14/12/2008
منذ العاشر من كانون أول عام 1948 وحتى الآن, ثمة متغيرات دوليةٍ هائلة حدثت في صورتها المتسارعة , وتراكماتها النوعية التي لا حدود لها ,و التي كان لها تأثيراتها غير المسبوقة في التاريخ الإنساني ,حيث أدت هذه التحولات العميقة إلى إعادة تحديد مستقبل العالم وعلاقاته الدولية في ظل العولمة الراهنة …
كل ذلك حدث ويحدث بوتيرةٍ مذهلة ,في الوقت الذي تحيط بأوضاع حقوق الانسان العربي مجموعة من الظروف الصعبة والمعقدة ,وبمجمل البنود التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الانسان الذي نعيش في هذه الأيام الذكرى الستين لانطلاقته , ولما أعقبه من اتفاقيات ومواثيق دولية خاصة بشرعة حقوق الانسان, حيث صادقت عليها معظم الأقطار العربية ومنها سورية.
تمرّ هذه الذكرى …. في الوقت الذي تشهد فيه حقوق الانسان في بلادنا حالة متردية تزداد فيها الأوضاع سوءاً وتدهوراً نتيجةً لموقف النظام وممارساته الأمنية التي تستند إلى العمل بأحكام قانون الطوارئ والمحاكم الاستثنائية ,حيث يؤدي ذلك إلى تعطيل القوانين المدنية التي ينبغي لها أن تكون نافذةً ,وخاصةً في مجال السياسة والعمل الوطني والنشاط الحقوقي ,وكذلك الحراك الثقافي والاجتماعي المدني بوجهٍ عام. وبذلك أضحت مصادقة النظام الشمولي على الإعلان العالمي لحقوق الانسان ,وعلى مجمل الاتفاقيات والمواثيق الدولية المستندة إليه ,مجرد مصادقة شكلية تفتقد لرصيدها وأبعادها القانونية في الواقع الموضوعي ,وذلك نتيجةً للممارسات الخاطئة في مختلف الميادين , ومن أبرزها:
1. ما يزال العمل في إطار منظمات وهيئات حقوق الانسان في سورية يواجه كافة أشكال المحاصرة والضغوط الأمنية المستمرة والمتزايدة, بهدف إنهاء هذا النشاط ,أو احتواءه بما يتناسب مع رؤية النظام لمسائله وقضاياه الأساسية, ولا يتناسب نهائياً مع الأصول التي تمّ التعبير عنها في مواثيق الشرعة الدولية , إضافةً إلى رفض الأجهزة الأمنية الموافقة على منح الترخيص أصولاً لأي منظمةٍ حقوقية في سورية , مما يستتبع معه استمرار المحاصرة ,والامتناع عن تسهيل العمل الحقوقي أو دعمه ,أو منحه أبعاده القانونية والاجتماعية.
2. ويمتدّ هذا الموقف ليطال كافة هيئات ومنظمات المجتمع المدني من جمعيات ونقابات , يتمّ احتواءها ,وتحديد مهامها ومسارها , وتطويق عملية الانتخابات داخلها بما يضمن استمرار الهيمنة عليها وعدم إفساح المجال لها للتحرر من قبضة التحكم بها, بحيث يصبح النشاط النقابي محصوراً بأطر معينة وسياسات مرسومة لها من خارجها, وهذا ما يتعارض تماماً مع أصول العمل النقابي وأهدافه الأساسية .
3. ومن البارز في السياسة الداخلية للنظام السوري ,استمراره في منع الحراك الثقافي, ومحاصرة ثقافة حقوق الانسان الوليدة في بلادنا, وعدم الترخيص لأي مطبوعة أو دورية,تهدف إلى نشر وتعميم هذه الثقافة ,وتوعية الانسان/ المواطن في التحرر والحرية, مما جعل ثقافة الخوف طاغية في العديد من الأوساط الاجتماعية التي تعاني من الركود في مجال الثقافة والسياسة ,وفي معظم أشكال النشاط المدني الحديث والمعاصر.
4. ويبدو الأمر في مجال السياسة والممارسة السياسية أكثر وضوحاً ,وذلك في اتباع أساليب القمع ,ومحاصرة القوى والأحزاب الديمقراطية والوطنية. فبالإضافة إلى الامتناع عن إصدار قانون للأحزاب يعيد تنظيم الحياة السياسية الداخلية على أسس قانونية, تستمر الاعتقالات بصورةٍ شبه يومية وتطال معظم المهتمين بالشأن العام ,حيث تصدر الأحكام الجائرة بحق أولئك المعتقلين ,وسط استمرار الهيمنة على السلطة القضائية وفرض الإملاءات عليها في هذا المجال ,مما أدى إلى افتقاد البلاد لمقومات الاستقرار في مختلف الميادين, ولأصول العمل الوطني الذي ينبغي أن يكون متحرراً من قيود القوانين الاستثنائية على ان يكون في إطار شروطه الموضوعية.
5. وقد اتسعت في الآونة الأخيرة عملية منع الأجهزة الأمنية لعدد كبير من الناشطين والسياسيين والحقوقيين العاملين في مجال حقوق الانسان ,من السفر إلى خارج البلاد , تصعيداً منها لعملية المحاصرة لهم في الداخل والخارج, ومنع التواصل مع الهيئات الحقوقية غير الحكومية العربية والدولية ,مما يؤدي إلى عزل المجتمع السوري عن مجتمعه العربي وعن المجتمع الدولي دون أي مبرر قانوني او أمني أو سياسي
6. وعلى امتداد هذا العام الذي أشرف على نهايته ,ازدادت الأوضاع المعيشية لكافة المواطنين سوءاً إلى درجة غير مسبوقة في تاريخ الشعب السوري, أللهمّ ما كان عليه الأمر في عقد الثمانينيات من القرن الماضي, وذلك وسط استشراء الفساد والإفساد ,واستمرار النهب المنظم للثروة الوطنية ,وارتفاع نسبة البطالة ,إضافةً للبطالة المقنعة داخل دوائر ومؤسسات الدولة ,وفي القطاعات الانتاجية العامة المتعددة.
إنّ المنظمة العربية لحقوق الانسان في سورية, إذ تستذكر مع مجتمعها العربي ,والمجتمع الدولي عموماً , الإعلان العالمي لحقوق الانسان في ذكراه الستين, والذي شكّل محطةً بارزة وأساسية في التاريخ الإنساني عبر انتزاع هذه الحقوق والتأسيس لعلاقات اجتماعية وفقاً لمنظومة القيم التي ينص عليها , فإنها تؤكّد على ضرورة إيقاف مفاعيل الانتهاكات المستمرة لحقوق الانسان في بلادنا, وعلى ضرورة التفاعل والتعاون المشترك بين كافة المنظمات الحقوقية الموجودة في سورية,وأيضاً في الوطن العربي, وعلى مستوى العالم ,لإعلان شأن المنظومة القيمية لحقوق الانسان ونشر الوعي بها وبما تحتويه من مضامين وأبعاد إنسانية, في كافة الأوساط الاجتماعية
المنظمة العربية لحقوق الإنسان في سوريا