17/2/2005
لم تكن قضية العنف ضد النساء من القضايا المدرجة على جدول أعمال المنظمات غير الحكومية أو المثقفين حتى مطلع التسعينات من القرن العشرين، فقد تعامل البعض مع قضية العنف ضد المرأة وفقا للاعتقادات الشائعة فمنهم من رأى أنها من الأمور الخاصة التي لا ينبغي اقتحامها، ومنهم من رأى أنها ظاهرة محدودة ولا توجد إلا في الفئات الاجتماعية التي تعانى من الفقر والجهل، أو تنكر البعض لها تماما باعتبار أن العنف غريب على ثقافة التسامح التي تنادى بها الأديان والتي يتسم بها شعبنا. إلى أن بدأت القضية تطرح نفسها على الساحة بالبحث الميداني الخاص بإدراك النساء بالعنف الواقع عليهن الذي قام به مركز النديم ومركز دراسات المرأة الجديدة عام 1993 ثم مؤتمر السكان الذي انعقد في القاهرة عام 1994، والمسح الديموجرافي الصحي عام 1995. ظهرت قضيت العنف ضد النساء علي الساحة وبدأت الكثير من المنظمات غير الحكومية تتبنى قضية هذا العنف القائم علي الجنس، وفى ذات الوقت بدأت الحرب ضد الفكرة والقائمين عليها، ولكن كسر حاجز الصمت زاد من دائرة المساندين، وشجع كثير من النساء على التحدث علانية عن معاناتهن، كما لجأت الكثيرات والكثيرات لمراكز المساندة النفسية والاجتماعية والقانونية. ونتيجة للجهود الدءوبة للمنظمات غير الحكومية العاملة في هذا الميدان تم تغيير المادة 291 من قانون العقوبات والخاصة بسقوط العقوبة عن المتهم بجريمة الاغتصاب إذا تزوج من ضحيته. كما تأسس المجلس القومي للمرأة الذي تبنى عددا من الأفكار الخاصة بمناهضة العنف ضد النساء وأسس مكتبا لتلقي شكاوى النساء المتضررات من العنف.كذلك تأسست دور لإيواء السيدات اللاتي تعرضن للطرد من المنزل أو تركنه نتيجة حادثة عنف أسري.إضافة إلى ذلك فقد تم تعديل نصوص بعض المواد في قانون الجنسية و قانون الأحوال الشخصية، و أخيراً كانت محكمة الأسرة. وعلى الرغم من تلك النجاحات إلا أن الموقف من النساء المعنفات يبقى في كثير من الأحوال أقرب للعمل الخيري منه إلى العمل الحقوقي الذي يهدف إلى مساواة حقيقية بين بني الإنسان بصرف النظر عن الجنس أو اللون أو الوطن أو العقيدة أو الوضع الاقتصادي كي يصبح كل إنسان يعيش في هذا المجتمع قادرا علي الحفاظ علي سلامة صحته وبدنه في حياة خالية من العنف أو الاضطهاد. والمشكلة أن الترابط الأسري (بأي ثمن) يبقى هو الهم الأساسي للمنظمات غير الحكومية والتي كثيرا ما تبدي تعاطفا مع المرأة المعنفة لكنها في ذات الوقت تطالبها بالصبر والتحمل من أجل استمرار الأسرة وعدم تفككها، فهي بدون أن تدرى تضحي بمصالح المرأة كإنسان حتى لو كانت الأسرة مجرد إطار تنعكس فيه آثار العنف علي المرأة وأبنائها، كما أن هناك الكثيرون من الذين يبحثون في سلوك المرأة ليجدوا مبررا للعنف الواقع عليها وهم بذلك -ولو بدون قصد- يبررون للعنف الأسري ويؤبدونه. إن محاولات تغيير الموقف الاجتماعي من العنف المستند إلى النوع لازالت تفتقد إلى دعم قانوني في شكل قانون يجرم العنف الأسري، فالقانون بذاته له شق وقائي يساعد في ردع الجاني قبل أن يرتكب جريمته كما يساعد النساء اللاتي يلجأن للمحكمة طلبا للحصول علي الطلاق بسبب العنف الواقع عليهن. فحتى الآن هناك صعوبات شديدة أمام هؤلاء النساء؛ حيث يعجزن عن إثبات الضرر الواقع عليهن بسبب العنف أو بسبب السلطة التقديرية للقاضي الذي قد يقتنع بالضرر أو لا يقتنع قياسا علي المستوى الاقتصادي والطبقة الاجتماعية وعدد مرات التعرض للعنف …. الخ كما لا يعترف القانون في أحوال كثيرة بأن الزواج بأخرى يمثل ضررا علي الزوجة الأولى كما لا يعترف بجريمة الاغتصاب الزوجية. إن غياب قانون رادع للعنف السري يضاعفه غياب التعاون من قبل المؤسسات المفترض دعمها في مساندة النساء المتعرضات للعنف؛ فأقسام البوليس في أغلب الأحوال تقف موقف المعادى للنساء اللاتي يتقدمن بالشكاوى ضد أزواجهن، والأطباء يميلون إلى التقليل من آثار العنف الواقع عليهن لأن الأطباء لا يرغبون في أن يكونوا طرفا في تحطيم الأسرة. كل هذه المواقف تستند في أصلها إلى اعتقاد بأن العنف المنزلي الواقع على النساء، حتى وإن كان شيئا غير محبوب أو غير مرحب به، إلا أنه لا يصل إلى مرتبة الجريمة الأسرة هو شأن الأسرة. الكثيرون من الناس يحتجون أن القانون وحده غير كاف لتغيير السلوك الإنساني. إننا نؤمن بذلك تماما ولا نعتقد أن القانون وحده قادر على إنجاز ذلك. ومع ذلك، وحتى إن لم يتم تنفيذ القوانين بدقة وحتى وإن لم تكن الناس في كثير من الأحوال تحترم القوانين إلا أنها ولا شك خطوة للأمام، أن يدرك الناس، أن يدرك الأزواج أنهم يخرقون القانون حين يعنفون زوجاتهم وبناتهم بدلا من أن يشعروا بأنهم يفعلون ذلك تحت حماية الثقافة السائدة التي تمدهم بالتبريرات لسلوكهم. لذلك نرى أن حملة تستهدف تجريم العنف المنزلي بالقانون ليس هامة وحسب وإنما هي الخطوة المنطقية التالية في الحملة ضد العنف ضد النساء التي بدأناها في عام 1993. وإنه مما يزيد من قوة تلك الحملة أن لا تقتصر على مصر فقط وإنما أن يتم تنظيمها بشكل متزامن في عدد من الدول العربية. ——————————-
|