21/2/2008

يدين المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بشدة استمرار سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي في فرض سياسة العقاب الجماعي ضد سكان القطاع المدنيين، عبر إحكام حصار القطاع، والتنكر لحقهم في تلقي العلاج، ومنعهم أو عرقلة وصولهم للمشافي خارج قطاع غزة، أو المس بوسائل علاجهم المحدودة داخل القطاع، ما أفضى إلى وفاة العديد منهم، وتدهور صحة عشرات المرضى الآخرين. وقد توفي ثلاثة مرضى من سكان القطاع خلال الأيام الماضية، وهم امرأة، رجل وطفل رضيع، وذلك بسبب منعهم من السفر للعلاج خارج القطاع، أو بسبب النقص الكبير في الأدوية والمعدات الطبية في مستشفيات القطاع.

وفي المقابل اضطرت العديد من سيارات الإسعاف والطوارئ إلى التوقف تماماً عن العمل، وذلك جراء نفاذ الوقود اللازم لعملها، بسبب تقليص السلطات المحتلة لكميات الوقود الواردة للقطاع، ما أعاق طواقمها عن عملها في ميدان تقديم خدمات الإسعاف ونقل المرضى والجرحى والمصابين، خاصة في محافظة رفح التي أوقعت فيها القوات الحربية المحتلة خمسة من القتلى، وأصابت نحو 15 آخرين بجراح، بقوا ينزفون لفترة من الوقت.

ووفقاً لتحقيقات المركز، وبتاريخ 16/2/2008 توفيت المواطنة ريم فؤاد محمود البطش، 34 عاما، من سكان جباليا، وهي أم لـ 6 أطفال، وذلك جراء إعاقة سلطات الاحتلال نقلها لمستشفى ايخلوف في إسرائيل لمدة 5 أيام. وكانت المواطنة البطش قد أصيبت بجلطة دماغية حادة بتاريخ 11/2/2008، نقلت على أثرها إلى مستشفى الشهيد كمال عدوان في بيت لاهيا. وحولت لاحقاً إلى مستشفى الشفاء في مدينة غزة لخطورة حالتها الصحية. وقد اضطر الأطباء، ونتيجة لتعطل العديد من أجهزة المستشفى الطبية، والنقص الحاد في الأدوية والمستلزمات الطبية إلى اتخاذ قرار بتحويلها للعلاج في مستشفى ايخلوف في اسرئيل بعد موافقة المستشفى. ووفقاً لمصادر وزارة الصحة، قدم لها طلب لسلطات الاحتلال بتاريخ 11/02/2008، للحصول على تصريح للسفر عبر معبر بيت حانون( ايريز) إلى المستشفى. غير أن سلطات الاحتلال ماطلت في الرد على طلبها لمدة 5 أيام، رغم خطورة حالتها الصحية. وقد تدهورت حالتها الصحية صباح يوم الجمعة، الموافق 15/02/2008، ودخلت في حالة موت سريري، وذلك قبل أن تصل وزارة الصحة الفلسطينية موافقة سلطات الاحتلال على منحها تصريح دخول إلى مستشفى ايخلوف. وقد تعذر نقلها في ظل وضعها الصحي الحرج، وتوفيت في حوالي الساعة التاسعة من صباح يوم السبت، الموافق 16/02/2008.

وبتاريخ 18/2/2008 توفي المواطن عبد العظيم عودة عبد ربه خضر، 59 عاما، من سكان مخيم جباليا، جراء تدهور حالته الصحية، حيث كان يعاني من انسداد في شرايين القلب منذ نحو شهرين، وكان يرقد في قسم العناية المكثفة في مستشفى كمال عدوان. وكان المريض، الذي كان يعاني أيضا من مرضي السكر والضغط، بحاجة لعملية لإجراء عملية القلب المفتوح. غير أن إغلاق معبر رفح البري حال دون سفره للعلاج في مستشفى خارج القطاع، حيث لا تتوفر إمكانيات لإجراء مثل تلك العملية الجراحية في مشافي القطاع. جدير بالذكر أن المرحوم خضر كان لا يمتلك هوية ورقماً وطنياً، حيث كان عاد إلى القطاع في أواخر العام 2005، بعد إبعاد دام 23 عاما، أمضى قبلها 13 عاما في السجون الإسرائيلية.

وبتاريخ 19/2/2008 توفي الطفل سعيد محمد سعيد العايدي، 1.5 عام، من سكان حي الجنينة في مدينة رفح، نتيجة تدهور حالته الصحية، وعدم قدرته على السفر إلى أحد المستشفيات المصرية، لمواصلة علاجه فيها. وكان الطفل قد تلقى العلاج في ديسمبر في 2006 في مستشفى معهد ناصر، ومستشفى أبو الريش المصريين لمدة شهرين، حيث كان يعاني عيباً خلقياً في الكبد،

عدم وجود الخصيتين في كيس الصفن، انتفاخ شديد في البطن وتأخر عام في النمو. وقد عاد إلى القطاع بعد انهاء المرحلة الأولى من علاجه، على أن يعود بعد 6 أشهر لمواصلة العلاج. غير أن حصار القطاع واستمرار إغلاق معبر رفح البري حال دون سفره مرة أخرى إلى مصر. وقد تدهورت حالته الصحية منذ شهر 7/2007، ما استدعى نقله إلى مستشفيي ناصر وغزة الأوروبي في خانيونس، ولعدة مرات، إلى أن ساءت حالته الصحية، وتوفي بتاريخ 19/02/2008.

وخلف قرار السلطات الحربية المحتلة، القاضي بتقليص إمدادات القطاع بالوقود والمحروقات، خطراً حقيقياً على حياة المرضى والجرحى في قطاع غزة، وتسبب في عرقلة عمل الطواقم الطبية وتقديمها للخدمات الإنسانية، خاصة في ظل العمليات الحربية التي نفذتها قوات الاحتلال الحربي الإسرائيلي.

فقد أفاد باحث المركز الميداني في رفح، أن 5 سيارات إسعاف من أصل 7 سيارات قد توقفت تماماً عن العمل، وذلك يوم الأحد الموافق 17/02/2008، وذلك بسبب نفاذ كميات الوقود المخصص لتشغيلها من مستودعات مستشفى أبو يوسف النجار، ما شكل خطراً كبيراً على حياة السكان المدنيين في المحافظة. وقد تزامن ذلك مع استمرار العمليات الحربية التي تنفذها قوات الاحتلال في منطقة الشوكة في المحافظة، والتي أدت غلى مقتل خمسة مواطنين، و إصابة نحو 15 مواطناً.

ووفقا لمصادر وزارة الصحة، فان 49 سيارة إسعاف توقفت عن القيام بمهامها، من أصل 57 سيارة إسعاف تتبع لدائرة الإسعاف والطوارئ، وذلك بسبب عدم تزويدها بالوقود اللازم لتشغيلها. وأفادت المصادر ذاتها أن الأزمة الحقيقية قد بدأت في الأسبوع المنصرم عندما تم تقلصت كمية الوقود التي وردت للدائرة إلى أقل من 10% من احتياجاتها الأسبوعية. وقد تلقت الدائرة 300 لتر بنزين، و 400 لتر سولار فقط طيلة الأسبوع، علما بان احتياجاتها الأسبوعية تصل إلى 4200 لتر بنزين، و3500 لتر سولار لتشغيل 42 سيارة إسعاف تعمل على البنزين، و 15 سيارة إسعاف تعمل على السولار. وقد تسبب توقف العدد الكبير من سيارات الإسعاف إلى تأخير إخلاء ونقل وتطبيب مئات الجرحى والمرضى، وتزامن ذلك مع تنفيذ القوات الحربية المحتلة أعمالاً حربية في عدة مناطق في القطاع أوقعت العديد من القتلى والجرحى. المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان إذ يدين استمرار الإجراءات الإسرائيلية، التي تحرم المرضى من حقهم في تلقي العلاج اللازم، وإسعافهم، فإنه:

  1. يدعو الأطراف السامية المتعاقدة على اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949، والخاصة بحماية المدنيين في أوقات الحرب، إلى الضغط الفوري على السلطات الحربية الإسرائيلية المحتلة، من أجل ضمان احترام قواعد القانون الإنساني الدولي، ووقف العمل بسياسة العقاب الجماعي ضد المدنيين في القطاع.
  2. يدعوها إلى التدخل الفاعل لضمان إتاحة الفرصة للمرضى الفلسطينيين للتحرك بحرية ليتمكنوا من الوصول إلى الأماكن اللازمة لتلقيهم العلاج المناسب سواء في إسرائيل، الضفة الغربية، المستشفيات المصرية والعالم الخارجي.
  3. العمل الجاد على تزويد القطاع الصحي بكافة المستلزمات اللازمة للقيام بكافة مهامه ، على أكمل وجه، وخصوصا تزويد سيارات الإسعاف بالوقود لتتمكن من القيام بواجبها الإنساني.
  4. يطالب كافة المنظمات الدولية، العاملة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بأن ترفع صوتها عالياً من أجل الوقف الفوري لسياسة العقوبات الجماعية المفروضة على السكان المدنيين في القطاع، ووقف تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية، والسماح بالمرور الحر والآمن لرسالات الأدوية والأغذية، حفاظاً على صحة وحياة السكان المدنيين في القطاع.
  5. يحمل سلطات الاحتلال الحربي الإسرائيلي المسؤولية القانونية والأخلاقية جراء تدهور الأوضاع الصحية للسكان المدنيين في القطاع، ويطالبها بالوفاء بالتزاماتها القانونية تجاههم، وضمان رفاهية السكان والمرور الآمن لرسالات الأدوية والأغذية.