1/2005

الحرية للزميل لـ أكثم نعيسة
وخالد علي
ولكافة المعتقلين السياسيين و معتقلي الرأي
ساندوا لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان في سوريا
مواقع اللجان الجديدة :
” target=”_blank”>www.cdf-syria.com
www.cdf-syria.net
www.cdf-syria.org

يوم الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

وخمسة عشر عاما على تأسيس ( ل د ح )

احتفل المجتمع الدولي يوم 10/12/2004 بالذكرى السادسة والخمسين للإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر في 10/12/1948 ، أخذ هذا الاحتفال أشكالا احتجاجية على المدى الذي يعيش فيه الإنسان من الحرمان و الاضطهاد و الفقر والإبادة الجماعية خصوصا في عالم الجنوب .وفي نفس الوقت المطالبة بتحرير قيم حقوق الإنسان من قبضة المصالح الاقتصادية و السياسية ، وتفعيل دور المحكمة الجنائية الدولية، وإعطاء دور أكثر فاعلية لمنظمات المجتمع المدني ومنظمات حقوق الإنسان والحركات الاجتماعية في إدارة شئون العالم. وبناء تحالفات فاعلة من أجل إعمال مبادئ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان .

قطعت منظومة و قيم حقوق الإنسان بعد مرور ( 56 ) عاما مسارا من النضج و التبلور و الانتشار في سياق نضالها إزاء كل أشكال الانتهاك التي يتعرض لها الإنسان بغض النظر عن جنسه و دينه و لونه وانتماءه القومي أو السياسي …..، وتحولت منظمات حقوق الإنسان العالمية و المحلية إلى قوى ضغط فعلية على الحكومات من أجل احترام قيم حقوق الإنسان ، حتى تحولت هذه القيم إلى معيار لمدى انتماء هذه الحكومات إلى العالم المعاصر .

إلا أن منظومة حقوق الإنسان في المنطقة العربية تتعرض لمأزق خطير حيث تتقاطع عوامل و اتجاهات مختلفة و متعددة المصادر في إعاقة تقدمها ( دولية ومحلية ، سياسية و اقتصادية و اجتماعية وثقافية و أيديولوجية ) إلا أن العامل الحاسم في هذا السياق ، هو العامل الداخلي ، فما زالت السلطات العربي ، ورغم تصديقها على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و اغلب المواثيق و العهود و الاتفاقيات ذات الصلة ، إلا أنها تمارس كل أشكال الوصاية و الضبط التي يتعرض لها المجتمع من خلال قمع السلطات للحريات الأساسية ، بسيف حالة الطوارئ و الأحكام العرفية التي لم تنج سوى مزيد من فقدان السيادة الوطنية و مزيد من الفقر و الفساد وتعمق أزمة الشرعية لهذه السلطات و …. ، وهذا ما تدلل عليه سجلات حقوق الإنسان التي تدعو للخزي و الإحباط في المنطقة العربية، مما يضع حركة حقوق الإنسان أمام تحديات و مهام استثنائية .

كما تؤكد ( ل.د.ح ) بهذه المناسبة ، الني تصادف ، أيضا ، مرور خمسة عشر عاما على تأسيس لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية و حقوق الإنسان في سوريا ، على الترابط العميق بين الإصلاح السياسي و التحولات الديمقراطية و التنمية المستدامة ، وبين احترام وتعزيز ونشر وتعليم ثقافة حقوق الإنسان .

فقد كانت( ل.د.ح ) من الداعين لترسيخ ثقافة الحوار و قيمها بين مختلف تكوينات المجتمع ، الحكومية وغير الحكومية,من اجل التمكين من الثقافة الديمقراطية وحقوق الإنسان ،التي تشكل دولة الحق والقانون ذات النزوع الديمقراطي أهم ركائزه، واعتبرت المساهمة في إشاعة الفكر والسلوك والممارسة الديمقراطية والدعوة لترسيخ مؤسساتها و احترام منظومة و قيم حقوق الإنسان ,هو الجزء الرئيسي من مهامها.وكما أكدت اللجان إن قواعد حقوق الإنسان تتجاوز المعايير قانونية إلى توفير الأسس الثقافية لبناء مجتمعات ديمقراطية وعادلة ، يمارس فيها الإنسان حرياته الأساسية الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي صادقت عليه سوريا , وتعمل على تكريم الإنسان عبر حماية حقه في الوجود و المساواة ، وفي الحياة الكريمة ، وتمكينه من المشاركة في تقرير مصيره الفردي والجماعي ، وإن إرساء العلاقات الديمقراطية لن يتم بغياب مؤسسات المجتمع المدني الطوعية,ولا باستمرار العلاقة القائمة بين السلطة والمجتمع ,إنما بالاستناد على قواعد علاقة جديدة أساسها المشاركة والتسامح وسيادة مبدأ المواطنة وغيرها.

لكن انتهاكات حقوق الإنسان المستمرة عمقت المشاكل السياسية وأدت إلى تعميق مختلف الأزمات على المستويات الأخرى و إلى زيادة معاناة قطاعات عريضة من المواطنين ودفعها إلى ساحة التهميش والإقصاء والحرمان.

وقد نالت اللجان من هذه الانتهاكات قسطا وافرا منها ,فقد توج ذلك باعتقال رئيس اللجان و وناطقها الرسمي الزميل اكثم نعيسة ومن ثم إطلاق سراحه بكفالة مالية ، واستمرار محاكمته أمام محكمة أمن الدولة العليا بدمشق وهي محكمة استثنائية و غير دستورية ,ومن ثم يتم تكريمه في خارج بلده لجهوده المبذولة في الدفاع عن حقوق الإنسان ؟ ، وكذلك اعتقال الزميلين ( احمد خازم ,حسن وطفة ) وكذلك توقبف الزميل عبد الكريم ضعون، عضو مجلس أمناء ل.د.ح ،على خلفية نشاطه في اللجان ، إضافة للمضايقات الأمنية و الاستدعاءات التي طالت أغلب كوادر اللجان .

من هنا ترى اللجان إن المداخل الأساسية لمعالجة ملفات حقوق الإنسان و تفعيل الإصلاح و التحول الديمقراطي في سورية يمر عبر الاستجابة للمطالب الحقوقية الأساسية التالية :
1ـ رفع حالة الطوارئ والأحكام العرفي المعلنة في البلاد منذ عام 1963 ، وإيقاف الاعتقال
التعسفي ,والإفراج عن كافة معتقلي الرأي و المعتقلين السياسيين ووقف المحاكمات الجارية أمام محكمة أمن الدولة العليا التي تفتقر إلى أدنى مقومات المحاكمات العادلة ، مما يمكن من تأسيس نظام ديمقراطي بمفهومه السياسي و الاقتصادي والاجتماعي و الثقافي، إطاره دولة الحق و القانون و غايته مجتمع المواطنات و المواطنين الأحرار المتضامنين و المتساويين في الحقوق و الذي يمكن من سيادة كل حقوق الإنسان وضمانها للجميع. وإن تحقيق هذا الهدف يتطلب كإجراء أساسي أولي تعديل الدستور بما ينسجم في المضمون مع مبادئ و قيم ومعايير حقوق الإنسان الكونية التي صادقت عليها سورية ، وعلى أن الشعب هو أساس و مصدر كل السلطات و على الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية و القضائية وعلى المساواة في كافة المجالات بين النساء و الرجال .

2. إقرار مبدأ سمو المواثيق والاتفاقيات الدولية المصادق عليها على التشريعات الوطنية، مع التنصيص على هذا المبدأ في الدستور.

  • إعمال مبدأ الملاءمة عبر إلغاء القوانين و المقتضيات القانونية المنافية لحقوق الإنسان عبر إدماج مقتضيات المواثيق و الاتفاقيات المصادق عليها في التشريع السوري.
  • احترام سيادة القانون في الممارسة على كافة المستويات و نهج أسلوب المساءلة و عدم الإفلات من العقاب للمنتهكين كيفما كان مركزهم و مبرراتهم و هو ما سيساهم بقوة في القطيعة مع عهد الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
  • اتخاذ التدابير الدستورية و التشريعية و الإجرائية لإقرار القضاء كسلطة مستقلة و لتطهيره من الفساد و ضمان استقلاليته و نزاهته وكفاءته

    3- العمل على القطع مع سياسة التعتيم على أوضاع حقوق الإنسان في سورية و بتبني توجه جديد و إيجابي في مجال الحماية و النهوض بحقوق الإنسان و في هذا الإطار نطالب بصفة خاصة بـ:

  • تشكيل ” مجلس وطني لحقوق الإنسان ” ليصبح مؤسسة ديموقراطية من حيث تكوينها و آليات اشتغالها، مستقلة عن السلطة و مؤهلة للمساهمة في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها على غرار المؤسسات الوطنية المماثلة في البلدان الديموقراطية.
  • تشكيل هيئة وطنية مستقلة ( الإنصاف و المصالحة ) لمعالجة ملف المفقودين و الاختفاء القسري على أساس جبر الأضرار لصالح الضحايا ، مما يساهم في طي هذا الملف بشكل نهائي .
  • العمل على التسوية النهائية و العادلة لأوضاع كافة المعتقلين السياسيين المفرج عنهم و كذلك الموقوفين بسبب نشاطهم النقابي أو السياسي وذلك في مجال العمل و على المستوى القانوني و الإداري و المالي و وضع حد قانوني لمضايقة المعتقلين سابقا بدءا بتمكينهم دون قيد أو استثناء من كافة حقوقهم و من ضمنها جوازات السفر و حقهم في مغادرة البلاد و توفير العلاج الطبي والتعويض الملائم للمصابين بأمراض و عاهات ناتجة عن القمع السياسي.
  • إصدار عفو عام تشريعي لإلغاء كافة الأحكام و المتابعات المرتبطة بملف المنفيين وعودتهم للوطن بضمانات قانونية .

    4- إصدار قانون للجمعيات ، يمكّن فيه مؤسسات المجتمع المدني من المساهمة الفعلية و المشاركة في صياغة مستقبل سورية
    5- إصدار قانون عصري و ديمقراطي للأحزاب 6ـ تعديل قانون المطبوعات بما يتوافق مع حرية الرأي و التعبير في كافة الوسائل الإعلامية
    7ـ إعادة الجنسية للمجردين الأكراد
    8ـ . تحمل الدولة لمسؤولياتها في محاربة الفقر و رفع المستوى المعاشي للمواطنين و في ضمان الحق في العيش الكريم و احترام الحقوق الاجتماعية الأساسية في الصحة والسكن و التعليم .
    9- وضع حد لممارسة التعذيب في السجون و الفروع الأمنية ، ومحاسبة مرتكبيه و إحالتهم للقضاء .
    10- وضع الحد القانوني لانتهاك الحق في التجمع و التظاهر السلمي و رفع الحصار عن الجامعات و المعاهد و خلق الشروط لتسترجع الجامعة دورها التنويري والديموقراطي بعيدا عن العنف والتعصب الفكري و العقائدي، وعودة الطلاب المفصولين و المعتقلين إلى مقاعد الدراسة .

    11-.محاربة الفساد من خلال إعمال شعار عدم الإفلات من العقاب بشأن الجرائم الاقتصادية المرتكبة بشأن الثروات و الأموال العامة ، التي شكلت و مازالت تشكل إحدى الأسباب الأساسية لحرمان المواطنين و المواطنات من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية. و تقديم مرتكبيها للعدالة ، وذلك مهما كانت مراكزهم و نفوذهم . واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة التي تضمن استرجاع الدولة للأموال المنهوبة و ما ارتبط بها من فوائد.

    12-اتخاذ كافة التدابير اللازمة من أجل المساواة الفعلية والقضاء على كل مظاهر التمييز القائمة بين النساء والرجال في مختلف مجالات الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و إعمال المادة 5 من اتفاقية مناهضة جميع أشكال التمييز ضد المرأة التي تنص على تغيير الأنماط الثقافية المكرسة للتمييز بين الجنسين ، وتوفير الحماية التشريعية و العملية للمرأة من العنف، ووضع حد للاعقاب على الجرائم التي ترتكب ضد النساء من جراء مختلف أصناف العنف المرتكبة ضدهن.وإلغاء التحفظات السورية على اتفاقية مناهضة التمييز ضد المرأة التي صادقت عليها .

    هيئة التحرير

    بعد خمسة عشر عاما من أجل حقوق الإنسان

    أكثم نعيسة

    يمكن القول إن ثقافة حقوق الإنسان في سوريا جديدة بمعنى من المعاني، وفي فترة سابقة تعود إلى بداية إنشاء لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا، حيث كان الحديث عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين (شرعة حقوق الإنسان ) يعد حديثا عن عوالم غير مفهومة أو واضحة، واعتقد إن قلة قليلة جدا كانوا قد اطلعوا حينذاك على هذه الشرعة، وفي الغالب هم ذوي الاختصاص…. لم تكن لجان الدفاع الحالة الأولى للدفاع عن حقوق الإنسان ، بل سبقتها إلى ذلك رابطة حقوق الإنسان في سوريا، والتي نشأ ت لفترة وجيزة داخل نقابة المحامين في سوريا ومن ثم وبعد أن أصدرت بضعة مقالات توقفت لأسباب أهمها التدخل الأمني حينذاك.

    لكن يمكن الجزم على أن لجان الدفاع كانت الحالة الأولى النضالية والتي عملت في السر وبصورة محترفة في مجال حقوق الإنسان في سوريا ، بوصفها هيئة منظمة استطاعت أن تضع قضية حقوق الإنسان في الأجندة الثقافية والحقوقية والسياسية السورية، رغم الضربة الأمنية التي وجهت لها في عام 1992 والتي طالت فرع الداخل بأكمله تقريبا، إلا أن فرع الخارج استمر في نشاطه واستطاع أن يوصل أحد نشطاه إلى مركز نائب الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، واستطاعت المنظمة تسير بتناغم طيب بين فرع الخارج وبين معتقليها داخل المعتقل ، وان تشكل من قضيتهم قضية رأي عام ( دولي بصورة أساسية ). وبعد انطلاقتها الجديدة في عام 1998 وبصورة رسمية في عام 2002 استطاعت المنظمة أن ت قيم علاقات مع اكثر من 800 منظمة عربية ودولية وان تصدر العديد من الأدبيات بمافيها صحف نظرية دورية وصحف إخبارية وبيانات إضافة إلى الدورات التدريبية التي نظمتها بالتعاون مع مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان وغيره والحضور في عشرات المؤتمرات والدورات التدريبية المختلفة ، حيث شارك فيها الكثير من كوادر المنظمة وأصدقائها.

    كل ذلك في إطار من جهود ذاتية وروح عالية من المسؤولية النضالية التي تحلى بها غالبية أعضاء المنظمة واعتمادا على قدرات وتمويل ذاتي، في ظل ظروف كانت في بداية العمل في منتهى العدائية سواء من أطراف في المعارضة أو الأوساط( الثقافية ؟) الأخرى التي رأت في بداية الأمر أن اللجان حالة جديدة تحمل عقلا جديدا..ما.شكل خطرا..ما .. ( وهمي ) على ما هو قائم.. إضافة إلى العقل الاستبدادي السائد في الفضاء السياسي والفكري السوري والذي يرتكز فيما يرتكز إليه ” على حالة الإلغاء والإقصاء للآخر..مستخدما في ذلك وسائل القمع المتوفرة بين يديه والتي لا تتجاوز حتى اللحظة سوى التقول والاتهام والمهاترة ومحاولة العزل أو محاولات الضم والاحتواء أو الاعتداء على النهج الاستقلالي للمنظمة.. والى ما هنالك من اساليب متخلفة في التعامل مع الآخر.. وأقول بكل شفافية لقد عانينا الأمرين من السلطة وبعض أطراف المعارضة وبطيف متناثر في ما يسمى بالوسط الثقافي السوري…..لقد اتهمنا بشتى ألوان وأنواع الاتهامات التي بدأت بالعمالة للمخابرات وانتهت بالتعامل مع الخارج أو عبر تسفيه نشاطاتنا إلى آخر.. ما ينتجه غباء ثقافة الضعف والعجز. والتي وصلت في بعض الأحيان إلى إنشاء منظمات حقوقية تتبع أحزابا سياسية بهدف سحب البساط وإلغاء اللجان ( أكد تطوربعض هذه الجمعيات فيما بعد على كونها مكسب حقيقي للجان الدفاع وقضيتها و لحركة حقوق الإنسان أيضا وان منطق الحياة والتاريخ والتطور هو اكبر بكثير من منطق التخلف والاستبداد وخيبت آمال من كان يريد غير ذلك ).. أو إنشاء منظمات أخرى تحت أجنحة السلطة في محاولة يائسة لتمييع حركة حقوق الإنسان في سوريا، في حركة تتلاقى مع نهج جديد للسلطات يقضي بإنشاء مجموعة من الأحزاب والجمعيات الكاريكاتيرية،تتعلق بالمناورات السورية المعروفة لتمرير الشراكة الأوربية السورية وتلميع الصورة.( وأنا اعتقد أن الساحة السورية ستشهد في الأيام القادمة مزيدا من خلق هذه الأحزاب وتلك الجمعيات وكأن تجربة الجبهة لا تكفي ؟؟؟) ، أيضا في مستوى آخر تم اعتقال العديد من أعضاء وأصدقاء المنظمة بلغت اكثر من عشرة كوادر من المنظمة وحملة من الاستدعاءات التي لم تنته حتى اللحظة والتي طالت اكثر من 130 كادرا. .ولعل مناضلي المنظمة يتذكرون الأيام العصيبة عندما كنا نرى بان عملنا هو شكل من أشكال النحت في الصخر لكننا كنا نحفر ، وفي حين كان يوم 10\12 يمر بصورة عادية نحتفل فيه نحن “الشلة” ، وهاهو اليوم يحتفل فيه المئات من أنصار الحرية في سورية ما لم نقل الآلاف منهم ، بذكرى هذا اليوم الذي أضحى ذو دلالة وجدانية عميقة لدى الغالبية .

    إلا أنني أعتقد أن الشارع السوري السياسي و العادي ، كان اكثر تفهما وعمقا في فهم لجان الدفاع كحالة حقوقية متميزة ومتقدمة وضرورية للمجتمع السوري، الأمر الذي أدى إلى حماية المنظمة من التشتت عبر الاحتضان العفوي من قبل المواطنين للجان الدفاع والدفاع عنها وتشجيعها… ولا ينكر أحد أن الامتداد العربي والدولي للجان الدفاع قد ساهم مساهمة فعالة في جعلها جزءا من المشهد السياسي العام في سوريا ، لا يمكن تجاوزه أو القفز من فوقه…
    ولعلي اعتقد أن نقطة القوة تكمن في ذلك ، إضافة إلى أن لجان الدفاع بوصفها حالة ثقافية تنتمي إلى عقل وثقافة المستقبل ” الديمقراطي” وهي واحدة من منتجي ومنتجات هذا العقل الجديد في آن معا.. وعليه فان تبنيها له ليس موضة أو ممالئة لتوجه داخلي أو خارجي عام وإنما هو انتماء أصيل إلى الفكر الديمقراطي.

    في ظل الاصطفافات السياسية والاجتماعية والثقافية التي بدأت في الانبثاق( الصف الاستبدادي \ الصف الديمقراطي ) على حساب ثنائية سلطة\ معارضة ، ما لم نقل بديلا عنها، يمكن القول إن لجان الدفاع تجد نفسها وبصورة أصيلة مع الصف الديمقراطي ، وآمل أن اكتب قريبا عن شكل وبنية الاصطفافات الجديدة، ولأهمية الأمر سأستطرد قليلا فيه، بدا للوهلة ومنذ أربع سنوات أن انتقالا جذريا قد حصل داخل صفوف الشارع المعارض وان ثمة تحولات ديمقراطية تتم في داخل أحزابه السياسية عبر اطروحات برامجية تدعوا إلى الديمقراطية بصورتها الأكثر انفتاحا وأكثر ليبرالية، وبفضل معطيات عديدة بدت حينذاك مشجعة على هذه التحولات وبصورة خاصة توق المواطنين إلى الحرية والديمقراطية انساقت موجات من دعاة الإصلاح و راء موجات الحماس المتدفقة حينذاك ودفع الثمن، كان التراجع العشوائي كما حصل التقدم العشوائي، ليس بسبب الضربة الأمنية الموجهة للعشرة وإنما أيضا بسبب بروز عتبات التحول الجذري والتي سيغير اجتيازها المشروعيات السياسية والنظرية لكثير من قوى المعارضة الكلاسيكية، حينذاك وحينذاك فقط كان الطريق الوحيد أمام هذه القوى هي المراوحة في المكان على عتبة التحول تلك.

    وجدت منظمات أخرى لحقوق الإنسان في سوريا كما ذكرت آنفا ، وان كانت في بداية عملها تفتقد الاحتراف والهدف الحقوقي ، إلا أن بعضها وجدت طريقها بكثير من الجهد والمسؤولية العالية نحو ذلك. ( الجمعية السورية واللجنة السورية على سبيل المثال ) وفي كل الأحوال وإضافة إلى مجموعة من النشطاء المستقلين ، وغير ذلك من النشاطات الحقوقية شكلت في مجملها الحركة السورية لحقوق الإنسان.

    تواجه حركة حقوق الإنسان السورية بعامة ولجان الدفاع بخاصة ، كثير من التحديات والتي يصعب حصرها الآن في ظل من مناخ ينتهك حقوق الإنسان في كل مستوى وعلى اكثر من صعيد ومن اكثر من طرف ، والقضية لا تتعلق فقط بالسلة السياسية بقدر ما تتعلق أيضا بمجمل الوضع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه المواطن السوري ، ولكن أستطيع أن ألخص أهم تلك التحديات في:
    1 – تفاعل السلطات الرسمية السلبي مع تواجد منظمات حقوق الإنسان المستقلة بصورة أساسية ومع مطالب وتحرك هذه المنظمات وعدم التعامل مع مطالبها بالمستوى الجدي المطلوب.. والمحاولات المستمرة من قبل السلطات لمحاصرة الجمعيات النشطة والتضييق على كوادرها النشطة ومحاولات الاعتداء المستمر وبوسائل عديدة على استقلالية نهج هذه المنظمات.. ورغم أن منظمتنا أطلقت ومن لحظة ترميمها في 15\9\2000 نداء إلى ضرورة تضافر جهود قوى ومكونات الوطن الخيرة داخل السلطة وخارجها للمرور من الأزمة التي يعيشها الوطن، بشرطي عدم المساس باستقلاليتنا والتعامل الحضاري والندي معنا. هذا وإذا ما أضفنا إلى أن الحكومة ترفض وحتى اللحظة إصدار قانون عصري للجمعيات وترفض حتى إعطاء تراخيص قانونية للجمعيات العاملة .

    2 – هذا الحديث يقودنا مباشرة إلى التحدي الثاني ، وهو عدم وجود تنسيق منهجي وجدي بين جمعيات ومنظمات حقوق الإنسان السورية ، رغم تلمس بدايات لهذا التنسيق في الآونة الأخيرة يبشر بالخير، وارى أن هذا التحدي يمكن تجاوزه بتوفر إرادة الحوار ووعي ضرورة تضافر الجهود لتحقيق نتائج ملموسة على الأرض . بات من الضروري الآن على الجمعيات التي نشأت على خلفيات أيديولوجية أن تضع نصب أعينها أهمية اعترافها بالآخر، ليس لضرورة تبنيها لهذه القيمة والمفهوم من حيث المبدأ فقط ، و إنما من اجل استمرارها وتكريس مصداقية جدية لسلوكها بافتراضها منظمات لحقوق الإنسان ، و أضحى من الأهمية بمكان أيضا نقل العلاقة بينها وبين الآخر من حالة محاولات الإلغاء ” والتدفيش ” اليائسة إلى شكل من أشكال التنافس الحرفي الراقي ، والذي يفترض بصورة طبيعية شكلا من أشكال التنسيق الحضاري فيما بينها ، وتغليب الوعي الحقوقي وأهميته على حساب الطموحات والحساسيات الشخصية أولا، والاهم تغليب هذا الوعي على الايديوجيات الحزبية التي لاتزال مرفوعة راياتها فوق بعض هذه المنظمات ـ وليس من المعقول أن تنخرط لجان الدفاع في مستوى راق من علاقات التعاون والتنسيق مع المنظمات الدولية والعربية ، بينما في سوريا لا تزال تجد العوائق تلو الأخرى تقف في وجه أية مبادرة بهذا الاتجاه ؟؟؟

    وفي هذا السياق أيضا يمكن الحديث عن أهمية تمسك هذه المنظمات بالقواعد الموضوعية في فهم وتتبع خر وقات حقوق الإنسان وإعمال المرجعية القانونية الدولية ( العهود والاتفاقيات وغيرها) لتقييم حالات الانتهاك ومن ثم اتخاذ الموقف المناسب منها وليس في إعمال الحس أو الانتماء الأيديولوجي لذلك . 3 – تندرج الإمكانيات المادية في إطار التحديات، إذ لاتزال لجان الدفاع ترفض فكرة التمويل، وتعتمد في تسديد نفقات نشاطاتها على قدرة أعضائها المالية وحسب، الأمر الذي ينعكس على مستوى النشاط وآفاقه. ، إن افتقادنا إلى الكثير من البنى الأساسية لمكونات جمعيات حقوق الإنسان، يقلل من قدرتنا على التحرك بصورة سريعة في متابعة الحدث أو أرشفته أو متابعته على الصعيد القانوني الخ..على سبيل المثال ، ويضعف القدرة على التواصل مع الجمعيات الأخرىفي المنطقة العربية والدولية . إن تعليم ونشر ثقافة حقوق الإنسان تحتاج إلى مزيد من الدورات التدريبية والندوات والمؤتمرات والإصدارات المنتظمة وغيرها .. وكلها نشاطات تفوق قدرات لجان الدفاع المالية بما لا يقاس ، هذا وان استطاعت المنظمة أن تعقد بعض الدورات التدريبية التي شارك بها العشرات من الناشطين، وان ترسل العديد من كوادرها لحضور العديد من المؤتمرات ذات الأهمية ، فقد تم ذلك بفضل مساندة المنظمات الشقيقة والإمكانات المادية التي تملكها تلك المنظمات، ولكن الأمر لايمكن له أن يستمر بذات الوتيرة المطلوبة أو الضرورية ، وفي كل الأحوال فان حضور مؤتمر أو ندوة أو دورة يشكل حتى الآن عبئا ماليا قاسيا على الناشط.

    4 -كثرة الانتهاكات وتعدد مستويات الخروقات ضد حقوق الإنسان، وعدم وجود منظمات حقوقية متخصصة في مجالات حقوقية مختلفة ” على سبيل المثل، إضافة إلى الخروقات في مجال الحريات العامة ، هناك موضوع استقلال القضاء والمحاماة، موضوع المرأة, الطفل، البيئة.. الخ ” مما يعدد مهام اللجان ويضع على عاتقها السعي وراء تحقيق مهمات عديدة ومتنوعة تطال جميع مستويات حقوق الإنسان ويشتت قواها.

    5 – العلاقة بين السياسي والحقوقي وهي علاقة شائكة ومعقدة وخاصة في ظل الوضع السوري (الخبيصة ) ، حيث تنصب اغلب الانتهاكات على الحريات السياسية والديمقراطية ، وفي ظل وجود معارضة ضعيفة إلى حد لا تستطيع معه أن تحمل برنامجا ديمقراطيا تدافع فيه عن الحريات الديمقراطية، الأمر الذي يدفع قسم من الشارع السياسي والمعارضة إلى تحميل لجان الدفاع البرنامج المرغوب أو بكلمة أدق الرغبات السياسية ، ويحاسبها على هذه الأرضية ومن ذاك المنطلق.

    6- الاحتراف وعدم توفير مناخ لإنشاء دورات تدريبية مستمرة وكافية سواء للأعضاء أو عقد جمعيات أو تدريب الموظفين المعنيين الذين يحتلون وظائف لها علاقة بقضايا حقوق الإنسان ( الشرطة – القضاة الخ ) 7 – أيضا أرى أن انخراط عدد كبير من النشطاء في الإطار التنظيمي للجان هو مؤشر إيجابي في المسار العام لحركة المجتمع ، لعله مؤشر أهم يدلل على الروح الطيبة التي يملكها المواطنون السوريون ، وتوق نقي للعمل في مجال حقوق الإنسان ، إلا انه وفي ذات الوقت وعلى مستوى العمل التنظيمي يحمل اللجان عبئا آخر، ويضعها أمام تحديات جديدة وغير محسوبة في التقديرات الأولية ، مذلك إن اللجان ليست منظمة شعبية ، ولكنها وفي الوقت ذاته لاتمنع أحدا تنطبق عليه شروط العضوية من الانتساب إليها ، وعليه فان فتح باب العضوية ” والذي اضطرت اللجان إلى إغلاقه منذ عام تقريبا” يطرح مسؤولية تشغيل الأعضاء ووضع برنامج يستوعب طاقاتهم بأكملها ” زاد عدد الأعضاء حتى لحظة إغلاق باب الانتساب عن 200 عضو ، والاهم انه بات يطرح مفهوم المنظمة المفتوحة قيد البحث الجدي ومهماتها في ظل الظروف القائمة والمعطيات المتوفرة.

    8 – على أرضية الشفافية المطلوبة في كل حين وبصورة خاصة اليوم ، يبدوا ان اللجان يحيق بها شئ مما يحيق بالتشكيلات الاجتماعية الأخرى ، سواء على مستوى انخفاض الروحية النضالية او تراجع الشعور العالي بالمسؤولية .. الخ .. الأمر الذي يفسح المجال لخلق شئ من القلق تجاه مستقبل تطورها ، من ان تنحى منحى القوى والهيئات الأخرى التي تعاني الأمرين في مسارات تطورها.

    9 – التحدي الأهم الذي يواجه اللجان هو بافتراض انتمائها إلى ما كانت تدعو إليه دائما ” العقل الجديد ” والتي حدد ابرز سماته بكونه غير مطلق متسامح ومنفتح ونقدي وبمعنى ما كانت اللجان تدعو الى الفكر الديمقراطي ، وفي ظل الاصفافات الفكرية والسياسية الجديدة التي أشرنا عليها في بداية المقال.. لابد اذن على اللجان ان تدافع عن هذا العقل وهذا الفكر.. تجاه القل الاستبدادي السائد حاليا ، وهذا سينقلها بالضرورة الى موقع السجال الفكري والثقافي ليس على أرضية فكر وثقافة حقوق الإنسان وحسب و إنما على أرضية الثقافة والفكر الديمقراطي برمته.