13/1/2005
لا بد من جهد جماعي بمشاركة كل الاطراف ذات الصلة لتقييم المعركة القضائية الشعبية السياسية في مواجهة اعتقال قادة الحركة الاسلامية والملاحقات السياسية. ومن شأن جهد كهذا ان يخرج بتقييم لطبيعة المعركة وطبيعة التحديات, لمستوى جاهزيتنا كجماهير خلالها, وكذلك برؤية مستقبلية ما هي الدروس التي التي ينبغي ان نتعلمها او نتعلم منها كي نكون جاهزين للدورة القادمة من هجوم ارهاب الدولة واذرعها باتجاه نزع شرعية مؤسسات الجماهير العربية ونزع شرعية وجودنا في وطننا وشرعية دورنا الحالي والمستقبلي على مستوى القضية الفلسطينية وقضايا الحل الدائم.
ان تعلّم العبر لا يعني ان نبدأ من نقطة الصفر, بل ان ننطلق مما جرى لغاية الان, فالمعركة التي خاضتها الحركة الاسلامية بدعم من مؤسسات جماهيرنا كانت في نهاية المطاف معركة ناجحة. والى جانب صمود المعتقلين واداء الطاقم القضائي, والتضامن الجماهيري, فان هدفا اساسيا قد تحقق وهو اثبات المحاكمة كانت جزءا من قرار سياسي جوهره الملاحقة السياسية. وفي فقراتها الاخيرة خاصة عند ظهور الداعية العنصري البروفيسور يسرائيلي, اخذت الدولة منحى المجاهرة بمحاكمة الاسلام حتى ولا الحركة الاسلامية, كجزء من حرب عالمية مفتعلة تحت شعار الحرب على “الارهاب”.
ان سلوك المحكمة العليا التي عملت كأداة طيعة في خدمة جهاز الدولة وجهاز الامن العام, والتناقض بين روح القرارات بالتمديد التلقائي للاعتقالات في المحكمة العليا, وقرار المحكمة المركزية في حيفا بقبول الصفقة بل السعي من اجل صفقة, يشير الى ضعف المنطق الاسرائيلي من جهة, لكنه في المقابل يوحي بشكل مجاهر ان الحملة لم ولن تنتهي. وهناك مؤشرات عدة لذلك:
موقف جهاز الامن العام المعارض لصفقة الادعاء يشير الى رغبة هذا الجهاز في ملاحقة الحركة الاسلامية وابقاء قادتها خلف قضبان السجن. لكن هذا ليس بجديد علينا. فان قمع الجماهير العربية ومراقبة تحركاتها ومحاولة دق الاسافين بينها والنيل من شرعي وجودها وتحديد حدود دورها, كلها مركب من المركبات القمعية التي تميز جوهر هذا الجهاز.
الملفت للنظر اكثر كان موقف وزارة القضاء, وكما ورد في صحيفة يديعوت احرونوت (12/1/2005) وهو اعتبار الوزارة لصفقة الادعاء انجازا كون هذه المحاكمة ذات مدلولات اسبقية ليس في اسرائيل فحسب, بل في العالم باعتبار الوزارة لها اول محكمة “ضد تمويل الارهاب”.
ان قرار وزارة القضاء يؤكد ان الاعتقال ومواصلته والمحاكمة ليست شأنا اسرائيليا داخليا بل جزء من حرب عالمية على “الارهاب” والتي يقف رئاستها ارئيس بوش واحد اركانها شارون. وهذا يعيدنا الى لائحة الاتهام التي اوضحت ان مرجعية القانون الاسرائيلي والادعاء الاسرائيلي في تحديد من هو الارهابي واية مؤسسة هي ارهابية هي الادارة الامريكية. فلائحة الاتهام ذكرت اكثر من مرة, ان الادارة الامريكية اعلنت مؤسسة ما كأرهابية وتبعتها اسرائيل في تصنيف هذه المؤسسة وبشكل تلقائي بوصفها “ارهابية”.
لكن تصريح وزارة القضاء لا ينحصر في هذا, بل يجدر ان نتعامل معه بجدية اكثر, ورؤية الدور المحلي ليس فقط بحدوده المحلية, فاذا اعتبرت الوزارة الامر جزء من الحملة العالمية على “الارهاب” وان محاكمة الحركة الاسلامية تندرج في هذا السياق وليست قضية حيثيات عادية, فان الرد على هذه الحملة من قبل المعتقلين والحركة الاسلامية والطاقم القضائي وجماهيرنا العربية هي ايضا ليست قضيتنا المحلية بل قضية تخص كل ضحايا الحرب العالمية على “الارهاب”.
وعليه فان ازالة تهمة الارهاب من لائحة الاتهام تشكل انجازا هاما وقد تكون منطلقا الى اعادة تحديد معنى الارهاب, بخلاف قاموس بوش شارون.
ودرس اخر ممكن الاستفادة منه في حالتنا هذه وفي قضايا شبيهة محليا وعالميا, وهو كيفية ادارة النضال الشعبي باستقطاب الكفاءات والطاقات المتنوعة داخل وخارج المجتمع. ففي حالة الصراع مع اي نظام عنصري او كولونيالي, ليس بالضرورة ان يأتي التغيير فقط بعد تحقيق مساواة بالقوة بين المجتمع المقموع والدولة, فهذا لن يحصل, الا ان معادلة التغيير هي في مدى الصمود الداخلي للطرف المقموع, وفي عدم قدر الطرف القامع على مواصلة مستوى قمعه سواء لانه لم يجد نفعا في كسر روح المقموعين الصامدين, او لانه غير قادر في مرحلة معينة من رفع مستوى قمعه بسبب اسقاطات ذلك عليه, وبعتقادي ان واجبنا ودورنا في كل مواجهة مع الدولة ان نوصلها الى هذه النقطة من معادلة القوى, ان نكسر قواعد لعبتها او كي تضطر الى التراجع.
ففي حالتنا هذه فان صمود المعتقلين وعائلاتهم وصمود الحركة الاسلامية وعدم تراجعها على جوهر رسالتها خاصة بشأن القدس والاقصى ومشروع المجتمع العصامي, وحملات الاحتجاج الشعبي ضد المحاكمة, وتوفير طاقم دفاع قضائي بمؤهلات ملفتة للنظر, وبتفاعل جماهيرنا ومؤسساتها – وهو امر بحاجة للتطوير – وطرح الموضوع محليا ودوليا, كل ذلك ساهم في تراجع الدولة, التي لا تتراجع الا بعد ان تتيقن من عدم قدرتها على تحقيق هدفها وفي هذه الحالة لم تنجح في كسر روح المعتقلين ولا روح جماهير شعبنا.
ان ما يجدر ان نكون متيقنين منه, ان الدولة واجهزتها لن تغير من طابعها القمعي ولا العنصري. وان كنا حققنا انجازا جماعيا, فان المعركة في هذا السياق لم تنته. فقط قبل اسبوعين اقرت الكنيست قانونا ارهابيا جديدا اسمه “قانون منع تمويل الارهاب” والتمعن به يشير الى انه خصص بشكل تراجعي لملاءمة لائحة الاتهام الاصلية التي فشل جهاز الشاباك في اثباتها ضد الشيخ رائد صلاح والاخوة المعتقلين, والدولة لم تتراجع عن نهج نزع الشرعية ومحاولة اخراج الحركة الاسلامية خارج القانون اعتمادا على انظمة الطوارئ والاوامر الادارية.
وهذا يتطلب ان نقوم بضمان توفير حزام امان شعبي وقانوني واعلامي محلي ودولي يحمي الحركة الاسلامية ويحمي جماهيرنا وكل مؤسساتها. وبقدر ما نكون مستعدين جماعيا لمواجهة مثل هذا التحدي بقدر ما ترتدع الدولة عن خطوتها القمعية القادمة.