4/8/2008

نؤكد على حرمة الدم الفلسطيني ونطالب الجميع بموقف عملي لتحقيق وتطبيق مبادرة الرئيس للحوار والمصالحة
علي سمودي – صادف في 2-8 ذكرى مرور ثلاثين عاما على اعتقال الأسير أكرم عبد العزيز سعيد منصور الذي يقضي حكما بالسجن المؤبد ورغم سنوات اعتقاله التي فقد فيها والديه ورفض إسرائيل الإفراج عنه وشطب اسمه من صفقات التبادل وعمليات الإفراج

فان منصور لا زال صامدا في سجنه النقب يتمتع بمعنويات عالية ويصر على حمل الراية التي ناضل وضحى في سبيلها لتحقيق أهداف وثوابت شعبنا وبهذه المناسبة كان اللقاء التالي لمراسلنا في جنين علي سمودي مع الأسير أكرم في أول حديث منذ اعتقاله.

س: سمعنا الكثير عن مراحل الصمود والمعاناة التي عايشتها في رحلة اعتقالك ولكن الكثيرين لا زالوا يجهلون هويتك الشخصية وأسباب وماهية اعتقالك فهلا حدثنا عن ذلك؟

ج: في مدينة قلقيلية ولدت في 14-6-1960 لأسرة فلسطينية متواضعة وكنت الثاني في أسرتي المكونة من 15 نفر , وبسبب الظروف الاقتصادية والمعيشية الصعبة اضطررت لترك المدرسة والانضمام لوالدي في مواجهة مشاق الحياة وتامين احتياجات أسرتي فعملت في البناء وغيرها من الأعمال الحرة وخاصة داخل أراضي ال48 وفي تاريخ 30-7-1979 نفذت عملية فدائية في تل أبيب تمكنت خلالها من الاستيلاء على باص من محطة الباصات المركزية في تل أبيب والعملية كانت ردا على الاجتياح الإسرائيلي المعروف باسم اجتياح الليطاني في لبنان وما ارتكبته قوات الاحتلال من جرائم بحق شعبنا.

وبعدها بيومين وفي 2-8-1979 تمكنت قوات الاحتلال من اعتقالي في كمين في احد تلال قلقيلية وفورا قاموا بنقلي للتحقيق وتعرضت لكافة أشكال التعذيب والعقاب والعزل في سجون طولكرم وبيتح تكفا والجلمة لمدة شهر وبعدها نقلوني من محكمة لأخرى لثمانية شهور حتى حوكمت في محكمة تل أبيب في 16-3-1980 بالسجن المؤبد وقد تعرضت لإجراءات قاسية في تلك الفترة وجرى عزلي في الاكسات ورغم الحكم لم تنتهي رحلة العذاب والمعاناة فقد احتجزت مع المعتقلين اليهود المدنيين والجنائيين حتى عام 1984 بعدها نقلوني لسجن جنيد في نابلس وكجزء من سياسة العقاب وضعوني مع المعتقلين المدنيين لمدة أربع سنوات جرى خلالها احتجازي في كثير من الأوقات في الزنازين والاكسات بتهمة محاولة إقامة تنظيم واتصالات مع المعتقلين الأمنيين ورغم احتجاجي وقيامي بخطوات احتجاجية رفضوا نقلي للأقسام الأمنية وأمام إصراري وعنادي قاموا بردعي والتنكيل بي ثم نقلوني لانضم لباقي المعتقلين خاصة أسرى حركة فتح حيث كنت أعلنت انتمائي للحركة ومكث في جنيد حتى إغلاقه بعد الإفراج عن أول دفعه من المعتقلين في عملية التبادل حيث جرى شطب اسمي لان قوات الاحتلال قامت بتصنيفي ضمن قائمة المطلخة أيديهم بالدماء.

س: ما هو مصيرك بعد إغلاق جنيد وما هي المحطات التي لم تنساها حتى بعد مرور 30 عاما؟

ج: نقلوني إلى عدة سجون كجزء من سياسة العقاب ومنع الاستقرار والتواصل مع الأسرى وحرماني من زيارات الأهل فمن عسقلان إلى هدريم وفي عام 2004 قامت إدارة السجون بعملية القمع الشهيرة في عسقلان لضرب الحركة الأسيرة التي تمكنت من انتزاع العديد من الانجازات ونجحت في بناء نظام قوي ومتين للأسرى فقاموا بنقلي لعزل سجن بئر السبع لمدة عام حرمت خلالها من كافة حقوقي ثم أعادوني لسجن عسقلان لفترة ثم قبل عام نقلوني للنقب بشكل غريب حيث لا زلت اقبع رغم أني صاحب اكبر حكم امني واعتقد أن السبب هو نفسه العقاب , وفي محطات الاعتقال عبر ثلاثين عاما هناك الكثير من الذكريات التي لا أنساها وخاصة خلال فترة التحقيق ففي إحدى المرات سكب السجانين وجبه المعكرونة على الأرض في سجن الجلمة واستمروا في ضربي حتى أرغموني على تناولها , وفي مرة أخرى في الجلمة أيضا سكبوا علي دلوا البول وأعادوني للزنزانة وعندما حضر الضباط وقدمنا شكوى أخروجنا من الزنزانة وأرغمونا على التعري أنا وباقي الأسرى ورشوني بالماء وهناك لحظات لا تنسى خلال المحاكم ففي كل رحلة كانت معاناة وعذاب وإجراءات تعسفية متعمدة وفي إحدى المرات وضعونا في سجن الدامون أربع أيام ثم نقونا إلى سجن الرملة وطول الطريق اهانات وشتائم ولسوء حظي أجلسوني على ماتور سيارة البوسطة فانحرفت والتصق لحمي بملابسي كل ذلك مع الضرب على ظهورنا ولا أنسى عمليات القمع خلال اقتحام الغرف وتفتيشها وعزلنا لفترات طويلة ومنعنا من حقوقنا ولكن الأكثر قساوة هو صرخات الأسرى المرضى وإهمال ورفض علاجهم لن أنسى الآلام رفاقي الأسرى ومعاناتهم وعجزهم عن النوم والهدوء للحظات وحياتهم وسط المعاناة لأيام والإدارة لا تقدم سوى المسكنات والاكمول وهو الواقع المستمر في حياة الأسرى والذي نعايشه لحظة بلحظة منذ ثلاثين عاما في كل محطات تنقلي من سجن لآخر فالوضع الصحي للأسرى مأساوي وهناك إهمال متعمد وسياسة واضحة تمارسها إدارة السجون تشكل خطرا على حياة الأسرى.

س: وما هو تأثير الاعتقال والسجون على وضعك الصحي طوال الثلاثين عاما؟

ج: حالي كحال جميع الأسرى فالتعذيب وظروف الاعتقال المأساوية أدت لإصابتي بعدة أمراض ومعاناة بالغة فبسبب التحقيق والضرب أصيب أذني اليسرى بخزق وأجريت لي عملية جراحية ولكنها لم تنجح ولا زلت أعاني لان سمعي فيها قليل , وخلال اعتقالي كانت هناك إصابة في يدي اليمنى وأجريت لي عملية لم تنجح أيضا ولا زلت أعاني وفي رحلة الاعتقال المريرة تساقطت أسناني ولم يبقى في فمي سوى أربع أسنان ويمكن القول أن كل شيء في المعتقل يرمز للمعاناة ولا يوجد أسير قابلته في المعتقلات جميعها إلا ودفع ثمن الاعتقال وظروفه البائسة التي لا تورث سوى المرض الذي يتضاعف بسبب عدم توفر العلاج فهناك العشرات من الأسرى ممن تدهورت حالتهم الصحية لإهمال الإدارة علاجهم وهناك العشرات ممن يحتاجون لعمليات جراحية.

س: وهل هناك محطات مؤلمة على صعيد حياتك الشخصية في رحلة اعتقالك المستمرة منذ 30 عاما؟

ج: ما دمت معتقل فان المعاناة هي رفيق دربك الدائم وعليك أن تتوقع في سجون إسرائيل الأسوأ دوما فالعزل والعقاب والاحتجاز مع المدنيين يعتبر من القضايا المروعة والمؤلمة ولكن الأشد ألما إنني فقدت والدي دون أن أحظى بوداعهما فقد توفيت والدتي عام 1988 ووالدي عام 1998 توفيا بعد سنوات من العذاب والتنقل على بوابات السجون لزيارتي ورفع معنوياتي وتأثرت كثيرا وحزنت بشكل لا يوصف لأنهما رحلا قبل أن يتحقق حلمهما بتحرري وعودتي لمنزلنا فقد كانوا ينتظرون لحظة الفرج في كل صفقة تبادل وعملية إفراج وكانت أمنيتي أن يفرج عني كمكافأة لهما على صمودهما ولكن هذا قدر الله وأمنيتي أن أتحرر وأعود لباقي أفراد أسرتي وإخوتي وعائلاتهم التي تنتظرني لحظة بلحظة فقد تزوج أشقائي ورزقوا بالأبناء والأحفاد بينما لا زلت رهن الأسر دخلت العام الخمسين من عمري وأمنيتي بان يجتمع شملي بأسرتي ككل البشر وبتحطم هذه القيود والسجون علما إنني أعاني بشكل بالغ بسبب حرمان إخواني من زيارتي فقوات الاحتلال لا تسمح سوى لأختي بزيارتي ورغم الجهود التي بذلتها عائلتي فبذريعة الأسباب الأمنية يرفضون منحهم تصاريح وهذا دليل على أن مرحلة العقاب لم تنتهي ويجب أن يبقى الأسير يعاني طوال اعتقاله.

س: بعد ثلاثين عاما من الاعتقال الم تفقد الأمل؟

ج: لم يتزعزع إيماني للحظة واحدة طوال السنوات الماضية ولم أتخلى عن رسالتي وأهدافي ومبادئ التي أؤمن بها وضحيت من اجلها ولم افقد الأمل لمرة واحدة طوال الثلاثين عاما وندعو الله أن يديم علينا الصبر والصحة حتى يمن علينا بالفرج لان السجون لن تدوم والظلم نهايته معروفة وأمنيتي أن نعود لأسرتنا بكامل صحتنا وان لا نخرج عاهات ليعيشوا المأساة ونتمكن من تعويضهم و لنعيش معهم ما تبقى في هذا العمر فانا مشتاق لأرضنا ومنزلنا وأسرتنا علما أن جميع إخوتي تزوجوا وأصبح لديهم أبناء وأنا لا اعرفهم وأنا لا زلت بالسجون صامدا صابرا مع باقي إخوتي.

س: ولكن ما هو السر الذي يعطيك قوة الصبر والاحتمال لمدة 30 عاما في السجون والمعاناة والعذاب والألم؟

ج السر مصدره محبة الأهل وتعاضدهم وصبرهم وتحملهم معنا وإيماني بعدالة قضيتي ورسالتي لشعبي الصامد الذي لم يتخلى عنا ولا زال يضحي مع كل قوى وفصائل شعبنا لتعزيز صمودنا وتحقيق حريتنا التي لن نتخلى عنها ولن نساوم عليها ولن نضحي بثوابتنا التي ضحينا لأجلها وان شاء الله تكون آخرتها جيدة ويعوض الله صبرنا بالفرج والتحرير لأرضنا وشعبنا وجميع الأسيرات والأسرى ويستمر الاهتمام من كافة القوى والفصائل وقيادة شعبنا لتتكاثف الجهود لتحريرنا لنعيش بأمل وحرية وأمان كباقي البشر.

س: كيف تقيم الوضع الفلسطيني كأسير وكيف تتابعون الموقف على الساحة الفلسطينية؟

ج: الأحداث المؤسفة المرفوضة والمدانة لم نتوقعها إطلاقا وهي مؤلمة لكل أسير لذلك نحن نأمل من حركتي حماس وفتح إعادة النظر في كل تداعيات المواقف والبدء الفوري بالحوار الذي نحقق من خلاله المصالحة والتوافق لان المتضرر أولا وأخيرا شعبنا الذي عانى بما فيه الكفاية وعليهم أن يفكروا بمصلحة شعبنا وحل خلافاتهم وتوحيد الجهود وان يتحملوا جميعا المسؤولية ونحن ضد أي خلاف أو اقتتال داخلي وبغض النظر عن الانتماءات ويهمنا مصلحة شعبنا ونؤكد على حرمة الدم الفلسطيني ونطالب الجميع بموقف عملي لتحقيق وتطبيق مبادرة الرئيس محمود عباس للحوار والمصالحة لأنه دون واحدة لن نحقق أي من حقوقنا أو أهدافنا.

وعلى الصعيد الفلسطيني نؤكد على ضرورة التأكيد على الثوابت الوطنية ودعم الجهود الجارية لدعم لمسيرة السلام لأننا عندما اخترنا الحل السياسي لقضيتنا فان ذلك جاء بعدما صمدنا وناضلنا أربعين عام وأمام الواقع العربي الهزيل والتآمر الدولي كان الخيار السياسي طريقنا لذلك نؤيد مسيرة السلام القائم على حقوق وتطلعات شعبنا الذي يحقق أهدافه وحقوقه ورغم تحفظاتي على الاتفاقية لأننا انطلقنا من واقع ضعيف ومرهق ولكن يجب تحسين الواقع التفاوضي وتطوير الأداء الفلسطيني وتصويبه خدمة لحقوق وأهداف شعبنا ونؤكد أن شق الوضع والموقف الفلسطيني يضعفنا أكثر ونطالب الجميع بالالتزام بقرار القيادة السياسية وخياراتها في تحقيق السلام العادل والشامل بالمفاوضات. رسالة أخيرة

س: الأسير أكرم ما هي رسالتك من سجنك في ذكرى اعتقالك؟

رسالتي الأولى هي الوحدة والتوحد والتلاحم لان مشوار الحرية لا زال طويلا أما رسالتي الثانية في إعادة تفعيل آليات التضامن مع قضية الأسرى لتبقى حية ومطروحة دوما على رأس سلم الأولويات لأنه بدون تحرك مستمر وضغوط متواصلة لا يمكن أن نحقق أي انجاز في ملف الأسرى فجميعنا ننتظر لحظة الحرية ونأمل أن يفرج الله كربنا كما ونأمل أن يكون لنا نصيب في التبادل القادم ووضع إستراتيجية واضحة لسر المعايير والرؤيا الإسرائيلية فعلى مدار السنوات الماضية وللأسف فانه لم يكن لنا نصيب بالإفراج عنا عبر العملية السياسية لذلك نأمل أن تبقى قضيتنا حية و أن يتم الإفراج عنا في الصفقة القادمة فقد عايشت جميع عمليات التبادل والافراجات وتأثرت بشكل بالغ بسبب أسرتي وعائلتي الذين يتساءلون معي إلى متى سنبقى رهائن واسري وكيف يمكن أن يتحقق السلام في ظل استمرار ملف الاعتقال مفتوحا ورغم ذلك أقول لشعبنا نحن صابرون وصامدون لان ما قدمنا من تضحيات كان من منطلق الواجب والنضال والانتماء لفلسطين لذلك أملنا أن لا ينسانا شعبنا وقيادتنا وعدم إبرام أي اتفاقية سلام دون تحرير الأسيرات والأسرى ونأمل من القيادة الفلسطينية بلورة موقف جدي وحقيقي تجاه قضيتنا والعمل للإفراج عنا وان تحرير سمير قنطار ورفاقه بعث الأمل لدينا فبالأمس كان سمير معنا فقد عشت معه في عمليات التبادل السابقة التي شطب اسمه واسمنا من قائمة الافراجات ولكن لم نيأس أو نفقد الأمل لحظة واحدة فالحرية قادمة.

الجدير ذكره أن سلطات الاحتلال رفضت في محكمة شليش الإفراج عن الأسير أكرم منصور رغم إعلانه التزامه بقرار القيادة السياسية وخياراتها في تحقيق السلام العادل بالمفاوضات.