23/3/2008

لسنوات والصحفي عبد الكريم الخيواني يتمتع بحضور متقدم في قائمة الانتهاكات لحرية الصحافة والصحافيين في اليمن, نتيجة لعدد وحجم ونوع ما يطوله من تلك الانتهاكات في كل عام , والتي تنوعت مابين السجن والمحاكمة والاختطاف والاعتداء المبرح والتهديد بالتصفية والمنع من السفر واستجواب المخابرات.

ووفقا لتقرير الحريات الصحافية لعام 2007 والصادر عن مركز عمان لدراسات حقوق الإنسان أن الصحفيين اليمنيين وأدعو عام 2007م وهم ينتظرون ما سيسفر عنه الطعن المقدم من هيئة الدفاع عن الخيواني أمام الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا بعدم دستورية المحكمة الاستثنائية (الجزائية المتخصصة) التي يمثل لديها في قضية, اعتبرها الكثيرون ملفقة, كان الخيواني ذاته الصحفي الذي تعرض لأبشع اعتداء بعد الاختطاف من احد الشوارع الرئيسية بالعاصمة صنعاء أمام عدداً من زملائه الصحفيين والمواطنين.

وبهيئة يبدو عليها الإنهاك والقلق وقف الخيواني أمام زملائه, في لقاء مفتوح احتضنته نقابة الصحافيين, يسرد تفاصيل ما طالة من اختطاف وأعقبه اعتداء وتهديد بالقتل “وضعوني تحت أقدامهم في السيارة, وظلوا يعتدون علي طوال الطريق, وتناوبوا على ضربي مرة ثانية في المكان الذي طرحوني فيه وأنا معصوب العينيين, وأسقطوني على الأرض وقالوا إنني على رأس هاوية, وكانوا يتواصلون مع شخصية عسكرية قيادية في البلاد, وكانوا يقولون هذه أخلاق الدولة وسنعرفك في المرة القادمة على أخلاق ماقبل الدولة, لا تكتب عن أسيادك, أنت لا تحترم الجمهورية والثورة والمشايخ, وظلت جملتهم المعتادة لا تتطاول على أسيادك”.

عبد الكريم محمد الخيواني ولد بمدينة تعز عام 1965م من أسرة تنتمي لمحافظة ذمار ودرس الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة صنعاء, وشغل منصب رئيس الدائرة السياسية في حزب الحق المعارض إلى جانب عمله كرئيس لتحرير صحيفة الأمة الصادرة عن الحزب ذاته, وبسبب توجهاته الصحفية والسياسية أضطر بعد ضغوط من قيادة حزبه إلى الاستقالة من الحزب والصحيفة ليتم تعيينه مع بداية عام 2004م رئيساً لتحرير صحيفة الشورى الصادرة عن حزب إتحاد القوى الشعبية المعارض أيضاً

وأقدم على نشر ملفات لم تشهد الصحافة اليمنية مثيلاً لها كان أبرزها (وطن في مثب التوريث) و (تجار ومسئولون أيضاً) إلى جانب الموقف المعارض للحرب التي نشبت في شمال اليمن بين القوات الحكومية ومن عرفوا بأتباع الحوثي.

في 5 سبتمبر 2004م وعقب محاكمة تزامنت مع الحرب في صعده وفي ظل أجواء أشبه بحالة الطوارئ وانسحبت من جلسات المحاكمة هيئة الدفاع عن الخيواني بمبرر غياب الإجراءات المتبعة لأي محاكمة عادلة, اقتادته قوات أمنية في ذات اليوم الذي صدر حكم (درجة أولى) بسجنه عام كامل بعد إدانته وصحيفته بإهانة رئيس الجمهورية وإثارة النعرات الطائفية للإضرار بالمصلحة العليا للبلد, وتحريضه على الفتنة, وقضى في المعتقل 7 أشهر وأفرج عنه بعفو رئاسي, وبعد أن أيدت محكمة الاستئناف الحكم الابتدائي الذي قضى أيضاً بإغلاق الصحيفة لمدة ستة أشهر وتحولت قضيته إلى قضية رأي عام وتعرضت الحكومة اليمنية تعرض خلالها للمضايقات من المنظمات الدولية المهتمة بالحريات الصحفية وحقوق الإنسان عموماً, ولم يكن في معتقله بعيداً عن التهديدات والاعتداءات.

لم يكد الخيواني يبدأ صفحة جديدة من العمل في صحيفة الشورى عقب خروجه من السجن وصدور الصحيفة ولأسابيع محدودة حتى أقدمت مجموعة مسلحة تدعي الانتماء للحزب الصادرة عنه الصحيفة بالاستيلاء على مكاتبها وإصدارها من قبل هيئة تحرير جديدة, وتمسك الخيواني وطاقم تحرير الصحيفة بموقفهم المعارض الذي ظلوا يبرزونه بتحدي واضح لكل الضغوط والاعتداءات والتهديدات عبر الموقع الإلكتروني للصحيفة (الشورى نت) والذي تعرض هو الآخر للحجب من قبل وزارة الاتصالات لمرات عدة استمرت بعض الأحيان أشهر.

خلال ذلك نشر الموقع تقريراً عن إفلاس احد البنوك التجارية اليمنية, فتقدم رئيس دائرة التوجيه المعنوي بالقوات المسلحة ورئيس تحرير صحيفة 26سبتمبر الصادرة باسم الجيش اليمن بشكوى أمام نيابة الصحافة والمطبوعات ليظل أسابيع خاضعاً للاستجواب, تلاها حادثة منعه من السفر من قبل سلطات مطار صنعاء الدولي حيث كان متوجهاً إلى مملكة المغرب للمشاركة في ورشة عمل حقوقية وتعرض لحجز والتحقيق من قبل مكتب جهاز الأمن القومي, واقتيد على الفور على مقر وزارة الداخلية حيث أفرج عنه بعد تدخل قيادة نقابة الصحافيين.

لكن في 20يونيو 2007م كان الأمر يأخذ منحى جديداً إثر اقتحام منزله من قبل قوات أمنية أيقظته من نومه وروعت أطفاله, وكان المبرر أمر قبض قهري من النيابة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة, وتم مصادرة أشياء كثيرة من منزله أجهزة كمبيوتر وتلفونات جوال وأشرطة وأوراق وصور فوتوغرافية تخص أسرته,

وقال أن احد ضباط المخابرات ادعى انه موظف في مؤسسة الكهرباء, فيما كان هو يغط في نوم عميق فتحت ابنته الصغيرة الباب لتداهم قوة مسلحة المنزل, وجثم أحدهم على صدره وآخرين كانوا يسحبونه عنوة, واقتيد بملابس نومه إلى مقر النيابة والمحكمة الجزائية المتخصصة.

احتجز الخيواني لما يقارب الشهر في سجن الاحتياط ثم السجن المركزي وأطلق سراحه بالضمان عقب تدخل المنظمات الدولية والمحلية نتيجة لما يعانيه من مرض القلب, وخضع للمحاكمة ضمن ما وصف بخلية صنعاء الثالثة ووجهت إلى أفرادها الـ 16 تهمة التآمر للانقلاب على النظام, وخصص بتهمة الترويج الإعلامي لأفكار الحوثيين الذين يقودون تمرداً ضد الدولة في محافظة صعده شمال البلاد, ولازالت القضية أمام المحكمة بانتظار ما سيسفر عنه طعن هيئة الدفاع عنه بعدم دستوريتها.

وفوجئ الصحفيين اليمنيين في 27 أغسطس 2007م, بالإعلان عن اختطاف الخيواني من قبل مجموعة مسلحة إلى مكان مجهول ثم أعلن عن العثور عليه في أحد المستشفيات الأهلية جنوب العاصمة صنعاء, وكانت عملية الاختطاف تمت بعد مغادرته لصحيفة النداء ظهراً, والتي سبقتها لقاء مع بعثة الإتحاد الأوروبي بصنعاء بناءاً على طلبها, واقتاده 8 أفراد بقوة السلاح على متن سيارة وضع على لوحتها ساتر يمنع معرفة هويتها ودفعوه بالقوة إلى المقعد الخلفي للسيارة, ووضعوه تحت أقدامهم واستمروا في ركله وضربه وشتمه وتهديده بالتصفية الجسدية هو وأسرته أن هو عاود الكتابة في الصحف ومن ثم القوا به في مزرعة بمنطقة خولان على بعد أكثر من 50 كيلو من العاصمة صنعاء, وشرعوا في بتر أصبعين من يده اليسرى التي أوهمهم انه يكتب بها ما أحدث فيهما تمزقاً حسب تقرير طبي.

كانت الخطوة الأكثر غرابة هو مسارعة المصدر الأمني (تابع لوزارة الداخلية) بتكذيب واقعة اختطاف الخيواني والاعتداء عليه, متهماً له إدعاء ذلك بحثاً عن بطولة وأنه لا يشكل رقماً مهماً يستدعي الإقدام على الاعتداء عليه, وأشار تصريح المصدر الذي تداولته وسائل الإعلام الرسمية بمختلف أنواعها (صحافة مطبوعة وإلكترونية وإذاعة وتلفزيون) أن الخيواني كان في المنطقة, التي قال أن الخاطفين تركوه فيها, حاضراً في عرس أحد العاملين في صحيفة النداء وهو ما نفته قبيلة ذلك العريس تماماً, وهو ما جعل دفع نقابة الصحافيين إلى الرد بقوة على ذلك وتأكيد اختطافه من قبل مسلحين أمام الكثيرين في مقدمتهم عضو مجلس النقابة رئيس تحرير صحيفة النداء (سامي غالب).

واعتبرت النقابة ما تعرض له الخيواني “جريمة خطيرة وتكراراً لجرائم سابقة ارتكبتها جهات وجماعات معادية للصحافة والقيم الديمقراطية في اليمن”, ولفتت إلى أن “مسارعة الجهات الأمنية نفي حدوث جريمة وقعت في قلب العاصمة وعلى مرأى من صحفيين ومواطنين كانوا قريبين من مكان وقوعها, ليس من شأنه إلا إظهار الجهات الأمنية باعتبارها متواطئة في جريمة الاختطاف التي استهدفت الخيواني, ولم تكد تمر أسابيع على الحادثة حتى ظهر الرئيس علي عبد الله صالح في خطاب له ينفي أي انتهاكات يتعرض لها الصحافيين, وتحدى الرئيس “كل من يدعي أن هناك صحفياً تعرض للأذى من السلطات أن يثبت صحة ذلك الإدعاء”, معتبراً “الإدعاءات التي تتحدث عن تعرض الصحفيين لمضايقات هي اعتداءات مدفوعة الأجر, ينفذها أشخاص مأجورين, وبعض الصحفيين يدعي ذلك من أجل الضجيج الإعلامي وتهييج الرأي العام, وهناك من يقول تعال نضج في الصحافة ونذهب إلى السفارة الأميركية”.

الخيواني أكد عقب الحادثة انه يدفع “ضريبة تصديقي للسلطة ومزاعمها بنهج النظام الديمقراطي”, وأضاف انه “بعد حادثة اقتحام منزلي وترويع أسرتي واختطافي مرة ثانية، يغمرني شعور بأن السلطات قررت إباحتي وإهدار دمي”, في حين كان قبلها بأسابيع توجه إلى مقر منظمة العفو الدولية بصنعاء ودون لديها وصيته الأخيرة “حملت رئيس الجمهورية المسؤولية المباشرة إزاء أي مكروه قد أتعرض له أو أحد أفراد أسرتي”, وكشف عقب اختطافه عن تعرفه على أحد الخاطفين الذي كان ضمن المجموعة الأمنية التي اقتحمت منزله في 20 يونيو للقبض القهري.