11/5/2009

لاقت قرارات حماس الأخيرة في قطاع غزة والهادفة إلى التضييق على المحطات الإذاعية المحلية وفرض غرامات مالية كبيرة عليها، استنكارا وانتقادا واسعا في الأوساط المحلية، لا سيما الإعلامية والسياسية والثقافية، خاصة وان هذه القرارات جاءت بعيدا عن أي سند قانوني وإجرائي، لتأتي استكمالا لسياسة حماس في استعداء حرية العمل الإعلامي والتضييق على وسائل الإعلام، سيما وأنها أقدمت على منع الصحف اليومية الثلاث من الدخول إلى قطاع غزة أكثر من مرة.

وكانت حماس قد طالبت الإذاعات المحلية العاملة بمبالغ ضخمة من أجل السماح بإعطاء الترخيص اللازم لعملها في قطاع غزة.

وبينما صدمت هذه الإذاعات بقرارات حماس، فان منظمات المجتمع المدني استهدفت أيضا بقرارات مماثلة أصدرها موظفو حماس، بحق المؤسسات والجمعيات الأهلية، وصلت إلى حد التدخل في عمل هذه الجمعيات والفرض عليها العمل وفق آليات معينة، وصولا إلى الفرض عليها الحصول على موافقة حماس على هيكل عمل وسلم رواتب ومنح ومشاريع هذه المؤسسات وتمويلها وشؤونها المالية.

إن الإعلام المحلي وتحديدا الخاص، جاء كرافعة أساسية للإعلام الوطني في الدفاع عن قضايا الشعب الفلسطيني وعن حقوقه وكشف جرائم وممارسات الاحتلال الإسرائيلي بحقه، ووسيلة هامة لنشر المعلومات في أوساط المجتمع، بل وعنصر أساسي من عناصر الحرية الإعلامي والديمقراطية والتعددية الفكرية في الوطن، حيث أن العديد ن هذه المحطات ذات توجهات فكرية مختلفة، تمثل تنوعا إعلاميا وفكريا.

إن الانقسام الذي أحدثته حماس بين شقي الوطن، لا زال الشعب الفلسطيني يعاني من تبعاته السياسية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وبدل أن تقوم بكل ما هو ممكن للتقليل من آثار الانقسام والبعد عن تعميقه خاصة في ظل جلسات الحوار الوطني الدائرة في القاهرة، نرى أنها تعمق وتزيد من وطأة هذا الانقسام وتعمل على تكريسه عبر فرض القوانين والإجراءات التي تستحدثها لتجربها على المواطنين والمؤسسات في قطاع غزة، وهي القوانين التي تعد باطلة لأنها غير دستورية ولم تصدر عن ممثلي الشعب، ولأنها أصلا بينت على واقع سياسي لا شرعي في غياب السلطة الشرعية عن مؤسسات القطاع.

إن المكتسبات والمنجزات التي حققها المجتمع الفلسطيني بفضل نضاله وتمسكه بحقوقه المدنية والوطنية طوال سنوات النضال، وخلال مرحلة البناء، لا يمكن لأي جهة مهما احتكمت لقانون القوة أن تنتزعها منه، أو تحول دون أن يمارس شعبنا حقه في التعددية الفكرية والإعلامية، فهذه الإجراءات مهما حاولت حماس أن تنفذها في القطاع بحكم سيطرتها الفعلية عليه وعبر استخدامها الأساليب الإجبارية، لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تلغي هذا الحق الدستوري والمؤسساتي المكتسب للمؤسسات الإعلامية وباقي مؤسسات المجتمع المدني، وقد تستطيع حماس بفعل سياسية الأمر الواقع أن تفرض امن الإجراءات ولسياسات على مؤسسات القطاع بقدر ما يروق لها، إلا أن أي من هذه الإجراءات سيبقى باطلا ولن يحوز على أي شرعية قانونية أو دستورية أو شعبية أو حتى وطنية.

صحيح انه من المهم أن تلتزم جميع المؤسسات الإعلامية وغيرها بالقوانين في معاملالتتها وإجراءات عملها، إلا أن هذه القوانين واجبة التطبيق فقط من قبل السلطة الشرعية التي هي غائبة الآن عن قطاع غزة، بفعل الظروف الموضوعية، كما أن القانون هو ما يجري على جميع الأراضي الفلسطينية والمعتمد من المؤسسات الشرعية الفلسطينية، وليس ما تقرره حماس، ومهما حاولت حماس التضييق على العمل الإعلامي في القطاع كما دأبت منذ انقلابها على الشرعية، فان أي من هذه المؤسسات لن يصبح بوقا لحماس وسياسياتها.

إن الخطورة تكمن في أن تواصل حماس نهجها التي اختطته لنفسها في التعامل مع المواطنين والمؤسسات الرسمية والأهلية والخاصة في قطاع غزة، حيث أباحت لنفسها أن تقوم بكل ما يراه مسؤولها متوافقا مع أهوائهم، وكأن القوانين الفلسطينية لا تنطبق على قطاع غزة، وهو ما ينذر باندثار أخر لمعالم التعددية والديمقراطية التي أرادها الشعب الفلسطيني لنفسه على الرغم من معاناته وطرفة الاستئنائية في ظل الاحتلال الإسرائيلي، الأمر الذي يتطلب رفضا تاما لهذه الإجراءات وتحركا شعبيا وعلى مستوى مؤسسات المجتمع المدني للتصدي لقمع الحريات وانتهاك التعددية الفكرية وحرية العمل الإعلامي التي تمارسها حماس في جزء عزيز من الأرض الفلسطينية.

بقلم: مفتاح
المبادرة الفلسطينية لتعميق الحوار العالمي والديمقراطية / مفتاح