22 أبريل 2004

على مدى الأيام الماضية تابعنا ما نشرته الصحف وما صدر من بيانات بشأن قضية حضانة نورهان بحدائق المعادي. وحيث أننا أطباء، فإننا ملتزمون أولا وأخيرا بمصلحة مرضانا، كما أننا نعتقد أن الشفاء من الجراح يكون بعلاجها، وليس بالطمس عليها إلى أن تتقيح..

ثم أننا أيضا نشطاء حقوق إنسان نؤمن:

    • – بأن المتهم برئ إلى أن تثبت إدانته

 

    • – وأن حقوق الإنسان ملك للجميع دون تمييز بسبب العمر أو الجنس أو الدين أو اللون أو العقيدة أو المستوى الاجتماعي أو الطبقي.

 

    • – وأن انتهاك حقوق الإنسان جريمة تستدعي المحاكمة العادلة وتطبيق القانون الطبيعي على من تثبت عليه الانتهاكات، دون تمييز بين مقترف وآخر لأي سبب كان.

 

    • – وأن الانتهاك الجنسي والجسدي والنفسي للإنسان هو من أقسى أشكال العنف ولا يجوز السكوت عنه مهما كان الفاعل ومهما كانت التبعات الاجتماعية للتعرف عليه

 

    – وأن التشهير بالمواطنين على صفحات الجرائد والحكم عليهم، بغض النظر عن طبيعة الحكم، هو أيضا انتهاك لحق الناس في الحفاظ على سمعتهم، كما أنه انتهاك لحق المواطنين في معرفة حقيقة المشكلات في بلادهم وبالتالي أيضا حرمانهم من المساهمة في حلها على اعتبار أنهم أصحاب هذا البلد وشعبه.

انطلاقا من كل ما سبق فإننا نود أن نلفت النظر إلى النقاط التالية فيما يخص قضية حضانة المعادي:

    • لم يكن من اللائق أن يتم التشهير بالمتهمين قبل أن تقول العدالة كلمتها.. كما لم يكن من اللائق أن تنشر الصحف أسماء الأطفال وذويهم وعناوينهم فور تقديم البلاغات. فكلاهما اقتحام للخصوصية، مرة استباقا لحكم القضاء ومرة بحثا عن السبق الصحفي.

 

    • في هذا الشأن نوافق تماما مع ما نشر احتجاجا على النشر الصحفي فيما يتعلق بالمتهمين.. لكننا نتعجب لأمرين:

 

    • أولهما أن الاحتجاج لم يبرز على صفحات الجرائد إلا بعد أن قام النائب العام بإغلاق ملف القضية.. كما لو كان في إغلاق الملف القول الفاصل ونحن جميعا نعلم، وخاصة من ينشطون في مجال مناهضة التعذيب، أن مئات الشكاوى لاقت نفس المصير (إغلاق الملف) دون أن يكون ذلك معناه نفي جريمة التعذيب، وهي جميعها شكاوى لن تسقط بالتقادم وسوف بأتي اليوم الذي تجد فيه طريقها إلى العدالة لتقول كلمتها.

 

    • والأمر الثاني هو عدم انزعاج المنزعجين من نشر أسماء الأطفال وعناوينهم وألقابهم والمعلومات عن أسرهم رغم أن في ذلك أيضا انتهاك لخصوصية المواطنين إذ يلجئون إلى السلطات حماية لحقوقهم.

 

    – إننا نؤكد على موقفنا الثابت من حق المواطنين في صحافة نزيهة لا تسئ إليهم ولا تستند في ترويج مبيعاتها على الأخبار المثيرة مهما كلف ذلك من ثمن، وهو موقفنا الثابت سواء كان المشهر بهم المتهمين الثلاثة في قضية حضانة المعادي، أو ناشطي حركة دعم الانتفاضة الذين اتهموا بالاختلاس والاتجار في المخدرات زورا وبهتانا على صفحات نفس الجرائد، أو المتهمين في قضية الكوين بوت الشهيرة الذين لم تتورع الصحف عن فضحهم وتصويرهم وخراب بيوتهم قبل أن تقول العدالة كلمتها ولم يرتفع وقتها صوت واحد يدين هذا التشهير.

أما فيما يتعلق بالانتهاك الجنسي، نود أن نلفت نظر الرأي العام لما يلي

    • – إن الانتهاك الجنسي وهتك العرض لا يجب أن يعني بالضرورة الإيلاج الكامل للعضو الذكري في جسد الضحية، سواء كانت صبية أو صبي نظرا لتفاوت حجم الأجساد، وأن هتك العرض لا يستدعي الإيلاج من الأساس.

 

    • – أن وجود دليل مادي على الإيلاج الجنسي في فتحة الشرج لا يترك بالضرورة آثارا، خاصة إذا كان الجاني حريصا على أن لا يحدث أثرا، ونحن على ثقة من أن النيابة غير غافلة عن ذلك خاصة أنها استخدمت نفس المنطق في إصرارها على اتهام آخرين في قضايا أخرى.

 

    – أن ثبوت التعذيب أو العنف بما يترك من آثار لم يعد مطلوبا نظرا لمعرفة القائمين على التحقيق في هذه الأمور بشتى الوسائل المستخدمة للحول دون وجود آثار لعملية الاعتداء.

في ضوء ذلك كله نود أن نعلم الرأي العام بأننا قد ناظرنا الأطفال الثلاثة

    • – ورغم إغلاق النائب العام لملف القضية يوم السبت بعد إصدار قرار بمد حبسهم في يوم الخميس السابق عليه، ورغم ما نشر من كون الطب الشرعي لم يجد أثرا على الأطفال، ورغم ما نقل عن أطباء الصحة فيما نشرته الصحافة من أنهم قد كتبوا تقاريرهم بناء على شكوى الأهل فقط دون توقيع الكشف على الأطفال، فإننا، كأطباء متخصصون، نؤكد للرأي العام الذي تنفس الصعداء لأن مصر بخير، أن مصر ليست بخير على عكس ما نتمنى جميعا، وأن العنف منتشر في بلادنا مثله مثل كافة بلدان العالم، وأن الانتهاك الجنسي للأطفال ليس بالأمر النادر، وأنه يحدث في المنازل كما أنه يحدث في المدارس والشوارع والورش وأماكن الاحتجاز، وأن تجاوز هذا الأمر لا يكون بالتغطية عليه والتضحية بما لهؤلاء الأطفال من حق على المجتمع وعلى المؤسسات التربوية فيه، وأنه لا يكفي أن تؤسس الدولة مجلسا للأمومة والطفولة وآخر للمرأة وأن توقع على اتفاقية حقوق الطفل إذا لم يقترن ذلك بحرص على كشف الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها.

 

    • – لقد قمنا بمناظرة الأطفال الثلاثة الذين وردت أسماءهم في التحقيقات، والذين قامت أسرهم بتقديم البلاغات، ولن نطيل هنا في رصد المعلومات التي وردت إلينا من مقابلات مع الأهل وسكان الحي، ولن نبحث عن تحليل وسبب لقيام مباحث أمن الدولة بزيارة الأهل ثم زيارة الطبيب الممارس بالحي والذي كان أول من ناظر طفلين منهما، لكننا سوف نكتفي برصد ما سمعناه بأنفسنا على لسان الأطفال وما شهدناه من أعراض نفسية على ثلاثة من الأطفال المذعورين، الذين تتراوح أعمارهم ما بين أربعة وخمس سنوات.

 

    • – ثلاث أطفال، يحلمون يوميا تقريبا بغرفة الترباس، التي كانت تغلق عليهم أثناء تعرضهم للانتهاك الجنسي.. علامات الضرب السابق واللاحق على الانتهاك لازال بعضها ظاهرا على الجانب الأمامي من سيقان أحدهما.. جميعهم يخاف الليل والغرف المغلقة.. جميعهم كان يبكي ويصرخ لعدم رغبته الذهاب إلى الحضانة وكانوا يؤخذون إلى هناك قسرا بالتعنيف والضرب من قبل أهاليهم حتى تجهزهم الحضانة لامتحانات القبول في المدارس.. اثنان منهم يصفان ثلاثة رجال كانوا يتناوبون عليهم .. يأخذونهم إلى غرفة الترباس.. ينزعون عنهم سراويلهم.. يحكون أجسادهم في الأجساد الصغيرة حتى يصبح “بلبلهم” كبيرا ثم يضعونه في فم الأطفال إلى أن تخرج منه “صنة” مثل المياه الصفراء كان الأطفال يبصقونها من شدة القرف.. ثم كانوا يضعون الأطفال على حجرهم ويدخلون “بلبلهم” في شرج الأطفال ويحركون الأطفال إلى أعلى وأسفل.. وإزاء صراخ الأطفال كانوا يطلبون منهم التحمل.. “استحمل يا فلان”.. ومثلما يقدمون لهذا الجرم بالضرب كانوا يختمونه بالضرب والتهديد بقتل الأهل لو أن الأطفال اشتكوا أو حكوا ما حدث. أما الطفل الثالث فلم يتناوبه سوى اثنان من الرجال.. نفس الضرب.. نفس الانتهاك.. نفس التهديد.

 

    • – الأطفال لا تدرك أن ما تعرضوا له هو انتهاك جنسي.

 

    • فهم يعتقدون أن ما تعرضوا له هو عقاب لكونهم كثيري الضجيج في الحضانة.. وبناء على قصة الأطفال فإنهم لم يكونوا الوحيدين فقد كان آثار الضرب واضحة على الكثير من الأطفال الآخرين، وقد أسرت أحد الصغيرات لواحد من الأطفال الثلاثة أنها أيضا تتعرض لنفس العقاب.

 

    • – ثلاثة أطفال في حي المعادي يعانون من التبول اللاإرادي منذ عاد المتهمون الثلاثة إلى الحي، يحتفلون بانتصارهم على أسر الأطفال.. ثلاثة أطفال لا يدركون تماما معنى السجن، فيتمنى أحدهم أن يعاقب من اعتدوا عليه بأن يوضعوا في المجاري لأن “ريحتها وحشة” ولأنهم “وجعوني”.. ثلاثة أطفال لازالوا يعانون من الكوابيس والارتجاعات الزمنية لوقائع الاغتصاب.. يريدون أن ينسوا لكنهم لا يستطيعون.. لأن “الحكاية بتيجي في دماغي طول الوقت” ولأني “بأحلم بيه بيجري ورايا”.. يخافون الغرف المغلقة بالترابيس، يخافون الظلام..

 

    – ولأنهم أطفال فإنهم لم يدركوا كل ما تعرضوا له.. ولا يتذكرون سوى الخوف والألم.. ولأنهم أطفال فإنهم أصغر من أن يعمموا الخبرة.. فهم لا يكرهون كل الحضانات ولا يكرهون كل المدرسين.. هم يريدون حضانة حلوة.. ما فيهاش ضرب..

وأخيرا فيما يتعلق بسمعة مصر
ولأننا حريصين على سمعة بلادنا وعلى كرامة شعبها، رجالا ونساء وأطفال، لأننا حريصين على كرامتنا وكرامة أسرنا وأصدقائنا وأحبائنا.. فإن صورة بلادنا ليست هي التي تعنينا بقدر ما يعنينا واقعها.. لسنا نناضل من أجل سمعة جيدة لمصر ولكن من أجل واقع جيد.. لن نساهم في تخزين غسيلنا القذر.. بل سوف نخرجه ونغسله وننشره لعل نور الشمس يذهب عنه التلوث والأمراض.. فنعيش أصحاء بدون أمراض.. مرفوعين الرأس بدون خوف..
دعونا نتخيل للحظة أن هؤلاء الأطفال هم أطفالنا.. هل كنا سوف نقبل بإغلاق الملف؟ هل كنا سوف نضحي بأطفالنا من أجل الحفاظ على سمعة مصر؟
إن أطباء مركز النديم، حرصا على أطفالنا وعلى كل الأطفال لن يغلقوا ملف حضانة المعادي.