسان العالمية. ولم يكتف المحقق بالاستفسار وتوجيه الأسئلة بل كان يكرر ويقول لهم بصورة استفزازية مؤذية لمشاعرهم تجاه والدهم: هل تعرفون أن أباكم مجرم، هل تعرفون أننا سوف نلقي القبض على أبيكم ونقتله أمام أنظاركم، نريد أن نخلص الوطن من الحشرات أمثال أبيكم. وفي حادثة أخرى سأل المحقق الطفل (سليم) الذي لم يتجاوز العاشرة: هل تحب أباك، فأجاب الطفل من فوره ببراءة نعم، فما كان من المحقق إلا أن وجه له صفعة قاسية مع كيل من الشتائم القاذعة للطفل ولوالده وللأسرة برمتها.

واطلعت اللجنة السورية لحقوق الإنسان على حالة أخرى ضربت فيها الزوجة (س) ضرباً مبرحاً وأهينت وتعرضت للمعاملة السيئة على يد أجهزة المخابرات والأمن السورية لأنهم لم يحصلوا منها على معلومات وافية عن زوجها حسب زعمهم، ثم منعت من مغادرة البلاد والالتحاق بزوجها واستمر المنع شهوراً عديدة حتى تمكنت من السفر بعدما دفعت مبلغ مائتي ألف ليرة سورية (ما يعادل 4 آلاف دولار أمريكي).

وذكرت السيدة (ز) أنها اضطرت لبيع حليها وهو كل ما تملك لتدفعه لأحد ضباط المخابرات التي وعدها بتسهيل سفرها والالتحاق بزوجها وأولادها إذا حصل منها على المبلغ المطلوب.

وفي حالات أخرى استدعي بعض الزوجات للتحقيق معهن في دمشق واحتجزن لفترات متفاوتة. فلقد علمت اللجنة أن السيدة (هـ) استدعيت لفرع المنطقة في دمشق للتحقيق معها واعتقلت لمدة أسبوعين كاملين تعرضت خلالها للمعاملة الخشنة والإهانة والشتائم. وعلمت اللجنة أن السيدة (ع) احتجزت لمدة ثمانية أيام لدى شعبة الأمن السياسي بدمشق وعرض عليها أن تتعاون معهم للتجسس على زوجها والجالية السورية في بلد إقامتها، وعندما اعتذرت عن ذلك هددت بقطع اللسان والسجن والتنكيل.

إن اللجنة السورية وهي تحتفظ بتوثيق عشرات الحالات المماثلة الحديثة لكنها تتحفظ على ذكر الأسماء حفاظاً على سلامة هذه الأسر التي أصابها الكثير من الأذى والمعاناة والمعاملة اللاإنسانية، لتنظر إلى الممارسات التي تقترفها أجهزة المخابرات والأمن السورية بحق أسر وأبناء المهجرين القسريين والمنفيين عن بلدهم على اعتباره ظلم مضاعف وانتهاك صارخ لحقوق هذه الأسر في وطنها وخرق لمواد واضحة في الدستور السوري والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمعاهدات الإنسانية الأممية التي وقعت عليها الحكومات السورية المتعاقبة، وبالتالي تطلب من السلطات السورية الكف عن انتهاك حقوق الزوجات والأولاد ومضايقتهم، وتثبيت حقهم في وطنهم وفي زيارته والعودة إليه بدون منع السفر وبدون التعرض للإيذاء ووضع حد للفساد والابتزاز المالي المنتشر في أوساط أجهزة الأمن والمخابرات السورية وإعادة المبالغ المنهوبة من المواطنين نتيجة الابتزاز لأصحابها. وتطالب بوضع حد نهائي لإجراءات التهجير القسري الجائرة التي طالت مئات الآلاف من المواطنين السوريين واضطرتهم للإقامة في المنافي بعيداً عن وطنهم وإصدار قرار بالسماح لهم بالعودة الآمنة غير المشروطة إلى وطنهم.

اللجنة السورية لحقوق الإنسان

[an error occurred while processing this directive]