16/8/2008
بقلم: مفتاح
ما أوردته الصحافة الإسرائيلية وخاصة صحيفة “هآرتس” الأسبوع الماضي، نقلا عن مصادر إسرائيلية ادعت فيه أن رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود أولمرت تقدم بعروض إلى الرئيس محمود عباس، تتمثل بتقديم ما نسبته”93% “من الأراضي الفلسطينية باستثناء القدس إلى الفلسطينيين مع الاحتفاظ بكتل استيطانية وضمها إلى إسرائيل، إضافة إلى عرض آخر حول السماح بعودة 20 ألف لاجئ إلى ديارهم على مدار عشر سنوات، يعيد إلى الأذهان، أجواء مفاوضات كامب ديفيد، والتي حملت إسرائيل السلطة الوطنية والرئيس الراحل عرفات المسؤولية الكاملة عن فشلهاآنذاك، مما الحق الضرر بالموقف الفلسطيني أمام الرأي العام العالي استراتيجيا، حيث اقتنع المجتمع الدولي، أو السواد الأعظم والدول المؤثرة فيه، بهذه الرواية واعتبر أن الفلسطينيين ليسوا جادين بالتوصل إلى حل سلمي على الرغم من العروض “السخية” التي قدمت لهم.
ولان اولمرت المغادر قريبا لسدة الحكم في إسرائيل، يسعى إلى التنصل من أي مسؤولية عن عدم وصول الجانبين إلى اتفاق بنهاية العام الجاري، فانه يعتقد بأن أفضل ما يقوم به لتحسين صورته كمن حاول جاهدا التقدم في عملية السلام، بان يحمل الجانب الفلسطيني مسؤولية فشله وتعنته، عبر الإشارة والتلميح إلى أن إسرائيل قدمت عروضا “سخية” للفلسطينيين، بينما قابلها الفلسطينيون بالرفض.
وحتى ما أوردته الصحيفة الإسرائيلية من عروض، وهي ما نفى الجانب الفلسطيني تقديمها، لم تكن سخية، فهي تستثني القدس والكتل الاستيطانية بمعنى أن الوضع القائم، تسعى إسرائيل إلى أن تجعل منه وضعا دائما، بحيث لا تعود القدس إلى أصحابها الشرعيين فيما تبقى المستوطنات تنخر في جسد الأرض الفلسطينية كالسوس، بل وتضم إلى إسرائيل، أي أن تصبح الدولة الفلسطينية عبارة عن كانتونات تقسمها المستوطنات، فيما تبقى هذه الدولة دون عاصمة.
المناورات الإسرائيلية واضحة المعالم والنوايا، ولكن الأهم هو أن لا يقع الفلسطينيون في نفس الخطأ الذي أعقب مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000، حيث لم يتعامل الجانب الفلسطيني بسرعة وبطريقة منظمة للرد على الادعاءات الإسرائيلية التي اتهمته برفض عروض رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك ايهود بارك، وتحميله أمام العالم اجمع مسؤولية تفويت “فرصة تاريخية” لإنهاء الصراع، وهو حديث مجاف للحقيقية، ونفاه الجانب الفلسطيني، بل وحتى مستشارو الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون، الذين شهدوا مفاوضات كامب ديفيد.
أما وقد لاحت في الأفق معالم لمخطط إسرائيلي جديد يحاول تبرئة اولمرت وسياسته التي لا تختلف عن سابقيه من حيث التعنت وعدم الجدية في التوصل إلى حل عادل وشامل، والاستمرار في سياسة التوسع والبناء الاستيطاني على الأراضي الفلسطيني، وانتهاج سياسة التفاوض من ناجية كسبا للوقت وتماشيا مع الرغبة الدولية، وتدمير الأراضي الفلسطيني وسلب المزيد منها والاستمرار في سياسة الاعتقال والحصار على الناحية الأخرى، فان أمام ذلك كله لا يمكن للفلسطينيين أن يتحملوا مرة أخرى عواقب تحميلهم أمام العالم مسؤولية فشل المفاوضات أو عدم التوصل إلى اتفاق، كما حصل في كامب ديفيد، لذا علينا التحرك في مختلف المحافل الإقليمية والدولية أيضا، وخاصة الإعلامية بتوضيح حقيقة ما يجري على الأرض وفي مسيرة التفاوض، وتبيان التعنت الإسرائيلي للأطراف الدولية.
ولكي لا نعاني مرة أخرى من تجاهل العالم الذي اقتنع برواية إسرائيل في كامب ديفيد 2000، يجب علينا أن نستبق الخطوة الإسرائيلية، بالتوضيح للجميع أن هذه اقتراحات لم تقدم، وحتى وان قدمت كما هي، فهي تدل على عدم الجدية الاسرائلية في إنهاء الصراع، وان إسرائيل وحكومتها غير جادة في التوصل إلى حل، وما هذه التقارير الصحفية إلا بالونات اختبار كمقدمة لتحميل الفلسطينيين مسؤولية فشل المفاوضات الجارية وعدم التوصل إلى حل في نهاية العام الجاري، فيما المطلوب والمتوافق عليه فلسطينيا وعربيا ودولية كحل سلمي وشامل، يقوم على أساس المبادرة العربية للسلام التي لا زالت إسرائيل ترفض الاعتراف بها وقبولها.