6/3/2005

تيارات هشام القروي

كلما تنازل الحكام العرب وقدموا “الهدايا” السياسية لواشنطن, طامعين في رضاها – حتى لا نقول رحمتها بعد الذي جرى في العراق !- كلما استأسد سيد البيت الأبيض وطمع في المزيد. ولولا وجود ضحايا يدفعون من أرواحهم ومكتسباتهم وأجسامهم ثمن هذه “المبادلات” غير المتوازنة بين الأنظمة العربية وبين أمريكا الرسمية , لقلنا ان المشهد مضحك. والحقيقة أن المرء إذا وضع جانبا ما يحدث في الداخل وفي عمق المجتمعات, وركز فقط على دبلوماسية القمة, لحسب أنه في “سرك” , ببهلواناته وقروده وبغاله وحميره ونموره ومروضيه ومهرجيه. هل أبالغ ؟ فلنناقش المسألة بهدوء.

خذ مثلا ما وقع مؤخرا حول موضوع الوجود السوري في لبنان. لقد أجمع المعارضون اللبنانيون في معظمهم على مطالبة السيد بشار الأسد بسحب جنوده, ورد هذا الأخير بإعلان أنه سيلبي هذا الطلب في خطابه قبل يومين. وكان بالامكان أن تبقى المسألة في هذه الحدود, وأن تحل جميع الاشكالات بطريقة سياسية عربية محلية. ولكن هذا لم يحدث, لأنه لا يوجد لدى العرب اواليات لحل الأزمات. فكلما نشأت أزمة, التفتوا الى الغرب, وهرول بعضهم الى البيت الأبيض, طالبا العون. الأمر مؤسف, ولكن لنعترف أنه يصعب على أي كان أن يصف هذه السلوكات بالسيادية والاستقلالية.

الامريكان والاسرائيليون يتحينون هذه الفرص, وأحيانا يسعون الى خلقها, اذ أنها تمكنهم من التسلل الى قلب العالم العربي لبسط سيطرتهم واملاء سياستهم وشروطهم. والامريكان ليسوا حكما يمكن العرب – حكاما ومحكومين – الاطمئنان اليه. فتاريخ الصراع مع اسرائيل, هو بشكل من الأشكال تاريخ الصراع مع الحكومات الامريكية. وتاريخ القتل الاعتباطي الذي تمارسه اسرائيل ضد العرب هو تاريخ الولايات المتحدة نفسها, وممارسات القتل والعنف ضد الهنود الحمر.

الولايات المتحدة دولة استعمارية جديدة, وبعض الحكام العرب يتعاملون معها بالنوايا الطيبة.

عندما سلمت المخابرات السورية الأخ غير الشقيق لصدام – سبعاوي – للأمريكيين , هل كان ذلك طلبا لصفقة ما؟ ما الذي حصل عليه السوريون ؟ رد جورج بوش في خطابه الأسبوعي بقوله : ” ان سوريا قوة محتلة في لبنان منذ ثلاثين عاما, والدعم الذي تقدمه للارهاب يبقى عقبة مهمة امام السلام في الشرق الأوسط”. وسمعنا في هذا السياق تعليقات من نوع : ” يبدو أن الأسد بدأ يدرك أنه لم يعد يمسك بزمام الأمور, فقد قدم في الأسبوع الماضي غصن زيتون لواشنطن, على شكل أخي صدام غير الشقيق, ومن المتوقع أن يكون التالي أحد قادة الجهاد الاسلامي”!

هل كل هذا معقول ؟ ولنكن واضحين : لا اعتبر خروج الجنود السوريين من لبنان تنازلا للولايات المتحدة, وانما للبنان نفسه, وان كان كل شيء يدل أنه اتخذ صيغة التنازل غير المشروط – بل والانبطاح – للأمريكان.

وما يحدث أو قد يحدث في نفس السياق على الصعيد الفلسطيني قد يؤدي الى ما لا تحمد عقباه. وقد ذهب الأمر ببعض شيوخ الاسلام في مصر وغيرها الى الافتاء بتشريع نزع حجاب المسلمات ارضاء لفرنسا. فما هذا العار؟ لقد استعمل الاستعماريون الجدد في فرنسا كلام أولئك الشيوخ لاضفاء الشرعية على ما نجحوا في تمريره في برلمان لا يوجد فيه نائب مسلم واحد بالرغم من وجود 6 ملايين مسلم على الاقل في فرنسا. بكلام آخر, كلما تنازل العرب, كلما شجعوا بذلك الظالمين على أن يمارسوا ضدهم عنفا أكبر, فأوقفوا هذه التنازلات, أوقفوا هذه التنازلات, أوقفوا هذه التنازلات.

انها لن تؤدي الا الى أن يسخر منكم العالم بأسره. لن تعطيكم أمريكا شيئا مقابلها. فإذا كان ما تنشدون هو المال, فللعرب منه الكثير, واذا كان هو الجاه, فما الذي ينقصكم وأنتم المتنفذون ولا أحد يعارضكم؟ واذا كانت الحرية , فهي لا تعطى وانما تفتك افتكاكا. فإذا خذلتم أنفسكم فمن الذي سينصركم؟

http://www.hichemkaroui.com
http://www.phoenixmagazine.tk
http://www.hichemkaroui.edu.tc