25 اغسطس 2004


أصدرت محكمة أمن الدولة العليا بسوريا قراراها الأسبوع الماضي بإخلاء سبيل المحامي البارز وسجين الرأي أكثم نعيسة داعية الإصلاح ورئيس لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا بكفالة مالية، وذلك على قيد المحاكمةالتي ستستأنف في وقت لاحق. وقد لاقت منظمات حقوق الإنسان هذا القرار بترحيب بالغ ودعت إلى ضرورة إسقاط الاتهامات المنسوبة إلى نعيسه، وإلغاء الدعوة القضائية المقامة ضده ، وفي أول تصريح له عقب إطلاق سراحه أكد أكثم أن ما يحدث لن يؤثر في طبيعة عمله وأنه سيواصل بنفس القوة والإصرار التي كان عليها قبل اعتقاله.

إن هذا المأزق لا يواجه أكثم وحده في سوريا بل سبقه وواكبه حالات أخرى مشابهة. فملف حقوق الإنسان في سوريا يثير العديد من علامات الاستفهام ، فطبقا لتقارير عدد من منظمات حقوق الإنسان وصل عدد المعتقلين السياسيين في السجون السورية نحو ألفي معتقل من مختلف الانتماءات السياسية وقد أمضى بعضهم فترات طويلة تبلغ نحو ثلاثين عام وتخضع الاعتقالات في أغلبها إلى مشيئة أجهزة الأمن المختلفة والصلاحيات الاستثنائية الممنوحة لها بقانون الطوارئ المطبق في سوريا منذ عام 1963.

إصرار مناضل
يعد المحامي أكثم نعيسه واحد من أهم نشطاء ومدافعي حقوق الإنسان ليس في سوريا فحسب بل في المنطقة العربية. وقد تعرض أكثم أخيرا لمواجهه ليست هي الأولى بالنسبة له مع السلطات السورية فنشاطه البارز في مراقبة أوضاع حقوق الإنسان هو وزملاءه في لجان الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا جعله دائما محل اتهام من جانب الحكومة السورية، فقد اعتقل للمرة الأولى عام1981 بسبب نشاطه مع مجموعة من المحامين الذين طالبو باحترام حقوق الإنسان، و في المرة الثانية حكم عليه عام 1991 بالسجن لمدة 9 سنوات من قبل محكمة استثنائية وقد استطاع أكثم وهو في السجن أن يساهم في مؤتمر فينا لحقوق الإنسان عبر رسالة استطاع توصيلها حدد من خلالها ملامح أفاق العمل الوطني وحقوق الإنسان في سوريا . أطلق سراحه عام 1998 بسبب تردي حالته الصحية في السجن وعقب خروجه أعاد تشكيل اللجان عام 2000 وواصل نشاطه في مواجهة حالة الطوارئ وما ينجم عنها من انتشار للاعتقالات التعسفية وتفشي التعذيب والتضييق على الحريات المدنية والسياسية كما تتصدى اللجان للمظالم التاريخية التي تتعرض لها الأقليات في سوريا وعلى وجه أخص الأكراد.

إلا أن هذه المرة التي يمثل فيها أكثم للمحاكمة تتم في الوقت الذي يتحدث فيه العهد الجديد في سوريا عن نوايا الإصلاح والتغيير السياسي وفي ظل مناخ دولي مشحون تجاه وضع الحريات والديمقراطية في المنطقة العربية.

أكثم معروف بمواقفه الجريئة، ودفاعه الصلب عن الإصلاح، واحترام الحقوق والحريات العامة، فقبل اعتقاله بفترة وجيزه شارك في أعمال المنتدى المدني الأول الموازي للقمة العربية الذي نظمه مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في مارس الماضي في بيروت من أجل بلورة رؤية مشتركة تجاه قضايا الإصلاح في العالم العربي لطرحها على القمة العربية، وأكد نعيسة خلال ورقته التي تقدم بها للمنتدى أن الحكومة السورية غير قادرة على دفع استحقاقات الديمقراطية والتعامل معها، وبدا احتجازه فيما بعد وكأن الحكومة أرادت التأكيد على ما ذهب أليه من استنتاجات.

وكان أكثم قد قاد حمله في سوريا من أجل رفع حالة الطوارئ، وتبنت لجان الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا عريضة شعبيه وصلت التوقيعات فيها إلى ما يزيد عن 7000 مواطن ومواطنه تطالب السلطات السورية برفع الطوارئ وإلغاء الآثار القانونية والسياسية والاقتصادية التي نجمت عنها بما فيها إلغاء جميع المحاكم العرفية والاستثنائية ووقف الاعتقال التعسفي والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين ومعتقلي الرأي وإعادة المنفيين إلى وطنهم بضمانات قانونية وإطلاق الحريات الديمقراطية بما فيها الحق في تأسيس الأحزاب والجمعيات المدنية.

وفي التجمع السلمي الذي دعت إليه اللجان في 8 مارس تجمع نحو 600 من نشطاء اللجان ومناصريهم أمام مجلس الشعب السوري للإعلان عن مطالبهم في حدث يتم للمرة الأولى منذ 41 عاماً بشكل علني وسلمي وفي قلب العاصمة السورية. وكرد فعل قامت أجهزة الأمن بتفريق المتجمعين وألقت القبض على عشرات منهم وفقي مقدمتهم أكثم ثم أطلق سراحهم بعد ساعات من احتجازهم.

محاكمة سجين رأي
أقدمت السلطات السورية مرة أخرى على اعتقال نعيسه في 13 إبريل بواسطة الأمن العسكري بالازقيه وظل محتجزا طويلا دون توجيه تهمه إليه، ودون إتاحة معلومات حول مكان احتجازه، وتتالت الأنباء فيما بعد عن التدهور الشديد في حالته الصحية. أحيل أكثم لمحكمه أمن الدولة العليا بتهم تتعارض مجملها مع مبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان، وخاصة العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المصدق عليه من جانب الدولة السورية، كالحق في حرية الرأي والتعبير، والحق في التنظيم. فاشتملت الجرائم المنسوبة إليه على معاداة الثورة ونظام الدولة الاشتراكي ومناهضة أفكارها، والترويج لإشاعات كاذبة ومغرضة حول أوضاع البلاد، والانخراط في منظمة سرية لها صلات بالخارج، وقد سقطت هذه التهمة الثالثة بمرسوم العفو الرئاسي الصادر الشهر الماضي، وإذا ما تم تجريم أكثم فان المواد القانونية التي يحاكم على أساسها تنص على عقوبات تراوح أحكامها من 3 سنوات إلى 15 سنة، وجدير بالذكر فإن الإجراءات المتبعة أمام هذه المحكمة التي مثل إليها نعيسة تفتقد إلى أدني المعايير الدولية الواجبة للمحاكمات العادلة، وقد انتقدت مرارا من جانب اللجنة المعنية بحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، فتشكيلها يشكك في استقلاليتها ومصداقية أحكامها، كما تنتقص الكثير من حقوق المتهم في الدفاع، ولا يجوز الطعن على أحكامها التي تسري بتصديق رئيس الجمهورية.

وقد لاقى اعتقال اكثم ومحاكمته صدى دولي كبير، وتقديرا لنضاله الطويل في الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا أعلن معهد حقوق الإنسان “لودفيك تراريو” بفرنسا في 26 إبريل منحه جائزته السنوية لعام 2004 ، وهذه هي المرة الأولى التي يمنح فيها المعهد جائزته لأحد النشطاء في العالم العربي. كما تابع جلسات المحاكمة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والسفارات الأجنبية و منظمات دولية وعربية لحقوق الإنسان وسط تنديد واستهجان واسع النطاق. ولعل الخيار الأهم والوحيد أمام الحكومة السورية الآن، لتحسين صورتها أمام الشعب السوري أولا والمجتمع الدولي ثانيا، يبدأ من الإفراج عن كافة سجناء الرأي في السجون السورية، وإسقاط التهم الموجهة في حق أكثم نعيسة، والبدء في خطوات فورية لتصحيح العلاقة بين المواطن والسلطة على أساس سيادة واحترام القانون، واعتراف الدولة بالمجتمع دونما الدخول في مواجهات تكون فيها احترام معايير حقوق الإنسان الخاسر الرئيسي .

معتز الفجيري
جريدة القاهرة الاسبوعية
24 أغسطس 2004
الحرية للزميل أكثم نعيسة
رئيس لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان
الحرية للزميل كمال اللبواني عضو مجلس الأمناء
الحرية للزميل خالد علي