14/5/2009
تعود ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني في الخامس عشر من أيار (مايو) من كل عام، وهي تشكل مناسبة لتجديد تأكيد الشعب الفلسطيني تمسكه بحقوقه المشروعة في الحرية وتقرير المصير، وتذكيره العالم بالمأساة والمعاناة التي مر بها بشكل متواصل منذ واحد وستين عاماً عاشها في اللجوء والتشتت والاحتلال والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان. بيد أن هذه الذكرى تأتي هذا العام بعد أقل من أربعة أشهر على نكبة جديدة شارفت في قسوتها ودمويتها ما عايشه الفلسطينيون خلال النكبة في العام 1948. وتمثلت النكبة الجديدة في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، الذي دمر بنيته الأساسية وقتل وجرح وشرد مئات الآلاف من سكانه. كما أنها تأتي وسط استمرار جريمة الحصار والعقاب الجماعي التي تدمر البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني، وتنهتك الحقوق الفردية والجماعية للفلسطينيين في قطاع غزة، وفي ظل تكثيف دولة الاحتلال لسياسة الاستيطان وبناء جدار الفصل العنصري. بل أكثر من ذلك فإن قوات الاحتلال بدأت فعلياً في الإجهاز على الوجود الفلسطيني في القدس الشرقية من خلال تصعيد سياسة هدم المنازل تحت ذرائع كالترخيص ومخالفات البناء في الوقت الذي تتصاعد فيه الحفريات تحت المسجد الأقصى لتقويض الوجود الثقافي وطمس التاريخ بموازاة تهجير البشر قسريا تهويد المدينة.
وقد استحضر الفلسطينيون النكبة بتفاصيلها فعلياً وعلى مدى ثلاثة وعشرين يوماً، هي عمر ما سمي بعملية ‘الرصاص المصبوب’ التي شنتها قوات الاحتلال في السابع والعشرين من كانون الأول 2008 واستمرت حتى الثامن عشر من كانون الثاني 2009. فمن تهجير مئات الآلاف من السكان قسرياً، إلى قتل مئات المدنيين بشكل جماعي، وهدم المنازل وتجريف الأراضي الزراعية وتدمير المنشآت الصناعية والتجارية والمركبات وآبار المياه، وقطع إمدادات المياه والطاقة، حيث تشير حصيلة التوثيق الذي قام به مركز الميزان لحقوق الإنسان إلى أن قوات الاحتلال قتلت خلال عدوانها الأخير (1408) شخصاً من الفلسطينيين، من بينهم (313) طفلاً و(108) سيدات، ومن بين الشهداء (825) شهيداً هم من اللاجئين الذين هجر أبائهم قسرياً عن ديارهم في نكبة 48، ودمرت أكثر من 10.000 منزل سكني، انتهى مركز الميزان من إدخال (9559) منزلاً سكنياً من بينها (2575) منزلاً دمرت كلياً من بينها (1610) منزلاً يسكنها لاجئين ممن سبق تهجيرهم في نكبة 48، وجرفت (6185.5) دونماً من الأراضي الزراعية، ودمرت (676) منشأة عامة من بينها مدارس ودور عبادة ومؤسسات، و(872) منشأة تجارية وصناعية، فيما دمرت (620) مركبة.
ويستكمل الحصار فصول المأساة الفلسطينية الحالية، وخاصةً بالنسبة لسكان قطاع غزة، حيث يحرم عشرات آلاف المهجرين الذين هدمت منازلهم من فرصة إعادة بناء أو ترميم مساكنهم ويضاعف من معاناتهم والآثار النفسية والمادية التي أحدثها العدوان في صفوفهم بفعل مشاهد القتل والقصف المروعة التي عايشوها.
كما تواصل الأوضاع الإنسانية وحالة حقوق الإنسان تدهورها جراء استمرار الحصار الذي يمس بأوجه حياة الفلسطينيين كافة، ولاسيما استمرار وفاة المرضى بسبب نقص القدرات العلاجية ومنعهم من الوصول إلى المستشفيات خارج قطاع غزة. وتدهورت مستويات المعيشة بطريقة غير مسبوقة حيث يقدر عدد الفقراء في قطاع غزة بأكثر 80% من مجموع السكان، أكثر من نصفهم يعيشون في فقر مدقع، الأمر الذي يلقي بآثار سلبية على مجمل حقوق الإنسان ويمس بكرامتهم التي تقوم عليها مجمل مبادئ العدالة وحقوق الإنسان بشكل شديد.
مركز الميزان لحقوق الإنسان يعيد تنديده الشديد بالانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان في تعاملها مع الشعب الفلسطيني، بما في ذلك استمرار تنكرها لحقه الأساسي وغير القابل للتصرف في الحرية من الاحتلال، وتقرير المصير، والعودة وبناء دولته المستقلة التي يمكن للفلسطينيين فيها التمتع بحقوقهم بعيداً عن القهر والاحتلال والعنف.
ويؤكد المركز على أن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد الشعب الفلسطيني خلال العقود الماضية تشكل جرائم يجب محاسبة مرتكبيها وجبر الضرر عن ضحاياها، وهي جرائم لا تسقط بالتقادم، وهي ممارسات يقوم المركز وعدد كبير من المنظمات الدولية والوطنية بدعم الجهود الرامية إلى التحقيق فيها وضمان محاسبة مرتكبيها، بما في ذلك التحقيقات التي يزمع مجلس حقوق الإنسان الأممي إجرائها من خلال لجنة التحقيق الدولية التي شكلها حديثاً.
ويعيد المركز تأكيده على أن إنهاء الصراع الذي يعاني آثاره الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتحقق بدون حل القضية الفلسطينية وفقاً لمبادئ العدالة والقانون الدولي، بما في ذلك حقوق الإنسان. وعليه يطالب المركز المجتمع الدولي بعدم الاستمرار في سياسة التضحية بحقوق الإنسان سعياً وراء تحقيق سلام لا يمكن له أن يتحقق بدون ضمان الاحترام والحماية للحقوق الفردية والجماعية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك تقرير المصير والعودة والحياة بكرامة.
انتهى،
مركز الميزان لحقوق الإنسان