16/1/2005

انفجرت خلال الأيام القليلة الماضية قضية صفقة الصواريخ الروسية المزمع إبرامها مع سورية خلال زيارة الرئيس السوري إلى روسيا قريبا . وطبقا للتقارير المنشورة فإن الحديث يدور عن صواريخ مضادة للطائرات من طراز ” إيغلا ” المعروفة في الغرب تحت اسم ” S-18 ” . ومن المعلوم أن هكذا أسلحة لا يمكن استخدامها إلا في حالة تعرض المجال الجوي السوري لانتهاك من دولة أخرى ، وهو في هذه الحالة إسرائيل ـ الدولة الوحيدة التي لم تزل في حالة حرب مع سورية . وبتعبير آخر ، فإن هذا النوع من الأسلحة يصنف في خانة الأسلحة الدفاعية التي لا يمكن استخدامها للاعتداء على أحد ، سواء داخل البلاد أم خارجها .

إن ” المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية ” ، بصفته منظمة أهلية مدافعة عن حقوق الإنسان وغير معنية بقضايا ذات طابع سياسي ـ أمني من هذا النوع تتصل بأمن الدولة مباشرة لا بأمن السلطة والنظام القمعي الحاكم في سورية ، يرى في الجدل الدائر حول هذه القضية ، والمواقف المتخذة من بعض الدول الغربية إزاء الصفقة العتيدة ، والمعارضة الشرسة التي تبديها هذه الدول إزاءها ، نوعا من النفاق الخسيس والوضيع الذي ينم عن انحطاط حقيقي في السياسة الدولية . ولا ينفي هذا نفاق النظام في فيما يتعلق بالتسلح، كما سنبين أدناه.

فمن ناحية أولى أصبح واضحا منذ زمن بعيد أن النظام السوري ليس في وارد استخدام القوة لتحرير الأراضي السورية ، سواء منها التي تحتلها تركيا (لواء اسكندرونة ) أو التي تحتلها إسرائيل (الجولان) ، فضلا عن أنه أنهى التزامه بالقضية الفلسطينية ، إلا فيما يتعلق حصرا بالبروباجندا الإعلامية . فهو أعلن أن السلام خياره الاستراتيجي ، وقام بـ ” قوننة ” هذا التوجه مؤخرا حين غير ديباجة ميثاق ما يسمى بـ ” الجبهة الوطنية التقدمية ” ، وهي واحد من أغرب التحالفات السياسية عبر التاريخ ( تحالف حزب حاكم مع سبعة أحزاب سرية محظورة قانونيا) . كما أن جبهة المواجهة مع إسرائيل تعتبر الجبهة الأكثر هدوءا في تاريخ الصراعات السياسية الدولية والإقليمية ( لم تطلق فيها طلقة واحدة منذ أكثر من ثلاثين عاما) ، ولم يقم النظام بالرد على أي من الاعتداءات الإسرائيلية منذ ثلاثة عقود ، حتى حين طالت هذه الاعتداءات عمق الأراضي السورية نفسها ، فضلا عن رموز السيادة ( الغارة على عين الصاحب وتحليق الطيران الإسرائيلي بشكل منخفض فوق القصر الرئاسي) . وظلت ردود فعل النظام من خلال توكيله حزب الله اللبناني بالقيام بذلك . وعليه يبدو من المستغرب جدا ، فيما لو تأكدت الأخبار المتداولة ، أن يفكر النظام بتكريس مبالغ طائلة لاستيراد أسلحة متطورة من هذا النوع ، رغم طابعها الدفاعي ورغم أنها حق من حقوق سيادة الدولة .

ومن ناحية ثانية ، أي فيما يتصل بنفاق الدولة الغربية التي تثير هذه الزوبعة ، فمن المعروف أن هذه الدول هي نفسها التي تصدر وسائل القمع والتعذيب و ” تكنولوجيا الرقابة ” وما يسمى بوسائل مكافحة ” الإرهاب” و ” الشغب ” إلى سورية. وقد أثبت الرصد والبحث الذي قام به ” المجلس ” على مدار السنة الماضية استمرار تدفق هذا النوع على مستودعات أجهزة المخابرات السورية ووزارة الداخلية من مصادر عديدة ، وبشكل خاص الدول الغربية التي تعارض هذه الصفقة . وفيما يلي بعض مما استطاع ” المجلس ” التوصل إلى معرفته ، وإن جزئيا :

أولا ـ رغم توتر العلاقات بين فرنسا وسورية ، ووصولها إلى شبه القطيعة على المستوى السياسي ، فإن فرنسا استمرت بتصدير معدات تستخدم في التعذيب والتأثير على الجملة العصبية والجهاز العصبي . ومن أهم هذه المعدات جهاز مصمم في الأساس للمراكز الطبية التي تتعاطى مع حالات الشلل الرعاشي ومشاكل العمود الفقري و الوزمات العصبية وتنبيه الأعصاب التي تكون في حالة ” موات ” . وقد أجري عليها بعض التعديلات بحيث يمكن استخدامها لتعذيب المعتقلين . ( ثبت استلام المخابرات الجوية معدات من هذا القبيل تم استيراها أساسا لصالح وزارة الصحة السورية وإدارة الخدمات الطبية العسكرية )؛

ثانيا ـ صدرت فرنسا خلال السنوات الخمس الماضية ملحقات (معدات ) تكنولوجية يمكن إضافتها لطائرة الهيلوكبتر من طراز ” غازيل” المضادة للدبابات ، بحيث يمكن استخدامها لقمع المظاهرات وما يسمى بأعمال ” الشغب” في الأماكن بالغة الضيق من حيث المساحة ( شوارع وأزقة ووديان وأبنية .. ) . ومن المعروف أن هذه الطائرة تمتاز يقدرتها العالية جدا على المناورة بسبب خفة وزنها وصغر حجمها ( بإمكانها الطيران على مستويات منخفضة جدا والمرور حتى تحت الجسور متوسطة الارتفاع ) . ومن شأن هذه المعدات أن تستخدم لرش المتظاهرين بمواد كيماوية ( مصنعة في ألمانيا) قد تتسبب في العمى ؛
ثالثا ـ صدرت إسبانيا ما يقارب 70 ألف ” كلبشة ” لصالح وزارة الداخلية السورية ؛
رابعا ـ حصلت سورية من بريطانيا على ” عصي كهربائية ” شبيهة من حيث الشكل بالعصي التي تستخدمها شرطة المرور ، إلا أنها في الواقع تستخدم لصعق المعتقلين كهربائيا من خلال تفريغ الكهرباء المشحونة في أجسادهم عند الضرب ، دون التسبب في الموت أو الإعاقة الدائمة ؛
خامسا ـ حصلت سورية من ألمانية ، خلال عقد التسعينيات والسنوات الثلاث الماضية ، على أكثر من مئتي عربة مدرعة للاستخدام في مكافحة الشغب . وقد وجدت هذه العربات طريقها إلى ” كتيبة حفظ النظام ” في دمشق ومحافظة الحسكة ( عاصمة كردستان سورية ) ، فضلا عن فروع إدارة المخابرات العامة ( أمن الدولة ) . وقد استخدم بعض هذه العربات في قمع الهبة الشعبية الكردية ربيع العام الماضي ، وضرب أحزمة الحصار حول المواطنين الذين اعتصموا قرب مجلس الوزراء في اليوم العاملي لحقوق الإنسان (2003) ؛ سادسا ـ حصلت سورية من الولايات المتحدة ـ عبر وسيط ثالث ( تجار سلاح ) ـ على عشرات الأطنان من السوائل التي يمكن استخدامها في قمع المظاهرات ، فضلا عن آلاف القنابل المسيلة للدموع ، التي يمكن أن يسبب بعض أنواعها العمى الموقت أو الدائم .

هذا بعض من الأسلحة التي صدرتها الدول الغربية لسورية مما يسمى بـ ” أسلحة مكافحة الشغب والإرهاب” . ومن المؤكد أن هناك صفقات أخرى قد لا تتم معرفتها على المدى المنظور . ومن اللافت أن هذه الأسلحة والمعدات قد صدرت في إطار التعاون الأمني بين النظام السوري والدول الغربية لمحاربة التطرف الإسلامي ! أما على صعيد توريج معدات الرقابة والتصنت ، فقد ثبت تلقي النظام السوري من ألمانيا وبريطانيا وفرنسا والسويد معدات إلكترونية يمكن استخدامها لمراقبة وتسجيل محتويات البريد الإلكتروني الداخل إلى سورية والخارج منها ، فضلا عن حجب مواقع الإنترنت . وقد وجدت هذه المعدات طريقها إلى الفرع 211 (في القابون ـ مساكن برزة بدمشق ) وإلى المؤسسة العامة للاتصالات السلكية واللاسلكية والجمعية السورية للمعلوماتية .

ومن المعروف أن الفرع المذكور ( المعروف باسم الفرع الفني والتابع للمخابرات العسكرية ) مسؤول ـ من بين ما هو مسؤول عنه ـ مراقبة جميع أنواع وأشكال الاتصالات سواء منها التي تجري داخل سورية ، أو منها وإليها . أما ” المؤسسة ” و ” الجمعية ” المذكورتان فهما الجهتان الرسميتان ( والوحيدتان) اللتان تزودان المواطنين بخدمة الإنترنت التي تعتبر من أسوأ أنواع الخدمة في العالم ، كما ونوعا . هذا فضلا عن عمليات الحجب التي تطال عشرات المواقع الإلكترونية الناطقة بالعربية والكردية والإنكليزية والفرنسية ! إن ” المجلس الوطني للحقيقةوالعدالةوالمصالحة في سورية ” ، وإذ يدين هذه السياسة المنافقة التي تتبعها الدول الغربية ، أو أكثريتها ، في ميدان التسلح وتصدير تكنولوجيا الاتصالات، كمّا ونوعا ، تدعو هذه الدول إلى وقف هذا النفاق الرخيص وإلى التوقف عن دعم الأنظمة الشمولية بحجة مكافحة الإرهاب . لأن هذا هو الأسلوب الوحيد للبرهان عن مصداقية شعاراتها المعلنة في دعم ” التحولات الديمقراطية” في العالم العربي واحترام حقوق الإنسان فيها .