29 يوليو 2004

الكاتب: م. كمال خوري
المصدر: مرآة سورية
الفرق بين مراسل صحيفة والسياسي

لو أراد أحد التشويه بصورة جميلة فما عليه إلا أن يتناول المقص ويبدأ بقصها إلى أجزاء ونتف صغيرة، يكفي أن نعرض أي جزء منها على حدة ليبدو مشوهاً وكأنه لا علاقة لها بالصورة الأكمل. وفي أحاديث من لايصنفون أنفسهم صحفيين، بل هم من العوام، كثيراً ما نسمع المثال التالي: “إن قول فلان كمن استشهد بالقرآن ليقول: “لا تقربوا الصلاة.” [ووقف] بدلاً من “لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى” فتبدو العبارة القرآنية وكأنها بمطلقها تحذر الناس من الصلاة. هذا التشويه هو بالضبط ما فعله أحد المبتدئين في مهنة الصحافة عندما تناول ما سماه محضر تحقيق الأستاذ أكثم نعيسة إذ يزعم أن هناك من أرسل له فقط هذه العبارات التي أخذت من محضر طوله أربعون صفحة فنشرها لتبدو وكأن قضية اعتقال الأستاذ نعيسة كلها تمثيلية سخيفة، وكأن المعتقل دخل السجن لأنه يريد أن يمّثل أو ليعالج صحياً حيث الرعاية الطبية مشهود لها أو لأنه أراد الاستجمام في منتجعات السجون السورية في صيدنايا إذ تبلغ مساحة المهجع الواحد أربعون متراً مربعاً تخصص لكل سجين.

عندما ينقل الصحافي خبراً فإنه يجب أن يفكر به وبأبعاده وبتداعياته، ويجب ألا يخفاه السؤال لماذا يجب نقله ومن يخدم ذلك الخبر في نهاية الأمر. إن مهنة الصحافة هي مهنة إنسانية قبل كل شيء ويجب أن يتحلى الصحفي بأخلاق مهنته التي تقتضي عدم الوقوف إلى جانب الظالم والطاغي والديكتاتور. تاريخ الصحافة يشهد لصحفيين (أوربيين وأمريكيين) كان عليهم نقل الحدث فوجدوا أنفسهم ـ بدافع إنساني ـ جزء من الحدث ليدفعون الظلم الواقع على إنسان. كم من صحفي بكي لألم الإنسان الذي يكتب عنه، وكم من الصحفيين وجد طفلاً تيتم في حرب أهلية فانتزع هذا الطفل ليتبناه ويضعه بين أطفاله ويرعاه. هؤلاء الصحفيين تحلوا بالإنسانية ـ ولم يصبحوا ألعوبة ولم تهمهم الأخبار التي تتنافى مع صفاتهم الإنسانيةـ فلم يكتفي واحدهم بالكتابة عن الحرب مثلاً بل بدافع إنساني محض أخذوا يحاولون تخفيف وقع الحرب عن الآخرين. أي أن مهنة الصحفي هي إنسانية ويجب أن يكون همها نصرة المظلوم وليس زيادة معاناته بحمل سلاح الظالم.

لقد انتبه لفعل مراسل أيلاف هذا أساتذة أجدر منا بالتحليل والكتابة وأقدر منا على استقراء الأمور بدقة وكتبوا عن الموضوع ومن يخدم في النهاية. إن أقوال أكثم نعيسة التي يجب أن نستند إليها هي أقوال أكثم نعيسة الحر الطليق وليس أكثم نعيسة السجين المريض بين أيادي الجلادين والمحروم من أبسط الحقوق في معتقله. حتى ولو لم نعرف من هو أكثم نعيسة أوحتى ولو كنا على خلاف معه فالأخلاق تقتضي إما الصمت أو عدم الإساءة لسجين معزول وعدم المساهمة في زيادة القهر والقمع الواقعان عليه.

ما يلفت للنظر حقاً هو إما جهل (روحي عازار) مراسل إيلاف وتباهيه بجهله وإما إصراره على التباهي ببشاعة عمله في تقديمه خدمة للنظام السوري الذي يريد التشويه بأكثم نعيسة، فبدلاً من الإعتذار عن فعلته نجده اليوم يكتب لمرآة سورية قائلاً أنا: ” لدي مطلق الحرية في نشر أخباري” وأنا “مستقل عن الحكومات والمعارضات” و”أخباري صحيحة”. من الواضح أن هذا الشخص غير ناضج ولا يعرف الظروف السورية وما معنى أن تكون سجيناً في سورية فهو يهتم بخبر ولا يفكر بأبعاده كإنسان، لن نطالبه أن يفكر كرجل سياسة لأن ذلك كبير (ومبهبط) عليه. لو افترضنا جدلاً أن المراسل هو بريء ولو أردنا تصديق براءته (بالرغم من أن نشر هذه الأقاويل قبل المحاكمة بيوم واحد ليس بريئاً) فمن المؤكد أن من يصر على ذلك إما يريد عمداً تأدية خدمة للنظام السوري أولا يعرف ما معنى التحقيق مع سجين وظروفه ومناخه في سورية، وحيث يكون المرء بين أيادي جلادين وعصابة مارقة على كل القوانين والأعراف لا يوجد بطولة، والمرء ليس مسؤولاً عما ينسب إليه حتى ولو حمل توقيعه وبصمه. نكرر أن المستند الوحيد لأقاويل المرء هو وجوده حراً طليقاً، وخلاف ذلك لا نعتمده ما دام السجين سجيناً.

حرام هذا الظلم والإساءة المتعمدة إلى شخص دفع الكثير من حياته في سبيل رفع المظام عن السوريين كرداً وعرباً.

الحرية للمناضل أكثم نعيسة
الحرية لكافة معتقلر الرأي في سورية والعالم
الحرية لكافة المعتقلين السياسيين
والخزي والعار للظالمين ووسائلهم.


أرسلت من قبل المحرر بتاريخ 29/7/2004 المركز الاعلامي
لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية و حقوق الانسان في سوريا
www. cdf-syria.org
info@cdf-syria.org