16/1/2005

مشروع القانون يمنع جميع المعتقلين الساسيين السابقين من مزاولة العمل السياسي
ويحظر إنشاء أحزاب سياسية على أسس ” دينية أو عرقية ” ويهدف إلى ” قوننة القمع ” !!

حصل ” المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية ” على الخطوط الأساسية للمسودة ” شبه النهائية ” لقانون الأحزاب العتيد المزمع تقديمه من قبل القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم إلى المؤتمر القطري العاشر للحزب المرجح انعقاده خلال الأشهر القليلة القادمة ، وربما يتم تبكير انعقاده إلى ما قبل ذلك بكثير تبعا لبعض ” الإشارات التي تنتظرها دمشق من واشنطن ” .
وطبقا لما كشفه لنا موظف حزبي/إداري كبير يعمل رئيسا لمكتب أحد أعضاء القيادة القطرية لحزب البعث الحاكم ، فإن لجنة صياغة مسودة القانون تم تشكيلها من ثلاثة مكاتب في القيادة القطرية ” ، هي : ” المكتب القانوني القطري ” و ” مكتب النقابات القطري ” و ” مكتب الأمن القومي ” الذي ـ وفقا للمصدر ـ منحه الرئيس بشار الأسد ” حق وضع اللمسات الأخيرة على مسودة القانون ، والاعتراض على أي فقرة أو مادة يرى فيها ما يشكل خطرا على الأسس العامة لأمن الدولة ، و اقتراح الصيغة البديلة أو التعديل المناسب الذي يوافق هذه الأسس ” .
ومن المعلوم أن مكتب الأمن القومي في القيادة القطرية هو القيادة السياسية العليا لأجهزة المخابرات وأركان الجيش ، ويضم في عضويته قادة هذه الأجهزة ، فضلا عن رئيس الوزراء ووزير الخارجية ورئيس الأركان ووزير الدفاع وعدد من أركانات الجيش .

تؤكد مسودة ” قانون الأحزاب ” العتيد ـ وفقا للمصدر ـ على ثلاثة خطوط عامة / مواد أساسية هي : ـ حظر إنشاء أحزاب سياسية على ” أسس عرقية ” أو ” أسس دينية ” . ومن الواضح أن الهدف من هذه المادة هي منع الأحزاب الكردية في سورية ( ويتجاوز عددها العشرة أحزاب ) من مزاولة أي نشاط سياسي ، فضلا عن ” جماعة الإخوان المسلمين ” .

ـ اشتراط ” أن لا يتضمن السجل العدلي لأي من الوكلاء المؤسسين ( أعضاء الهيئة التأسيسية ) للحزب المرشح للترخيص حكما بعقوبة سجن فعلية على جنحة أو جريمة سياسية تتجاوز مدتها العامين ” ، وأن ” لا يقبل الحزب الذي يتقدم بطلب ترخيص في صفوفه أي مواطن سوري يتضمن سجله العدلي حكما بعقوبة سجن فعلية على جنحة أو جريمة سياسية تتجاوز مدتها الثلاث سنوات وما فوق ” .
ومن الواضح أن العمل بهذا الأساس ” القانوني ” يعني حرمان أكثر من 95 بالمئة من المواطنين السوريين الذين سبق لهم أن اعتقلوا لأسباب سياسية وأسباب تتعلق بحرية الرأي ، وصدرت بحقهم أحكام فعلية ، من مزاولة النشاط السياسي أو أي شكل من أشكال العمل العام . ذلك لأن قانون الجمعيات الذي سيجري تفعيله بعد تعديله ، وفق المصدر ذاته ، سيتضمن مادة تنص على هذا المحتوى للحيلولة ” دون احتيال المعتقلين السياسيين السابقين على الدولة ولجوئهم إلى العمل في جمعيات حقوق الإنسان وجمعيات أو نقابات تهتم بهذه الجوانب ” .
ومن المعلوم أن جميع هؤلاء تقريبا صدرت بحقهم أحكام تتجاوز الثلاث سنوات من السجن الفعلي .
وأن الأغلبية الساحقة من المعارضين السوريين الذين سبق لهم أن اعتقلوا خلال العقود الثلاثة الأخيرة ، حوكموا أمام محاكم استثنائية سرية وشبه سريه ، سواء منها المحاكم الميدانية العسكرية أو محكمة أمن الدولة العليا ـ شبه العسكرية دون أن تتوفر محاكماتهم على أي معيار من المعايير الدولية ، بل وحتى المعايير المحلية التي ينص على قانون أصول المحاكمات ، والمئات منها ( تحديدا تلك التي أجرتها المحاكم الميدانية العسكرية و المحكمة الحربية التي اختصت بمحاكمة المواطنين اللبنانيين ) اقتصرت على جلسة واحدة لا تتجاوز مدتها الدقيقة أو الدقيقتين !

إضافة لما تقدم ، وطبقا للمصدر ذاته ، فإن مسودة القانون تشترط :
ـ ” أن ” لا يقل عدد أعضاء الوكلاء المؤسسين ( الهيئة التأسيسية ) عن مئة وخمسين عضوا ، وأن تضم أعضاء من جميع المحافظات السورية ” . وهذا يعني ضمنا إخراج قسم كبير من الأحزاب الموجودة الآن ، وبعضها يتجاوز عمره التأسيسي عدة عقود ، من ساحة العمل ” الشرعي ” . وذلك بالنظر لأن معظم هذه الأحزاب يقتصر وجوده ، ولو المتواضع ، على بضع محافظات وحسب ، أو حتى محافظة واحدة ، وبات لا يضم في صفوفه أكثر من ثلاثين أو خمسين شخصا على الأكثر ، كحزب الاتحاد الاشتراكي الذي يقوده صفوان قدسي ” الذي يستعير العشرات من البعثيين لملء مقاعد الصالات التي يعقد فيها مؤتمراته ونشاطاته أثناء التصوير التلفزيوني ” ، على حد تعبير المصدر .

ـ ” أن لا تتناقض أهداف الحزب التي سيجري الترخيص على أساسها مع أهداف ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية (الحاكمة ) وتعديلاته ، حتى وإن بقي الحزب المرخص خارج إطار الجبهة ورفض الانضمام إليها لأي سبب من الأسباب ” .

ـ أن يكون ” لوزير الداخلية حق إلغاء ترخيص أي حزب ، بعد موافقة رئيس الوزراء ، إذا ما رأى أن أيا من نشاطات الحزب المرخص تتناقض وأهدافه المعلنة التي جرى ترخيصه بالاستناد إليها ” .

يتضح مما تقدم ، وفيما إذا أقر مشروع القانون هذا من قبل المؤتمر العاشر لحزب البعث ، وهذا هو المرجح إذا لم تطرأ أية مفاجآت داخلية أو خارجية ، أن الغاية الأساسية من ” قانون الأحزاب ” العتيد هو ” قوننة القمع ” من خلال ” شرعنة ” الوضع الراهن بقانون لا يختلف في جوهره عن قوانين الطوارئ النافذة منذ العام 1963 . ولعل الأخطر من ذلك هو أن مشروع القانون ، في حال تم إقراره وفق الأسس المشار إليها ، سيكون من شأنه تشجيع الولاءات والانتماءات التقليدية الموجودة ، وإحياء ما مات منها ، مثل الولاءات الطائفية والمذهبية والعشائرية والقبلية و ” المالية “. لأن القبيلة والطائفة وأصحاب الثروات المنهوبة هي الجهات ” الوحيدة ” تقريبا التي تستطيع تلبية هذه الشروط بعد أربعين عاما من القمع والإرهاب وتدمير الحياة السياسية . وبتعبير آخر ، فإن ما ترغب به السلطة هو سن قانون لتشريع نشاط “المافيات المالية” و ” أحزاب العشائر ” وليس الأحزاب السياسية . ولا نملك ـ والحال كذلك ـ إلا أن نقول لجميع الذين ضللوا الشارع السوري على مدى أكثر من أربعة أعوام ، وباعوه أكداسا من الأوهام والوعود الجوفاء ، سوى أنهم ” صاموا وأجبروا الناس على الصيام معهم ، من أجل أن يفطر الجميع على .. بصلة متعفنة ” !