16/4/2009
يصادف يوم غــد الموافــــق 17 أبريـــل 2009، يوم الأسيــر الفلسطيني، وهو اليوم الذي خصصه الفلسطينيون لمساندة ومناصرة المعتقلين الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال الإسرائيلي في الذكرى السنوية للإفراج عن أول أسيــــر فلسطيني في أول عمليـــة لتبـــادل الأســرى بين الفلسطينيين والاحتـــلال الإسرائيلي في ١٧ أبريل ١٩٧٤.
وفي هذا العام، يحـــل يوم الأسير الفلسطيني فيما يواجـــه المدنيون الفلسطينيون ظروفاً بالغة الســوء والقسوة بفعل تواصل الانتهاكات الإسرائيلية المقترفة ضدهم. وعلى وجــــــه خــــاص، يعانــــي المعتقلــــون الفلسطينيون المحتجزون داخل سجون الاحتلال بشكل متزايد بفعل مغــــــالاة إسرائيل في انتهاك حقوقهم المختلفــــة، عدا عن لجوئها لاستخدامهم كورقة للمساومة السياسية، في خرق فاضح وصريح لحقوقهم الإنسانية وللقانون الإنساني الدولي.
وكانت قوات الاحتلال الإسرائيلي قد عمدت منـــــذ احتلالها للأراضـــي الفلسطينية في العام 1967، إلى انتهاج سياسة الاعتقال سعياً لإخضاع السكان المدنيين ومنع أي شكل من أشكال المقاومة. وطيلة سنـــوات، واصلــت إسرائيل العمل بهذه السياسة التي أسفرت عن اعتقال مئــــات الآلاف من السكان المدنيين، خاصــة مع تصاعــد لجوء قوات الاحتلال لسياسة الاعتقال في أعقـــاب اندلاع انتفاضـــة الأقصـــى في سبتمبر 2000، حيث شهدت السنوات المنصرمة التالية لهذا التاريخ جملة من حملات الاعتقال العشوائية وواسعة النطاق ما أسفر عن تزايـد أعداد المعتقلين الفلسطينيين المحتجزين في السجون الإسرائيلية بشكل مطرد.
وتشير الأرقام والإحصائيات المتوفرة لدى المركــــــز الفلسطيني لحقــــوق الإنســـان إلى أن أكثر من 9 آلاف معتقل فلسطيني لا زالوا يقبعون داخل السجون ومراكــــز الاعتقـــــال والتوقيف الإسرائيلية المقامة داخل دولة الاحتلال. ويقبع نحو 337 من بين هؤلاء المعتقلين قبل تطبيق اتفاقية أوسلو في العام 1994، فيما يقبع الغالبية العظمى منهم في السجون منذ بدء انتفاضة الأقصى في العام 2000. غالبية هؤلاء المعتقلين من سكان الضفة الغربية إذ يبلغ عددهم نحو 7500، والبقية من سكان قطاع غزة، نحو 1100 معتقل. بين هؤلاء المعتقلون أيضاً، نحو 69 إمرأة و248 طفلاً. بينهم أيضاً أكثر من 900 معتقل إداري.
يواجه هـــؤلاء المعتقلون ظروفاً معيشية صعبــــة جــــراء تعرضهم لشتى أشكال الانتهاكــــات في ظل الإصـــــرار الإسرائيلي على انتهاك حقوقهم وتنفيذ العديــــد من الاعتداءات بحقهم. ومن المتوقع أن تشهد الأيام القليلة القادمة تصعيداً جديداً فيما يتعلق في هذا الإطار، في ظل إقدام دولة الاحتلال الإسرائيلي على تشكيل لجنة وزارية تهدف إلى التعمد في جعل ظروف المعتقلين الفلسطينيين أكثر سوءاً مما هي عليه في الوضع الراهن. وعلى وجــــه خاص، يمكن الحديث عن عدد من الانتهاكـــــات التي تنفذها سلطــــات الاحتلال الإسرائيلي بحـــــــق المعتقلين الفلسطينيين المحتجزين في سجونها عمداً ومع سبق الإصرار والترصد ومن هذه الانتهاكات:
* سوء المعاملة وتدني شروط الاحتجاز
تحتجز إسرائيل المعتقلين الفلسطينيين في ظل ظروف حياتية أقل ما توصف به هـو القسـوة، فالسجون ومراكز الاعتقال مجردة من مقومات الحياة الدنيا، حيث يحتجز المعتقلون في زنازين ضيقة، مزدحمة، وسيئة التهويـــــة. ولا تتوفر في السجون الإسرائيلية المخصصة للمعتقلين الفلسطينيين المرافق الصحية اللازمة، ولا تتاح لهـــــؤلاء المعتقلين فرصة الحفاظ على نظافتهم الشخصية، ولا توفر مديرية السجــــــون الإسرائيلية للمعتقلين الجرايـــــــة الغذائية اليومية الكافيـــــــــة كماً ونوعاً، ولا تصرف المديريــــــة للمعتقلين الأطفال أو المرضى أغذيــــــة تتناسب واحتياجات أجسادهم أو والأنظمة الغذائية التي قد تقتضي بعض الأمراض ضرورة اتباعها.
* الحرمان من تلقي زيارة الأهل
تنتهج سلطات الاحتلال الإسرائيلي سياسة حرمان المعتقلين من تلقي زيارات ذويهم عبر فرض العديـــــــــــد من الشروط التي من شأنها أن تعرقل هذه الزيارات أو تلغيها ومن هذه الشروط: ربط موضوع الزيارة بالوضـــــــع الأمني العام، اشتراط عدم وجود مانع أمني يتعلق بالمعتقل أو الزائر، أن يكون الزائر من أقارب الدرجــة الأولى للمعتقل، وأن يكون الزوار من الأخوة أو الأبناء تحت سن ١٨ عاماً. وفي ٦ يوليو ٢٠٠٧، علقت إسرائيل العمـل ببرنامج الزيارات العائلية لسكان قطاع غزة إلى سجونها ومنذ ذلك التاريخ، يواجه معتقلو غـزة منعــــــاً منتظماً للزيارات.
* الحرمان من الرعاية الصحية والإهمال الطبي
يعاني مئات المعتقلين المحتجزيــــن في سجون الاحتـــلال من سوء أوضاعــهم الصحيــــة الناجم عن تدني شروط احتجازهم وترديها. وتفتقر السجون الإسرائيلية التي يحتجـــز فيها المعتقلـــــون الفلسطينيون للطواقـــم الطبية المتخصصة كما أنها تفتقر للعيادات، فيما يتواصل ومنذ سنوات، تجاهل مديريـــة السجون لمسألة توفير الأدوية والأجهزة الطبية اللازمة لبعض المعتقلين المرضى، عدا عن تجاهل مسألة مراعاة النظام الغذائــي الخاص ببعض المعتقلين المرضى.
* التعذيب
تنتهج إسرائيل التعذيب وغيــره من ضروب المعاملة القاسية في سجونها ضد المعتقلين الفلسطينيين على نطاق واسع حيث تلجأ لاستخدام العديد من صور التعذيب المحظـــــورة وغير القانونية. وعدا عن استخــــدام ظروف السجن كوسيلة ضغط نفسية أو كوسيلـــــــة لإضعاف الجسم، تستخدم سلطات الاحتلال جملة من السبل خلال تحقيقها من المعتقلين الفلسطينيين بهدف انتزاع الاعترافات منهم مثل: حرمان المعتقل من لقاء محاميــه، الضرب، السب والشتائم، التهديدات، الشبح، الحرمان من النوم، وقفة الضفدعة، وضعية الموزة، شد الكلبشات والقيــــود على الأيدي والأرجل، تعليق المعتقل من أرجله ووجهه إلى الأرض، وغيرها. ويعتبر إجراء عـــــزل المعتقــــــل في زنزانة ضيقة لا يدخلها هواء دون السماح له بتلقي الزيــــــــــارات أو بلقاء معتقلين آخــــرين واحــــــداً من أقسى العقوبات المطبقة بحق مئات المعتقلين الفلسطينيين، فعدا عن ضيقها، تتميز غرف العزل بسوء التهويـــة وارتفاع الرطوبة ما يزيد من احتمال انتشار الأمراض.
* الاعتقال الإداري
تحتجز سلطات الاحتلال بموجب هذا الإجراء معتقلين فلسطينيين اعتقالاً مطولاً دون تقديمهم للمحاكمــــــة، ودن إعلامهم بالتهم الموجهة ضدهم، ما يشكل مساساً صارخاً في: حق المعتقلين في اتخاذ الإجــــــــراءات القضائيـــة النزيهة، حق المعتقلين في تلقي الدفاع الملائم، حــــــــق المعتقلين في معرفة التهم الموجهة إليهم، وحق المعتقلين في المحاكمة. ولا تنبع خطورة الاعتقال الإداري من الانتهاكات المرتبطة به بل تنبع أيضاً من كونـــــــــه إجراء يمكن اللجوء لتكرار تطبيقه بحق ذات المعتقل مرات متعددة، كما أن أحكام الاعتقال الإداري لا تقتصــــر على المعتقلين الجدد وحدهم بل يمكن أن تشمل أيضـــــــــاً معتقلين انتهت مدد محكومياتهم، ما يعني إمكانية احتجـــــاز بعض المعتقلين إلى أجل غير مسمى.
وتشكل هذه الانتهاكات لحقوق المعتقلين خرقاً فاضحاً للقانون الدولي الإنساني الذي يعتبر الاعتقـــال واحداً من أشد التدابير الرقابية التي يجوز اللجوء إليها ضمن جملة من الأحكام الخاصـــــــة وذات العلاقـــــــة. وعلى وجه خاص، تنتهك سلطات الاحتلال عبر انتهاجها سياسات إساءة المعاملة، حرمان المعتقلين من تلقي زيارة الأهــــــل، الإهمال الطبــــــي، التعذيب، والاعتقال الإداري، اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحمايــــــــة المدنيين وقت الحرب، والقواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، اللتين توفران إطاراً عاماً يضمن تمتع المعتقلين بالعديد من الحقوق، ويحظر انتهاك آدميتهم وإنسانيتهم.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وفي يوم الأسير الفلسطيني يلفت الانتباه إلى العديد من الدلائل التي توضح أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي تعتزم فيمـــــا يبدو، الإبقـــــــاء على ملف المعتقلين الفلسطينيين مفتوحاً، ومن هــــذه الدلائل:
• رغم إعلانها إنهاء احتلالها العسكري لقطاع غزة في سبتمبر ٢٠٠٥، تواصل إسرائيل احتجازهـــــــا لمئــــــات المعتقلين من قطاع غزة خلافاً للمادة ٧٧ من اتفاقية جنيف الرابعة التي تنص على أن تسلم سلطــــــات الاحتلال الأشخاص المحميين الذين اتهموا أو أدانتهم المحاكم إلى سلطات الأراضي المحررة عند انتهاء الاحتلال.
• ألغت إسرائيل المحكمة العسكرية في إيرز ونقلت قضايا المعتقلين الغزيين إلى محكمـــــة مدنية في بئر السبع، وذلك عقب إعلانها إنهاء احتلالها لقطاع غزة على الرغم من أن القانـــــــــون الإسرائيلي يقضي بمحاكمــــــة غير المقيمين في محكمة العاصمة، ما يعني الإصرار على مواصلة حرمــان معتقلي غـــــــزة من حقوقهم القانونية وفي مقدمتها، الحق في أن يكون لهم محامون يختارونهم، والحق في أن يحضر ذووهم جلسات محاكماتهم.
• أصدرت إسرائيل أو عدلت قوانيناً لضمان تمكين جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي من احتجاز “المشتبــه بهم”، فترات طويلة دون مثولهم أمام المحاكـــم، ولضمان فرض عقوبات السجن بحق سكان من قطاع غزة، فمن ناحية، أصدرت إسرائيل قانون تنظيم الإجراءات الجنائية: صلاحيات التنفيذ – الاحتجاز: أحكـــــام خاصة للتحقيق في مخالفات أمنية لمن هو ليس مواطناً رقم 5765 لعام 2005، والذي يمنح جهاز الأمن الداخلـــي صلاحيات واسعة فيما يتعلق باحتجاز “المشتبه بهم”، وتمديد احتجازهم دون مثولهم أمـــــام المحكمة. ومن ناحيــــــة أخرى، عدلت إسرائيل قانون الجزاء الإسرائيلي رقم 5737 لعام 1977، حيث أدخلت على التعليمات الملحقــــــــــة باستمـــــرار سريان قانون الطوارىء “يهودا والسامر وقطاع غـــــــــزة لعام 1967، التعديل 6-أ، المتعلق بعقوبـــــــات السجن الصادرة بحق سكان من قطاع غزة. من ناحية ثالثة، باشرت إسرائيل باستخدام مفهوم “المقاتل غير الشرعي” لوصف معتقلي قطاع غزة لضمان تمتعها بصلاحية اعتقال كل من تريد اعتقاله من سكان القطاع حتى وإن لـم تتوفر لديها الأدلة التي تدينه، حيث يتيح هذا المفهوم لرئيس أركان الجيش إصدار أمر اعتقال لكل من يعتبــره مقاتلاً غير شرعياً وفقاً لمعاييره الخاصة ورغم عدم توفر أدلة تدينه.
• شكلت إسرائيل مؤخراً لجنة وزاريـــــــــة ترمى إلى التعمد في جعل ظروف المعتقلين الفلسطينيين أكثر سوءاً، حيث من المقرر أن يتم تجريب عدد من الإجراءات المحتملة بهدف تشديد ظروف الاعتقال لحد الوصول بها إلى درجة أدنى من المعايير الأمر الذي يشكل انتهاك لكرامة المعتقلين الإنسانية. بين الإجراءات المتوقع استخدامها: تقليص المخصصات النقدية التي يتم تحويلها للسجناء من أسرهم، فرض قيود على وسائل الاتصــال ومصادر الأخبار، تقليص الزيارات الأسرية، تقليص الإمكانيات التعليمية، ومنع أي تواصل جسدي بين المعتقلين وأفــراد أسرهم. وتنذر هذه الإجراءات بسنة عصيبة من المتوقع أن يواجهها المعتقلون الذين يعانون فعلياً جراء تدنـــــي معايير احتجازهم، خاصة وأن جعل ظــــروف الاعتقــال أســوأ مما هي عليه الآن، قد يكون له آثـــاراً سلبية على الصحة الجسدية والنفسية للمعتقلين، في ظل انســـــداد آفاق انفــــراج أزمة اعتقالهم بفعل التعنت الإســـرائيلي الواضح بصدد هذا الملف.
• تواصل إسرائيل شن حملات اعتقال واسعة النطاق طالت مئات المدنيين الفلسطينيين، بينهم عدداً من نواب المجلس التشريعي الفلسطيني في الضفة الغربية. كما اعتقلت إسرائيل مؤخراً خلال عمليتها العسكرية الأخيرة علــى قطاع غزة العشرات من سكان القطاع.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان وعلى ضوء ما تكشفه الحقائق والمعلومـــــات الواردة من سجـــــــــون الاحتلال الإسرائيلي حول تصاعد الانتهاكات المقترفـــــــة بحق المعتقلين الفلسطينيين وتدهور ظروفهم المعيشية في ظـــــل إصرار إسرائيل على أن تنتهج بحقهم، جملة من الإجراءات التي تتناقض ومعايير القانــــــون الإنساني الدولـــي ومبادئ حقوق الإنسان، يذكر بأن إسرائيل ملزمة قانونياً باحترام اتفاقية جنيف الرابعة كونها طــــــــرف موقع على هذه الاتفاقية، على الرغم من إنكارها للانطباق القانوني لهذه الاتفاقية على كل من قطاع غزة والضفــــــــــة الغربية.
ويلفت المركـــــــز الانتباه إلــــى أن صمت المجتمع الدولـــــــي إزاء الانتهاكــــات الإسرائيلية المقترفة بحق المعتقلين الفلسطينيين لا يمكنه إلا وأن يثير الكثير من الشكوك حول استخفاف دول المجتمع الدولي بقواعـــــد القانــــــون الإنساني الدولي، خاصة وأن هناك إجراءات عدة يمكن إنفاذها من قبل هــــذه الدول، إذا ما توفــــــرت الرغبـــــة والإرادة، لضمان احترام إسرائيل لحقـــوق المعتقلين الفلسطينيين. كما ويؤكد المركــــــز على أن الموقف الرسمي المتبنى من قبل المجتمع الدولي إزاء الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين بشكل عــــــام، والمعتقلين بشكل خاص، يشجع على النظر للمجتمع الدولي كشريك أساسي في هذه الانتهاكات، كونــه، يحث عبــــر صمته، على مواصلة اقترافها والإمعان فيها. وعلى هذا:
• يدعو المركـــــز أوروبـــا إلى تفعيل المادة الثانيــــة من اتفاقية الشراكـــة الأوروبية – الإسرائيلية والتي تشترط احترام إسرائيل لحقوق الإنسان، لتحقيق التعاون الاقتصادي معها، ويطالبها بالتراجــع عن قـــرار رفع مستوى علاقات الشراكة مع إسرائيل الذي اتخذ من قبل الاتحاد الأوروبي في ديسمبر المنصرم، وإعادة النظر فيه.
• يدعو المركز الدول الأطـــــــراف الموقعة على اتفاقيــــة جنيف الرابعة إلى الوفاء بالتزاماتها التي تفرضها عليها الاتفاقية، وبخاصة، الالتزام المتعلق بضمان احترام بنود هذه الاتفاقية.
• يدعو المركـــز المؤسسات الدوليــــة وذات العلاقــــــة العمـــل على ضمـــــان تحسين شــــروط احتجـــاز المعتقلين الفلسطينيين، وتقليص الانتهاكات المقترفة بحقهم إلى أقصـــى حد يمكن الوصــــول إليــــــه، وبما يضمن تمتعهم بحقوقهم المكفولة بموجب القانون الإنساني الدولي.
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان